منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
. معنى الصوم 933339 .
بقلوب ملؤها المحبة


وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة
منتديات عائلة تابلاط

منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
. معنى الصوم 933339 .
بقلوب ملؤها المحبة


وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة
منتديات عائلة تابلاط

منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


عائلــ الاخلاق الصدق الصبر العدل العفو الرفق التعاون الحلم الامانة الاخوة العمل الامل المشورة التواضع ــة تابــلاط
 
الرئيسيةعائلة تابلاطأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 معنى الصوم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فارس المنتدى

فارس المنتدى


معنى الصوم Hh7.net_13102023561
الجنس : ذكر
العـمـل : الحمد لله
هوايتي المفضلة : الانترنات و الرياضة
وسام : وسام العضو
منتديات عائلة تابلاط : توقيع المنتدى

معنى الصوم Empty
مُساهمةموضوع: معنى الصوم   معنى الصوم Clockالأحد 14 أغسطس 2011 - 1:38

الصوم: عبادةُ السادات، وعبادة السادات ساداتُ العبادات، وشِيَم الأحرار أحرارُ الشيم.
نَصُومُ فَإِنَّ الصَّوْمَ مِنْ عَلَمِ التُّقَى وَإِنَّ طَوِيلَ الجُوعِ يَوْمًا سَيَشْبَعُ
فما الغايَةُ العُظْمَى؟ وما أهم معاني الصوم؟

(أ) الإخلاص عنوان الصوم
أحلى أُعْطيات الصوم وأغلى معانيه الإخلاصُ، والإخلاص لله إخْلاصٌ وتَجَرُّد، بعيدًا عن أوحال الأرض.
والصوم: هو العبادة الوحيدة التي خُصَّت بالنسبة إلى الله "إلاَّ الصيامَ فإنه لي"[1].

وكما قال الإمام أحمد: "لا رياء في الصوم، فلا يدخله الرياء في فعله، من صَفا صُفي له، ومن كَدَر كُدر عليه، ومن أحسن في ليله كُوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنَّما يُكال للعبد كما كال".

والجنة لا تَطْلُب إلاَّ قلبًا خالصًا لله؛ {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف: 79].
والصوم يُعلِّم الناس الإخلاص، فما صام منافقٌ مُراءٍ.

والغاية الوحيدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص، وهي مِحْور دعوات الرسل، يقول - تبارك وتعالى -: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2] الآية، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11] الآية، {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 14] الآية، {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29] الآية، {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14] الآية.

والإخلاص: التعَرِّي عما دون الله، ونسيان رؤية الخلق بدوام النَّظَر إلى الخالق... أن يكون سُكُون العبد وحركاته لله - تعالى - خاصة، وإخراج الخلق عن مُعاملة الرب، والإخلاصُ أشد شيء على النفس؛ لأنه ليس لها فيه نصيب كما قال سهل.

والصدق في الإخلاص من أشد الأمور على النفوس، يقول سفيان الثوري: "ما عالَجْت شيئًا أشدَّ عَلَيَّ من نِيَّتي، إنها تتقلَّب عليَّ".

والإخلاص: هو الحرية في أرْقَى صُوَرِها وأكْمَلِ مراتبها، لا، لا، يا قيود الأرض.
تَفِيضُ نُفُوسٌ بِأَوْصَابِهَا وتَكْتِمُ عُوَّادَهَا مَا بِهَا
وَمَا أَنْصَفَتْ مُهْجَةٌ تَشْتَكِي جَوَاهَا إِلَى غَيْرِ أَحْبَابِهَا
شجرة الإخلاص أصْلُها ثابِتٌ، لا يَضُرُّها زَعْزَعُ: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} [النحل: 27]، وأما شجرة الرِّياء فاجْتُثَّت عند نَسَمَة {وَقِفُوهُمْ} [الصافات: 24]، لَريحُ المخْلِصين تَرفعُ قَدْر الوَسَخ ((رُبَّ أشْعَثَ أغْبَرَ))، فيا أسَفَا! ذهب أهل الإخلاص والتحقيق، وبَقِيتْ بُنَيَّات الطريق، رحل - والله - السادة، وبقي قرناء الرياء والوسادة.
ذَمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى والعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الأَقْوَامِ
يا إخوتاه! الإخلاص مِسْكٌ مَصون في مِسْك القَلْب، تَنَبَّه ريحه، العمل صورة، والإخلاصُ روحٌ.

