إمارة شرق الأردن هي كيان سياسي ذو حكم ذاتي كان موجود ضمن منطقة فلسطين الانتدابية رسميا منذ 1923 ولغاية تاريخ إعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 1946. وشملت معظم الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن، ومنه اخذت هذه التسمية.
سرعان ما ترك الامير عبد الله معان إلى عمان لمناقشة الأمور مع سكان المنطقة والبريطانيين وفي عام 1921 تم الإعلان عن تأسيس الامارة الفتية التي سرعان ما دخلت بوتقة الانتداب البريطاني، ولم يشملها وعد بلفور.
البداية والتأسيس
"ان امارة شرق الأردن كانت من أهم الخطوات التي قام بها الأمير عبد الله بن الحسين بالتحالف مع الإنجليز، والتي كانت قد تأسست على أفكار صحيحة غير فزعية تطورت على مدى ربع قرن لتصبح فيما بعد المملكة الأردنية الهاشمية ".
الأردن قبل عهد الإمارة
تعود جذور الحياة السياسية في الأردن والتي عرفت سابقاً باسم شرقي الأردن إلى فترة الحكم العثماني باعتبارها جزء من بلاد الشام وفي أواخر العهد العثماني وتحديداً في عام 1908 مثلت شرق الأردن بنائب في مجلس المبعوثان ضمن ولاية سوريا، حيث مثل المنطقة عن لواء الكرك في الجنوب والشمال عن ولاية الطيبة وبعد انتهاء الحكم العثماني وباعتبار شرقي الأردن جزء لا يتجزأ من الدولة السورية التي أعلنها الأمير فيصل بن الحسين شاركت الأردن في المؤتمر العام الذي عقده الأمير فيصل عام 1919 لتدارس وضع دستور للدولة وكذلك المشاركة في الانتخابات التي تم بموجبها انتخاب أعضاء المؤتمر ومثل الأردن فيها عشرة أعضاء منتخبين باستثناء الشمال الأردني وركزت قرارات المؤتمر على الاستقلال ووحدة سوريا والاتحاد مع العراق وشاركت الأردن بالمؤتمر الثاني أيضا الذي عقد في سنة 1920 ولكن لم يكتب لهذا المؤتمر النجاح بسبب البدء بتنفيذ معاهدة ((سايكس بيكو)) من قبل بريطانيا وفرنسا لتصبح سوريا تحت الانتداب الفرنسي بعد معركة ميسلون(23/7/1920) وسقوط الحكومة العربية التي أسسها الملك فيصل (حيث طلبت القوات الفرنسية منه المغادرة ،فغادر إلى درعا ثم إلى شرق الأردن ثم واصل المساعس السياسية في أوروبا) في دمشق اما شرقي الأردن فقد وقعت تحت النفوذ الإنجليزي بعد أن أوعزت الحكومة البريطانية لمندوبها السامي في فلسطين هربرت صموئيل التوجه نحو شرق الأردن لامتلاك زمام المبادرة حيث قامت بتشكيل حكومتين محليتين الأولى في الكرك والأخرى في عمان وتم تشكيل حكومة ثالثة فيما بعد في الطيبة تضم كافة مناطق شمال الأردن وأصبح الأردن يخضع للنفوذ البريطاني بناءاً على الاتفاق السابق مع الفرنسيين في عام 1916 (معاهدة سايكس بيكو كانت في 16/5/1916).
الحكومات المحلية
لم تكن الحكومات المحلية وليدة صدفة أو أمر رفاهي بقدر الضرورة لوجود كيان يتولى شؤون الحكم في شرقي الأردن. في 21/8/1920 اجتمع المندوب السامي هربرت صموئيل (الذي تم تعيينه في حزيران 1920) مع زعماء شرقي الأردن (زعماء الكرك وعمان وعجلون والسلط والطفيلة وولاية الطيبة) في السلط، حيث خلص المجتمعون إلى تأسيس الحكومات الآنفة الذكر مع وجود عدد من 4 إلى 5 ضباط سياسيين، وقد كان السبب في تعدد الحكومات المحلية هو (صعوبة المواصلات والخصومات بين القبائل) <برقية للمندوب السامي>، وتم تشكيل الحكومات في مدن السلط واربد والكرك.
* حكومة اربد :
تم في ام قيس عقد اجتماع بوجود الضابط البريطاني في 2/9/1920 مع اعيان المنطقة قدم الحاضرون مطالبهم في عريضة قام بصياغتها القائم مقام علي خلقي الشرايري منها : وجود أمير عربي للحكومة ومجلس عام لسن القوانين ومنع الهجرة اليهودية والعفو عن المجرمين السياسيين داخل المنطقة ووتولي إدارة سكة حديد الحجاز وان يكون شعار هذه الحكومة العلم السوري وغيرها ،, حيث وافق الضابط البريطاني على بعضها واحال المطالب الأخرى للمندوب السامي، وظهرت عدد من الحكومات الخاصة منها:
* حكومة دير يوسف : ألفها الشيخ كليب الشريدة زعيم الكورة مقرها دير يوسف واختير نجيب الشريدة قائم مقام لها.
