حين أتت الإدارة الأمريكية الجديدة إلى الحكم استبشر كثير من العرب وأمَّلوا خيرا، بل جاءت بعض المواقف المعلنة كرفض هذه الإدارة للاستيطان ومحاولتها الضغط على حكومة الاحتلال...جاءت مؤكدة لشعور التفاؤل الذي طغى على المشهد العربي في كثير من جوانبه.
لكن وبمرور الوقت تغير الموقف الأمريكي فلم يعد يرى في الاستيطان عملا غير مشروع، وأنه لا مبرر لربط عودة العرب إلى المفاوضات بوقف مهزلة الاستيطان...إلى آخر هذا الكلام الجديد القديم والذي لا يختلف عن المواقف المتكررة للإدارات الأمريكية المتعاقبة والتي تدور في الفلك الإسرائيلي وتتناغم معه أيا كان.
وقد تمسك العرب لفترة قصيرة جدا بشرطهم المعلن من أنه لا عودة للمفاوضات إلا إذا أوقفت دولة الاحتلال مهزلة الاستيطان وشيئا فشيئا تزحزح العرب عن موقفهم وقبلوا بالعودة إلى المفاوضات وإن سموها محادثات وكان لافتا أن التوقيت الذي وافق فيه العرب أو أغلبيتهم على هذا الأمر قد جاء بعد قرار الاحتلال ضم المسجد الإبراهيمي إلى التراث اليهودي، بل وبعد محاولات لاقتحام الأقصى وما نتج عنها من صدامات عنيفة بين اليهود ورجال الأقصى الذين دافعوا عن المسجد المبارك بصدورهم العارية وأيديهم الفارغة لكن بقلوب يملأها الإيمان وعزائم لم يتسلل إليها الضعف والخور الذي أصاب كثيرا من النخبة العربية.
وقد فهم اليهود الرسالة جيدا، حيث تعني الرسالة وبمنتهى الوضوح أنه: مهما فعلتم أيها اليهود فإننا لن نترك منازلتكم في ساحات المفاوضات أو المحادثات أو المباحثات...
إننا كعرب مصرون على هزيمتكم هزيمة منكرة على طاولات البحث والتفاوض وإن فني هذا الجيل عن آخره، وإن قمتم بهدم جميع بيوتنا في فلسطين من البحر إلى النهر.
إننا وضعنا هذا الهدف نصب أعيننا ولن نحيد عنه حتى وإن هدمتم الأقصى حجرا حجرا، حتى وإن بنيتم هيكلكم على أنقاضه، فلن تنجحوا في استفزازنا وثنينا عن قرارنا الذي اتخذناه ونُصر عليه ألا وهو: هزيمتكم في ساحات التباحث والتفاوض، ولتفعلوا على الأرض ما تشاؤون.
والرسالة الأخرى المهمة التي أردنا إيصالها لراعي عملية التفاوض أو التباحث أننا قوم مسالمون إلى أقصى درجة، ونحن على يقين أن رسالتنا قد وصلت، فما إن أعلنا عن رضانا بالرجوع إلى المحادثات حتى فهم الراعي الرسالة واستحسنها وكافأنا عليها بإعلانه أن مزيدا من المستوطنات في الضفة الغربية لا يخالف التجميد المحدود للمستوطنات الذي أعلنه نتنياهو ورسالتنا نحن العرب بعد هذا الإعلان الأمريكي أننا ممتنون لهذا الجميل العظيم الذي لن ننساه لكم أبدا.