الإخلاص اليسير كثير، وخليجٌ صافٍ أنفع من بَحر كَدِر، أتَحْدو وما لَكَ بَعير؟! أتَمُدُّ القَوْسَ وما لها وتر؟! أتتجشأ من غير شبع؟!

كم بذل نفسه مِراءً لتمدحه الخلائق فذهبتْ والمدحَ، ولو بَذَلها للحقِّ لبَقِيت والذكر، المرائي يحشو جراب العمل رملاً، فيثقله ولا ينفعه، ريح الرياء جيفة تتحاماها مَسام القلوب.

لمّا أخذ دودُ القَزِّ ينسج أقبلت العنكبوت تَتَشَبَّه، وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القَزِّ: ولكن نَسْجِي أردية بنات الملوك، ونسجُك شبَكة الذباب، وعند مسِّ النسيجين يتَبَيَّن الفرق.
"إِذَا اشْتَبَكَتْ دُمُوعٌ فِي خُدُودٍ تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكا"[2]
والأمة أحوج ما تكون إلى إخلاص أبنائها، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم))[3]، وفيه خلاص الأمة ورفعتها، فعن أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَشِّرْ هذه الأمة بالسناء والدين، والرِّفعَة والتَّمْكين في الأرض، فَمَن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نَصيب))[4]، وفي رواية للبيهقي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بشِّرْ هذه الأمة بالتيسير والسناء، والرفعة بالدين والتمكين في البلاد والنَّصر، فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا، فليس له في الآخرة من نصيب)).

ما أحوجنا إلى الصيام والإخلاص! عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما يُبعث الناس على نياتهم))[5]، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما يُحشرُ الناس على نِياتِهم))[6].

ما أحوجنا إلى الفرار من الرياء! والصيام خيْرُ عَوْن، عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من سمع النَّاسُ بعمله، سمَّع اللهُ به مسامِعَ خَلْقِه، وصغَّرَه وحقَّره))[7]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث لا يَغُلُّ عليهن قلبُ امرئٍ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولُزوم جماعتهم؛ فإن دعاءهم يُحيطُ من ورائهم))[8].

ولو لم يكن في الإخلاص إلا طَرْدُ الخيانة والحقد من القلب لكفاه شَرَفًا، فيكفي أنَّ الأعمال ميِّتة بدونه، وقِشْرٌ خَالِسٌ من الباب سواه.

ومن هنا؛ تأتي أهمية الصوم ومعناه الكبير؛ إذ كل عبادة سواه قد يدخلها الرياء، وإرادة وجه المخلوقين، حتَّى الصلاة خير الأعمال قد يدخلها الرياء.

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ((ألا أخبركم بما هو أخْوَف عليكم عندي من المسيح الدجال))؛ فقلنا: بلى، يا رسول الله، فقال: ((الشرك الخفي: أن يقوم الرجل فيصلي، فيُزَيِّن صلاته لِما يَرى من نَظَر رجل))[9].

وعن محمود بن لبيد - رضي الله عنه - خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أيُّها الناس، إياكم وشركَ السرائر))؛ قالوا: يا رسول الله، وما شرك السرائر؟ قال: ((يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا؛ لِما يرى من نَظَر الناس إليه، فذلك شِرْك السرائر))[10].

والجهاد والصدقة وقراءة القرآن قد يدخلها الرياء، فدَلَّ ذلك على خطره وفظاعته وشناعته، وإليك هذا الحديثَ؛ لترى خوف الصحابة من الرياء، وعلى ضوء ذلك ترى المعنى الجليل، الذي يورث الصيام لأصحابه وهو الإخلاص.

