ماو في سطور
1892 ولادة ماو في مقاطعة هانان.
1911 سقوط الحكم الأمبراطوري.
1918 تخرج ماو من دار المعلمين في هانان.
1921 تاسيس الحزب الشيوعي الصيني.
1923ـ1927 تأسيس جبهة واحدة من الحزب الوطني
والحزب الشيوعي.
1931ـ1934 تأسيس جمهورية الصين الاشتراكية في مقاطعة يان تسي.
1934 بداية "المسيرة الطويلة".
1937 اليابان تغزو الصين والحزبين الشيوعي
والوطني يتحدان مجددا في مواجهة الغزو.
1946ـ1949 اندلاع حرب اهلية بين الحزبين.
1949 هزيمة الوطنيين وانسحابهم الى تايوان.
(الصين الوطنية) ـ تأسيس جمهورية الصين
الشعبية.
1953ـ1957 اعلان الخطة الخمسية الأولى.
1966 بدأ الثورة الثقافية وتأسيس الحرس الأحمر.
1976 وفاة ماو في بيكين.
لا شك في ان ماوتسي تونغ من أهم شخصيات القرن العشرين. لقد اسس أكبر دولة في العالم بعد ربع قرن من الصراع ضد الحزب الوطني الحاكم، واليابانيين ورفاقه من الشيوعيين الذين اعتبروا الاتحاد السوفياتي مصدر الهامهم. ثم تولى الحكم مدة سبع وعشرين سنة، مصمما ومنفذا كل سياسات البلاد الزراعية والصناعية والعسكرية والاجتماعية والفنية. وصار بوجهه الدائري والخال (الشامة) في ذقنه معروفا في العالم كله.
انتشرت صور ماو في كل انحاء الصين، وقرأ الصينيون وتعلموا كبارا وصغارا شعاراته وكتاباته التي تعدى تأثيرها الصين الى العالم كله، وخصوصا ما كتبه عن حرب التحرير (الغاريلا).
ولد ماو تسي تونج، في 20 ديسمبر 1893، لعائلة تعمل في الزراعة، في شاوشان، وهي قرية تقع في مقاطعة هونان. وعمل ماو في حقول الزراعة منذ صغره، واستطاع أن يوفق بين عمله ودراسته. وتمكن من اللغة الصينية، ودرس كونفوشيوس، وأعمال الكتاب الكلاسيكيين الصينيين، وكان يبدى اهتماماً كبيراً بدراسة تاريخ ثورات الفلاحين. وكان بطبيعته متمرداً ثائراً، ففي العاشرة من عمره هرب من بيت والديه، احتجاجاً على سوء معاملة أستاذه، وخوفاً من تأنيب والده. وعندما بلغ الرابعة عشر من عمره، تزوج من فتاة تكبره بأربعة أعوام. وفي الثامنة عشرة، انتقل ماو تسي تونج إلى تشانج ـ شا، وتقدم إلى امتحان القبول بمعهد سيانج ـ هيانج الثانوي، ونجح في الامتحان.
وفي عام (1911 ـ 1912)، قامت الثورة التي أدت إلى سقوط حكومة المانشو، وظهور جمهورية الصين. وفي أكتوبر 1911، التحق بالجيش الثوري، مؤيداً قضية الجمهورية، ورئيسها صن يات صن، إلا أنه سُرح من الجيش في فبراير 1912. ثم التحق بمعهدٍ لدراسة التجارة باللغة الإنجليزية، إلا أنه لم ينسجم مع الدراسة باللغة الإنجليزية، فترك المعهد، بعد شهرٍ من التحاقه به، وقضى عامه الدراسي في القراءة، لكل من روسو، ومونتسكيو، وآدم سميث، وستيوارت ميل، وداروين، وسبنسر.
في عام 1913، التحق بدار المعلمين العليا، ومكث فيها حتى عام 1918، وعُرف في الأوساط الطلابية بنشاطه ومشاركته في العمل النضالي الطلابي، وفي عام 1917، نشر إعلاناً في إحدى الصحف، دعا فيه الشباب الذين يشاطرونه آراءه وتطلعاته، إلى تأسيس جمعية ثقافية واجتماعية، وأطلق عليها فيما بعد اسم "جمعية المواطنين الجدد". وقد لبّى هذه الدعوة، في البداية ثلاثة أشخاص، بينهم لي ليسان، وكان ماو تسي تونج يومها في الرابعة والعشرين من عمره، وكان يؤمن بالديموقراطية الليبرالية، ويجاهر بعدائه للنزعة العسكرية وللامبريالية.
