براءة
والله لقد بكت عيني وتفطر قلبي وربي شاهد علي، هي طفلة مصرية في العاشرة من عمرها ،
والديها طبيبين سافرا للسعودية بحثا عن عيشة أفضل ، كانت براءة طفلة غاية في النباهة والذكاء
لدرجة أنها حفظت القرآن الكريم كاملاً بأحكامه في هذا السن ،معلمتها كانت تقول لها دوما لابد
وأن تكوني في المرحلة الاعدادية وليس الابتدائية ، أسرتها هي أسرة سعيدة صغيرة ملتزمة ،
وفجأة ودون سابق انذار شعرت الأم بآلام شديدة وبعد الفحوصات تأكدت أنها مصابة بالسرطان بل
في مراحله المتأخرة ، فكرت الأم كثيرا كيف تخبر ابنتها خاصة اذا استيقظت يوما ولم تجدها ،
وأخيرا بعد طول تفكير قالت لها : ( يا براءة أنا سأسبقك على الجنة ، والقرآن الذي حفظته يجب
أن تقرئيه كل يوم لأنه هو الذي يحفظك في الدنيا ) .
لم تفهم براءة الأمر بصورة واضحة ، ولكنها شعرت بالتغيير حينما تركت أمها المنزل وأقامت
بصفة دائمة في المستشفى ، فكانت براءة تذهب صباحا للمدرسة وتعود على المستشفى تلازم أمها
تقرأ لها القرآن ولا تبرحها الا في المساء حينما يأتي أبيها ..
وفي صباح أحد الأيام اتصلت على غير المعتاد ادارة المستشفى بالوالد وأخبرته أن زوجته في
خطر وعليه الحضور الآن ، فأسرع الوالد من عمله الى مدرسة براءة وأخذها في يده وأسرع الى
المستشفى ، وحينما وصل الى المستشفى طلب من براءة المكوث في السيارة حتى يطمئن على
أمها ثم يعود لها ليأخذها لتراها ، هو أبى أن يأخذها معه حتى لا تصاب بالصدمة مباشرة اذا
ماكانت الأم قد ماتت ، فخرج الأب مسرعا من سيارته عيناه تملأها الدموع وعقله شارد بالتفكير
، وأثناء عبوره الطريق للدخول للمستشفى صدمته سيارة مسرعة فمات من فوره أمام
عيني براءة ، فنزلت براءة مسرعة تبكي في حضن أبيها الذي تركها في السيارة ليموت وحيدا في
الطريق ..
مأساة براءة لم تنته بعد ، تم اخفاء خبر الوفاة عن الأم التي ترقد داخل المستشفى ولكن بعد خمسة
أيام فقط … رحلت الأم ، رحل الأب ورحلت الأم ولم يبق الا براءة في الحياة .
أصبحت وحيدة بعد أن مات أبويها ولا تعرف أي قريب في السعودية ، واجتمع أصدقاء الوالد
وأهل الخير من المصريين والسعوديين ، لايجاد حل لوضع براءة ، وكيفية الترتيب لتوصيلها لأهل
أبويها في مصر .. ولكن وبدون سابق انذار تشعر براءة بآلام شديدة وبعد الفحوصات تعرف
الطفلة الصغيرة أنها تحمل نفس مرض الأم ، فتبتسم الطفلة الصغيرة وتقول أمام الجميع ( الحمد
لله سأرى بابا وماما ).
الجميع كان في ذهول واندهاش عجيب ، ابتلاءات تعقبها ابتلاءات تنزل على رأس الطفلة
الصغيرة وهي صابرة سعيدة بقضاء الله ، بدأت قصة براءة يعرفها الناس رويدا رويدا داخل
المجتمع السعودي وتكفل بها رجل سعودي صالح أبى أن يعرف الناس حتى اسمه ، وسفرها على
نفقته الخاصة الى بريطانيا للعلاج من هذا المرض الذي لا يرحم لا صغيرا ولا كبيرا ، وهي في
المستشفى اتصلت بها قناة الحافظ على الهواء لتطمئن على صحتها وطلبت منها قراءة بعض آيات
من القرآن فقرأت بصوت عذب جميل ما سمعت في حياتي كلها صوت أجمل ولا أعذب من
صوت براءة ... وأنشدت الفتاة أنشودة للأم أبكت ملايين المشاهدين وأعقبت ذلك الدعاء لوالديها
بالرحمة والمغفرة ...
وتستمر أيام الألم في المستشفى في بريطانيا ويستشرى هذا الورم الخبيث في جسدها ويقرر
الأطباء بتر ساقيها على الفور ، وهي صابرة راضية بقضاء الله تقضي فترات وعيها في الحياة
في قراءة القرآن ، وبعد مرور أيام سرح المرض مرة أخرى ووصل للمخ ، فقرر الأطباء اجراء
جراحة عاجلة لها في المخ و ثم يرقد جسدها الصغير في غيبوبة كاملة ...و لحد الآن لم أرى
و لم أسمع أي خبر عنها ...اللهم اغفرلها و احشرها و والديها الفردوس ، اللهم آآآآمين.
هــمــ الحنين ــس