عن عقبة بن مسلم أنَّ شُفَيًّا الأصبحي حدَّثه أنه دخل المدينة، فإذا هُو برَجُل قد اجتمع عليه الناس، فقال من هذا؟ قالوا: أبو هريرة، قال: فدنوت منه، حتى قعدت بين يديه، وهو يُحَدِّثُ النَّاس، فلما سكت وخلا، قلت: له: أسألك بحقٍّ، وبحقٍّ لَمَا حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعَقَلْتَه وعَلِمْتَه، فقال أبو هريرة: أَفْعَلُ، لأُحَدِّثَنَّك حديثًا حدَّثَنِيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَقَلْتُه وعَلِمْتُه، ثم نَشَغَ[11] أبو هريرة نشْغَةً، فمكثنا قليلاً ثم أفاق، فقال: لأحدِّثَنَّك حديثًا حَدَّثَنِيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غَيْري وغيرُه، ثم نَشَغَ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق، ومسح عن وجهه فقال: أفْعَلُ، لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارًّا على وجهه فأسندته طويلاً، ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تبارك وتعالى - إذا كان يوم القيامة ينزل على العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأوَّل من يُدْعَى به رجل جَمَعَ القرآن، ورجل قُتِلَ في سبيل الله، ورجل كثيرُ المال، فيقول الله - عز وجل - للقارئ: ألم أُعَلِّمْك ما أنْزَلْتُ على رسولي؟ قال: بلى، يا ربِّ، قال: فما عملت فيما عَلِمْتَ؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله - عز وجل -: كَذَبْتَ، وتقول له الملائكة: كَذَبْتَ، ويقول الله - تبارك وتعالى -: بل أردت أن يقال فلان قارئ وقد قيل ذلك، ويُؤْتَى بصاحب المال، فيقول الله - عزَّ وجلَّ -: ألم أُوَسِّعْ عليك حتى لم أدَعْكَ تحتاج إلى أحد، قال: بلى، يا ربِّ، قال: فماذا عملت فيما آتَيْتُك؟ قال: كنت أصِلُ الرحم، وأتصدق فيَقُول الله له: كَذَبْتَ، وتقول الملائكة: كَذَبْتَ، ويقول الله - تبارك وتعالى -: بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك، ويُؤتَى بالذي قُتِلَ في سبيل الله، فيقول الله له: فيمَ قُتِلْت؟ فيقول: أيْ ربِّ، أُمِرْتُ بالجهاد في سبيلك، فقاتلتُ حتَّى قُتِلْتُ، فيقول الله له: كَذَبْتَ، وتقول الملائكة: كَذَبْتَ، ويقول الله: بل أردتَ أن يقال: فلان جريءٌ فقد قيل ذلك))، ثُمَّ ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رُكْبَتِي، فقال: ((يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أوَّلُ خَلْقِ الله تُسَعَّرُ بهم النَّارُ يوم القيامة))، قال الوليد أو عثمان المديني: وأخبرني عقبة أن شُفَيًّا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حاتم أنه كان سيَّافًا لمعاوية، قال: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة، فقال معاوية: "قد فُعِل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس؟"، ثم بكى معاوية بكاءً شديدًا حتَّى ظَنَنا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشَر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه، وقال: "صدق الله ورسوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 – 16][12].

فكيف بمن بقي من الناس؟ لا نجاة إلا بالإخلاص.

فيالَلصَّوم من عبادة! أُسُّها ولحمتها وسداها الإخلاص، وفيه من النيران الخلاص.


(ب) التقوى حكمة الصوم العليا
قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

إن الغاية الأولى هي إعداد القلوب للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله - تعالى - هكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم، إنها التقوى، فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب، وهي تؤدي هذه الفريضة؛ طاعة لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق مُوَلٍّ إليها، من ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفًا وضيئًا، يتجهون إليه عن طريق الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ثم يُثنِّي بتقرير أن الصوم أيام معدودات، فليس فريضة العمر وتكليف الدهر، ومع هذا فقد أعفى من أدائه المرضى حتى يَصحوا، والمسافرون حتَّى يقيموا تخفيفًا وتيسيرًا.