وفي عام 1918، سافر إلى بكين، وعمل فترةٍ موظفاً في مكتبة بكين، ثم سافر إلى شنغهاي حيث تعرف على بعض الماركسيين، واعتنق الماركسية، وشارك في حركة الشبيبة المناهضة للامبريالية، والمعروفة باسم "حركة 4 مايو" 1919. ثم عاد إلى مقاطعة هونان التي نشأ فيها، وأسس جمعية جديدة، اسمها "من أجل هونان عصرية ومستقلة ذاتيا "
تأثر ماو تسي تونج بكتاب كارل ماركس "البيان الشيوعي"، وكتاب كارل كاوتسكي "الصراع الطبقي"، وكتاب كير كوب "تاريخ الاشتراكية". فمال إلى الشيوعية، وفي عام 1920، تبنى ماو تسي تونج الماركسية نهائياً. وبدءاً من عام 1920، أخذت السيرة الذاتية لماو تقترن بتاريخ الحركة الثورية الصينية. وتمكن ماو تسي تونج، مع 11 شخصاً، من تكوين الحزب الشيوعي، عام 1921، وتحالف الشيوعيون مع الحزب الوطني، بغرض توحيد الصين. إلا أن انعدام الثقة بين الشيوعيين وتشانج كاي شيك، زعيم الحزب الوطني، الذي خلف صن يات صن على زعامة الحزب الوطني بعد موته عام 1925، أدى إلى قيام حرب بين المجموعتين.
عمل ماو في المكتبة التابعة للجامعة الوطنية في بيكين، وقرأ كثيرا عن الشيوعية فاستهوته وآمن بها. وفي سنة 1921 أسس مع أحد عشر من رفاقه الحزب الشيوعي الصيني في مدينة شنغهاي.وسرعان ما راحت كتابات ماو وشعاراته تنتشر بين الصينيين فدخلوا الحزب بالألوف.
كان صان يات سين زعيم الحزب الوطني، وقد شكل جبهة واحدة مع الشيوعيين في محاولة لتوحيد البلاد. الا ان الشيوعيين لم يتقوا بخليفته تشين كاي تشك (1925)، ما أدى الى اندلاع أعمال العنف بين الحزبين، وكانت القوى غير متوازنة بين حزب قديم لعب الدور الأساسي في اسقاط الحكم الأمبراطوري وبين حزب فتي لم يشتد ساعده بعد، فانسحب ماو مع جماعات من مناصريه الى مقاطعة يان تسان حيث عاشوا وطبقوا مبادئهم الماركسية مؤسسين نواة "جمهورية الصين الاشتراكية".
وفي عام 1925، حرك ماو الثورة، في الريف من هونان، حيث أرسى قاعدة أول نواة ثورية، وحرك مسيرة قوامها اتحادات الفلاحين، في أوج ما اتفق على تسميته "الحرب الأهلية الثورية الأولى" (1925 ـ 1927).
وفي عام 1926، وضع ماو كتابه "تحليل طبقات المجتمع الصيني"، مؤكداً فيه على الطاقات الثورية لطبقة الفلاحين. وفي عام 1927، بادر ماو إلى بناء جيش ثوري بهدف تحرير مناطق يصعب على الكومنتانج مهاجمتها، والكومنتانج هو حزب الشعب الوطني، الذي كان صن يات صن قد أعاد تنظيمه في عام 1923. واعتمد ماو تسي تونج في تكوين جيشه، على عمال المناجم والفلاحين. وحاول تنظيم "انتفاضة حصاد الخريف" إلا أن محاولته باءت بالفشل، وأُلقي القبض عليه، وتمكن من الفرار، أُقصي ماو عن اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب، وجرِّد من مسؤولياته داخل جهاز الحزب، مما اضطره إلى اللجوء إلى جبال جينجانج، وهناك، أسس "قاعدة ثورية"، في نوفمبر 1927.
قاد ماو مع زعماء شيوعيين آخرين، مجموعات صغيرة إلى محافظة جيانكس عام 1928. حيث انضم إليه شو ته ورجاله في مايو 1928. فبادر ماو بتنظيم عملية توزيع الأراضي والأسلحة على الفلاحين، جاعلاً من اتحادات الفلاحين أداة الحكم الأولى. وعمد ماو إلى إنشاء "قواعد حمراء" أخرى، في المناطق التي يسيطر عليها الجيش بقيادة شو ته، وجيش بنج تو هويه. وقد أثار انتشار هذه القواعد ردة فعل عنيفة من قبل تشيانج كاي شك. وأصبحت محافظة جيانكس هدف تشيانج الأول، وقد حاولت قوات تشيانج كاي شك، تطويق القواعد الثورية وتدميرها، خمس مرات بين عامي 1930، 1934. وبدأ تشيانج سلسلة من الإعدامات الجماعية، التي أدت إلى إنهاء الوجود الشيوعي تماماً.
حاول تشين كاي تشك القضاء عليهم بمختلف الوسائل منذ عام 1931 معلنا حرب ابادة شاملة ضدهم. و كاد ان يحاصرهم ويبيدهم في 1934، الا ان ماو اعلن بداية ما سمّاه "المسيرة الطويلة" الى اقليم تشان تسي. وقد قطع مع رفاقه مسافة العشرة ألاف كيلومتر الفاصلة بين الاقليمين خلال عام تقريبا.