وظاهر النص في المرض والسفر يطلق ولا يحدد، فأيُّ مرض وأي سفر يسوغ الفطر، وهذا هو الأولى في فهم النص القرآني، والأقرب إلى المفهوم الإسلامي في رفع الحجر، ومع الضرر لإرادة اليسر بالناس لا العسر.

فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى وغاية هذه العبادة خاصَّة هي التقوى.

والذي يفلت من أداء الفريضة تحت ستار الرخصة لا خَيْرَ فيه منذ البَدْء؛ لأنَّ الغاية الأولى من أداء الفريضة لا تتحقق.

وهذا الدين دين الله لا دين الناس، والله أعلم بتكامل هذا الدين، بين مواضع التَّرَخُّص ومواضع التشدد، وقد يكون وراء الرخصة في موضع من المصلحة ما لا يتحقق بدونها، بل لا بد أن يكون الأمر كذلك، ومن ثَمَّ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ المسلمون برُخَصِ الله التي رخص لهم.

وإذا حدث أن فسد الناس في جيل من الأجيال، فإن صلاحهم لا يتأتى من طريق التشدد في الأحكام، ولكن يتأتى من طريق إصلاح تربيتهم وقلوبهم، واستحياء شعور التقوى في أرواحهم، وإذا صَحَّ التشدد في أحكام المعاملات عند فساد الناس كعلاج راعٍ، وسدٍّ للذرائع، فإن الأمر في الشعائر التعبدية يختلف؛ إذ هي حساب بين العبد والرب، والظاهر في العبادات لا يُجدي ما لم يقم على تقوى القلوب، وإذا وجدت التقوى لم يَتَفَلَّت مُتَفلت، ولم يستخدم الرخصة إلى حيث يرتضيها قلبه، ويراها وهي الأولى"[13].


(جـ) ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون
"هذه غاية من غايات الفريضة: أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدْيِ الذي يسَّره الله لهم، وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام أكثر من كل فترة، وهم مكفوفو القلب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها، وهم شاعرون بالهدى ملموسًا محسوسًا؛ ليكبروا الله على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة، وتألف قلوبهم إليه بهذه الطاعة، كما قال لهم في مطلع الحديث عن الصيام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} وهكذا تبدو مِنَّة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقًّا على الأبدان والنفوس، وتتجلى الغاية التربوية منه، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة؛ لتؤديه أداء تحرسه التقوى، ورقابة الله وحساسية الضمير"[14].

"وفي لفظ التكبير عند انتهاء الصيام خصوصية جليلة: وهي أن المشركين كانوا يتزلفون إلى آلهتهم بالأكل والتلطيخ بالدماء، فكان لقول المسلم: "الله أكبر" إشارة إلى أن الله يعبد بالصوم، وأنه منزه عن ضراوة الأصنام"[15].

{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} تعليل آخر، وهو أعَمُّ من مضمون جملة: {ولِتُكَبِّرُوا الله}؛ فإن التكبير تعظيم يتضمن شكرًا والشكر أعم؛ لأنه يكون بالأقوال التي فيها تعظيم لله، ويكون بفعل القُرَب من الصدقات في أيام الصيام وأيام الفطر، ومن مظاهر الشكر لبس أحسن الثياب يوم الفطر"[16].


(د) الصوم وإعداد الأمة

لقد كان من الطبيعي أن يفرض الصوم على الأمة، التي يُفْرَض عليها الجهاد في سبيل الله؛ لتقرير منهجه في الأرض، وللقوامة به على البشرية، وللشهادة على الناس، فالصَوْم هو مجال تقرير الإرادة العارمة الجازمة، ومحالُّ اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضعفها وثقلها؛ إيثارًا لما عند الله من الرضا والمتاع، وهذه كلها عناصر لازمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقَّات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك، والذي تتناثر على جوانبه الرغبات والشهوات؛ والذي تهتف بالسالكية آلاف المغريات"[17].


(هـ) الصوم رياضة للنفس على ترك الشهوات

إذا كان من المتعذر على الإنسان بما هو مستودع فيه أن يتجرد عن شهوة الجسد؛ إذ من المتعذَّر عليه الانقطاع البات عن إمداد جسده بما فطره الله فيه، فكان من اللازم ارتقاء؛ فإن الحائل بينه وبين الكمالات والفضائل هو ضَعْف التحمل للانصراف عن هواه وشهواته.

"الصوم يعدُّ نفس الصائم لتقوى الله بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة؛ امتثالاً لأمره واحتسابًا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة تَرْك الشهوات المحرمة والصبر عنها، فيكون اجتنابه أيسر عليه، وتقوى على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها؛ فيكون الثبات عليها أهْوَن عليه؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام نصف الصبر)).

وهذا معنى دلالة "لعلَّ" على الترجي، فالرجاء إنما يكون فيما وقعت أسبابه وموضعه هنا المخاطبون لا المتكلِّم، ومن لم يصم بالنية وقصد القربى، لا تُرْجَى له هذه الملكة في التقوى، فليس الصيام في الإسلام لتعذيب النفس لذاته، بل لتربيتها وتزكيتها.

قال شيخنا: "إن الوثنيين كانوا يصومون لتسكين غضب آلهتهم إذا عملوا ما يغضبهم، أو لإرضائها واستمالتها في بعض الشؤون والأغراض، وكانوا يعتقدون أن إرضاء الآلهة أو التزلف إليها يكون بتعذيب النفس وإماتة حظوظ الجسد، وانتشر هذا الاعتقاد في أهل الكتاب، حتَّى جاء الإسلام يعلمنا أن الصوم إنما فرض؛ لأنه يَعِدنا للسعادة بالتقوى، وإن الله غَنِيٌّ عنا وعن عملنا وما كتب علينا الصيام إلا لمنفعتنا"[18].

أشواق الروح بطبيعتها لا تنتهي، فيعاضُها الجسم بجعل حاجاته غير منتهية، يحاول أن يطمس بهذه على تلك، وأن يغلب الحيوانية على الروحانية، فإذا أتى الصوم كفَّه وأمات أكثر نزعاته، ووضع لكل حاجة حدًّا ونهاية.

الصوم يصنع الإنسان صناعة جديدة، تخرجه من ذات نفسه، وتكسر القالب الأرضي الذي صبَّ فيه، فإذا هو غير هذا الإنسان الضيِّق المنحصر في جسمه ودواعي جسمه، فلا تَغُرَّه الدنيا ولا تخضعه المادة، إذا كانت هذه هي صفات المستعبد بأهوائه لا الحر فيها، والخاضع بنفسه لا المستقل بها، والمقبور في إنسانيته؛ ومثل هذا المستعبد الخاضع المقبور لا وجود له إلا في حكم حواسه، فعمله ما يعيش به لا ما يعيش من أجله، ويَتَّصل بكل شيء اتصالاً مبتورًا، ينتهي في هوًى من أهواء الحيوان الذي فيه، والصوم يطلق من سلطان نفسه، وينقح الآدمية فيه يجعله يجد نفسه، وموضع نفسه"[19].