كانت اليابان قد احتلت منشوريا عام 1931، وفي 1937 اعلنت الحرب الشاملة ضد الصين، موحدة الحزبين الشيوعي والوطني رغم العداوة اللدودة بينهما.
فيما كان الجيش التابع للوطنيين يقوم باعمال الدفاع التقليدية، كان ماو يدرب رفاقه على "حرب الغاريلا"، وهم بدورهم يدربون الأهالي في المناطق التي يتواجدون فيها، ما دفع الكثير من الصينيين الى الانضمام الى صفوفهم.
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان (1945)، كان الشبيوعيون يسيطرون على مناطق يسكنها ما يفوق 100 مليون صيني. وبحلول العام 1946 اندلع القتال مجددا بين الطرفين وكان الحزب الشيوعي يزداد قوة والتحاما يوما بعد يوم، الى ان كتب له النصر النهائي وبات يسيطر على الجمهورية كلها (1949)، معلنا انشاء "جمهورية الصين الشعبية".
سيطر ماو على الوضع في الصين بأسرع مما توقعه أكثر المراقبين تفاؤلا. فقد أحكم سلطته على مؤسسات الدولة وأعلن انشاء حلف مع الاتحاد السوفياتي الذي قدم للصين مساعدات عسكرية جمة، وخصوصا خلال الحرب الكورية (1950ـ1953) التي وقفت الصين فيها الى جانب كوريا الشمالية.
بعد الحرب الكورية بدأ ماو بتطبيق عدة برامح لزيادة الانتاج الزراعي والصناعي، نجح بعضها وفشل بعضها الآخر بسبب النمو الهائل لعدد السكان الذي اقتضى في النهاية تبني سياسات غير "شعبية" كتحديد النسل. ولكن الوضع الاقتصادي في الصين يعتبر من دون شك أفضل كثيرا من سواها من البلدان المشابهة من حيث ظروفها الاجتماعية وعدد سكانها.
في بداية الستينات وبعد ان لاحت في الافق بوادر الخلاف والانشقاق بين الصين والسوفيات، كانت الصين تمتلك سلاحها النووي الخاص ، وتطور الأسلحة السوفياتية الصنع بانتاج "نسخ صينية " عنها.
كان ماو قد تخلى في العام 1959 عن لقب "زعيم جمهورية الصين الشعبية"، ولكنه احتفظ بالسيطرة الكاملة على الدولة والحزب الشيوعي. في حين كان نزاعه مع الاتحاد السوفياتي حول زعامة البلدان الشيوعية يشتد ويتفاقم. الا ان معظم تلك البلدان بقيت الى جانب السوفيات فيما انحاز ال الصين عدد كبير من حركات التحرر الوطني التي لم يتمكن بعضها من الوصول الى الحكم والبانيا التي أعلنت صراحة تبنيها للنمط الماركسي - الصيني .
اعتبر ماو انه المطبق الحقيقي لتعاليم ماركس ولينين وستالين ( وكانت قد ظهرت في الاتحاد السوفياتي موجات من العداء للستالينية)، ونادى بحتمية ثورة البلدان الفقيرة ضد البلدان الغنية، ولام الشيوعيين السوفيات على "تراخيهم" ضد الراسمالية العالمية الممثلة بالولايات المتحدة.
وقف العالم كله تقريبا ضد مواقف الصين المتصلبة. حتى ان الصين الوطنية بقيت حتى السبعينات ممثلة الشعب الصيني في الأمم المتحدة وعضوا دائما في مجلس الأمن يتمتع بحق الفيتو، رغم عدم وجود أي تكافوء في الحجم والقدرات والتاثير بينها وبين الصين الشعبية.
ولكن الحال تغيرت في السبعينات، فقد فتحت زيارة فريق رياضي أميركي في كرة الطاولة الطريق امام اتصالات سياسية وديبلوماسية، ما لبثت ان أدت الى اعتراف المجتمع الدولي بان الصين الشعبية هي الممثل الحقيقي للشعب الصيني، فدخلت الأمم المتحدة بدل الصين الوطنية وانتقلت اليها العضوية الدائمة في محلس الأمن.
توفي ماو في شهر ايلول 1976 بعد مرض عضال أدى الى تولي زوجته معظم الشؤون السياسية والحزبية في السنوات الأخيرة من حياته.
بعد وفاة ماو بدأت الصين بـ "عصرنة" الزراعة والصناعة والعلوم والقوى العسكرية، بمساعدات من الولايات المتحدة واليابان وبعض البلدان الأوروبية. وقد نجحت هذه السياسة بدليل ان الصين لم تعرف في التسعينات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي مرت، ولا تزال تمر بها بلدان جنوب شرق آسيا بما فيها اليابان.
ويلاحظ المستهلكون في سائر بلدان العالم ان كلمات مثل "صنع في كوريا" و "صنع في تايوان" او سنغافورة او اندونيسيا، بدأت تختفي عن السلع التي يشترون لتظهر مكانها كلمات "صنع في الصين" الى جانب أشهر الماركات العالمية التي كان انتاجها حتى زمن قريب وقفا على الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.