(و) الصوم والمراقبة

ومعنى "لعلَّ": الإعداد والتهيئة، وإعداد الصيام نفوس الصائمين لتَقْوَى الله - تعالى - يظهر من وجوه كثيرة أعظمها شأنًا، وأنْصَعُها برهانًا، وأظهرها أثرًا، وأعلاها خطرًا وشرفًا أنه أمرٌ موكول إلى نفس الصائم، لا رقيب عليه إلا الله - تعالى - وسرٌّ بين العبد وربه، لا يشرف عليه أحد غيره - سبحانه - فإذا ترك الإنسان شهواتِه ولذَّاته التي تعرف له في عامَّة الأوقات لمجرد الامتثال لأمر ربه والخضوع له؛ لإرشاد دينه مدة شهر كامل في السنة ملاحظًا عند عروض كل رغْبة له – من أكل نَفيس، وشراب عذب، وفاكهة يانعة، وغير ذلك كزينة زوجة أو جمالِ الداعي إلى ملابستها – أنه لولا اطلاع الله - تعالى - عليه ومراقبته له لَمَا صبر عن تناولها، وهو في أشد التَّوْق لها، فلا جَرَمَ أنه هل يحصل من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للعمل ملَكَة المراقبة لله - تعالى - والحياء منه - سبحانه - أن يراه حيث نهاه، وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله - تعالى - والاستغراق في تعظيمه وتقديسه - أكبرُ مُعِدٍّ للنفوس، مؤهل لها لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا، ولسعادتها في الآخرة.

كما تؤهل هذه المراقبة النفوس المتحلية بها لسعادة الأخرى، تؤهلها لسعادة الدنيا أيضًا، انظر هل يقدم من تُلابِس هذه المراقبة قلبه على غِشِّ الناس ومخادعتهم؟ هل يسهل عليه أن يراه الله آكلاً لأموالهم بالباطل؟ هل يحتال على الله في منع الزكاة؟ هل يحتال على أكل الربا؟ هل يقْتَرف المنكرات جهارًا؟ هل يجترح السيئات ويسْدِل بينه وبين الله ستارًا؟ كلا؛ إن صاحب هذه المراقبة لا يسترسل في المعاصي؛ إذ لا يطول أمد غفلته عن الله - تعالى - وإذا نسي وألَمَّ بشيء منها يكون سريعَ التذكر، قريب الفيء والرجوع بالتوبة الصحيحة {إِنَّ الذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].

فالصيام أعظم مُرَبٍّ للإرادة، وكابتٍ لجماح الأهواء؛ فأَجْدَرُ بالصائم أن يكون حرًّا يعمل ما يعتقد أنه خير، لا عبدًا للشهوات، إنما روح الصيام وسرُّه في هذا القصد والملاحظة، التي تحدث هذه المراقبة.

رقيبٌ حيٌّ في قلبه، لا يرائيه ولا يجامله، ولا يُخْدع من تأويل، ولا يُغَرُّ بفلسفة، ولا تزين ولا يسكته ما تسول النفس، ولا يزال دائمًا يقول للنفس: إن الخطأ أكبر الخطأ أن تنظم الحياة من حولك، وتترك الفوضى في قلبك.

أنَّى هذا من حال أولئك الغافلين عن الله وعن أنفسهم، الذين يُفطرون في رمضان عمدًا، أو الأدنياء الذين يَسْتخفُون من الناس ولا يستخفون من الله، الذين يأكلون ولو في بيوت الأخْلِية حيث تأكل الجرذ، وما قذف بهؤلاء وأمثالهم، ومن هُمْ شَرٌّ منهم كالمجاهرين بالفطر إلا تلقينهم العبادة جافة خالية من الروح الذي ذكرناه، والسر الذي أفشيناه، فَحَسِبُوها عقوبة كما كان يحسبها الوثنيون من قبل، وما كلُّ إنسان يتحمل العقوبة راضيًا مختارًا"[20].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جزء من حديث صحيح يأتي بعد ذلك.
[2] "المدهش" (ص 414).
[3] صحيح: رواه النسائي عن سعد بن أبي وقاص، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1/6).
[4] صحيح: رواه أحمد، وابن حبان، والبيهقي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد "صحيح الترغيب" (1/ 16).
[5] حسن: رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/8).
[6] صحيح: رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/8).
[7] رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح والبيهقي "صحيح الترغيب" (1/16).
[8] قال المنذري: رواه البزار بإسناد حسن وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1/5).
[9] حسن: رواه ابن ماجه، والبيهقي، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/17).
[10] صحيح: رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/17).
[11] أيْ: شهق حتى كاد يغشى عليه أسفًا أو خوفًا.
[12] رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه" كلاهما بلفظ واحد عن أبي عثمان المديني، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو حرفين.
[13] "الظلال".
[14] "الظلال" (1/ 172).
[15] "التحرير والتنوير" (2/ 177).
[16] "التحرير والتنوير" (2/177).
[17] ؟؟؟
[18] "تفسير المنار" (ج2).
[19] "من وحي القلم" للرافعي.
[20] "تفسير المنار" (2/ 145 – 147).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
معنى الصوم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من حكم الصوم وفوائده
»  سنن الصوم
» الصوم
» الصوم
»  مبطلات الصوم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط :: فــئـة الاسلاميــــات ::  خيمة شهر رمضان-
انتقل الى:  
....................
اخر الاخبار الوطنية
جميع حقوق منتديات عائلة تابلاط محفوظة
 جميع الحقوق محفوظة لـ{منتديات عائلة تابلاط} ®
حقوق الطبع والنشر © 2010 - 2011

جميع ما يكتب في المنتدى يعبر عن وجهة نظر الكاتب شخصيا ولا يمثل رأي منتديات عائلة تابلاط ولا القائمين عليه أو اهدافهم أو توجهاتهم
الترحيـب و التواصل مع الاعضاء|التهانـي والتبريكات|الدعاء للمرضى و التعازي و المواساة|تابلاط للاخبار اليومية+مواقع للصحف الجزائرية |ملتـقـى عائلة تابلاط|كل ما يخص مدينة تابلاط|تاريخ و ثقافة الـجزائـر|شخصيات جزائرية هامة|خصوصيات ادم|خصوصيات حواء|الـطفـل و الـطــفولـة|مطبخ المنتدى|الاثات و الديكور|الاناقة والجمال|نصائح و تجارب منزلية|طبيب عائلة تابلاط|تطوير الذات|الحورات و النقاشات الهامة والجادة |العلوم و المعلومات العامة|فلسطين الحبيبة|البـيـئة والطبيعة و عالم الحيوانات| شخصيات عربية و عالمية |القصص و الرويات المتنوعة |حدث في مثل هذا اليوم| الأعياد والمناسبات|السيارات والشاحنات و الدرجات|الأمثال و الحكم و الأقوال|تابلاط الافـكار و المواهـب|أشعاري و خواطري|منتدى الشريعة و الحيـاة|خيمة شهر رمضان|دليلك في الحج و العمرة|التاريخ و الحضارة الاسلامية|تـابلاط الدردشة و الفرفشة|تابلاط نكت*نكت|المسابقـات و الالغـاز|السيـاحة بكل انواعها| صـور*صـور|كرة القدم الجزائرية|كرة القدم العالمية|رياضات متنوعة|بحوث مدرسية|المحاضرات و البحوث الجامعية|معلومات و اخبار|جامعية التعليم و الدراسة بالمراسلة|السنة الاولى ثانوي|السنة الثانية ثانوي|بكالوريــا2011|السنة الاولى متوسط|السنة الثانية متوسط|السنة الثالثة متوسط|السنة الرابعة متوسط (bem)|مواقـع مفيــدة و اخرى مسلية|بـرامج الهـاتف|برامج الكمبيوتر و الانترنات|الالعاب الالكترونية|استقبال القنوات +أنظمة التشفير التلفزيونية|التقنيات المتقدمة |قسم الاعلانات الادارية للاعضاء| معلومات موقع منتديات عائلة تابلاط|السيرة العطرة و قصص الانبياء|الاعجاز العلمي في القران و السنة|
وقف لله
تــنــويـة : أبـريء ذمتي أنا صـاحـب ومـؤسس منتديات عائلة تابلاط أمام الله ان حـصـل تعارف أو صداقات غير شرعية بين الأعضاء داخل المنتدى
منتديات عائلة تابلاط لا يهدف الى الربح أو التجارة بأي شكل من الاشكال
المنتدى وقف لله تعالى لي و لوالدي و لجميع الأعضاء والمسلمين و المسلمات الأحياء منهم والأموات
-
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلا مُتَقَبَّلا-