* حكومة عجلون : أسسها الأمير الشيخ راشد الخزاعي سنجق جبل عجلون وعين علي نيازي التل كقائم مقام لها.
* حكومة جرش : ألفها زعماء جرش وعين محمد علي المغربي قائم مقام لها.
* حكومة الكرك : وقد كان الاتفاق بين زعماء القبائل على بقاء رفيفان باشا المجالي متصرفا لها، ثم في 19/9/1920 تم إجراء الانتخابات لاختيار ما أطلق عليه " المجلس العالي ".
* حكومة ولاية الطيبة : الفها عبد الرحمن العلي ثم انشقت بعد أشهر عن الكيان الإنجليزي مع تاليف حكومة من كافة عشائر الشمال.
* حكومة السلط: تألف مجلس الشورى في لواء البلقاء لكي يساعد المتصرف في شؤون الإدارة.
الضباط البريطانيين المبتعثين
أما الضباط البريطانيين المبتعثين فهم :
في السلط :الميجر كامب في عمان : كابتن برانتون ثم كابتن ألن كركبرايد في الطيبة : ميجر سمرست ثم فتل فيها ومن معه في الكرك : ميجر كلينفيك ثم كابتن ألن كركبرايد في جرش :كابتن مونكتون قائد قوة الاحتياط في عمان :كابتن بيك
عن الحكومات
باختصار لم تكن الفترة للحكومات طويلة حيث كانت 7 إلى 8 أشهر ،لتستطيع أن تخلق الدحد المعقول من الاستقرار والامن لولا وجود الضباط البريطانيين، ومن الأسباب ضعف الحكومات المحلية :
1. الروح القبلية والعصبية العشائرية 2. عدم وجود شخصية اعظم شأن من الزعماء المحليين 3. عدم وجود قوة عسكرية كافية 4. عدم تأليف حكومة مركزية واحدة بل حكومات متعددة
تأسيس امارة شرقي الأردن
يرتبط تأسيس امارة شرقي الأردن بوصول الأمير عبد الله بن الحسين (الذي كان يشغل منصب وزير خارجية الدولة العربية في الحجاز) إليها بناءً على الدعوات التي وجهت للشريف علي بن الحسين من قبل اعيان ووجهاء مناطق شرقي الأردن وكذلك أعضاء حزب الاستقلال الذين جاؤا للاردن من سوريا بعد معركة ميسلون 1920، وبعد وصول الأمير عبد الله إلى مدينة معان في 21/11/1920 بعد رحلة شاقة لمدة 27 يوم مع حاشيته و 500 من الحرس بالقطار، بدأ بدعوة أهالي شرق الأردن وحكوماتها المحلية للالتفاف حوله مما حذا بالفرنسيين اعتبار وصول الأمير عبد الله إلى شرق الأردن امراً خطيراً يهدد وجودها في سوريا وذلك بسبب تصريح الأمير عبد الله انه جاء لاحياء الثورة التي اخمدت في حوران، وان قدومه للمشاركة في الدفاع عن أوطانهم، واعلن نفسه وكيلا للامير فيصل، وفكر في أن تكون معان العاصمة المؤقتة لحكومة سوريا في المنفى ((إن قدوم الأمير إلى معان كان على أنها جزء من أرض الحجاز هي والعقبة، بالرغم من أن بريطانيا كانوا يعتبروها من ضمن اتفاقية سايكس_بيكو)) ودعا أعضاء المؤتمر السوري للحضور إلى معان، وارسل علي بن الحسين الحارثي ممثلا له في عمان.
وبعد مبايعة الأمير في معان أو في عمان (بيد علي بن الحسين الحارثي)،طلب الزعماء من الأمير التوجة إلى عمان، وبعد مباحثات سافر الأمير إلى عمان في 29/2/1920 ووصل في2/3/1920 ،وقبل ذلك قام تشرشل بعقد مؤتمر القاهرة لإيجاد أقتراحات لعرضها على الأمير.
وخاطبت الحكومة الفرنسية الحكومة البريطانية لممارسة ضغوطها على الملك حسين لاتخاذ الخطوات الكفيلة بايقاف ابنه الأمير عبد الله واستعدادها للدخول إلى الأردن إذا اقتضى الأمر ذلك، وفعلاً قامت بريطانيا بالتوسط لدى الملك حسين لمنع الأمير عبد الله من القيام بأي شيء، مقابل ان تحقق بريطانيا لأهالي شرقي الأردن حكماً لانفسهم تحت حكم الأمير عبد الله، وعليه تم ايفاد وزير المستعمرات ((تشرتشل)) لمقابلة الأمير عبد الله في اذار عام 1921 وتم الاتفاق على تاسيس الإمارة وإنشاء حكومة دستورية اعلن عنها في 11/4/1921 وكان أول رئيس لها رشيد طليع، وبذلك اختفت الحكومات المحلية واندمجت في حكومة واحدة هي حكومة امارة شرقي الأردن وماطلت بريطانيا بالاعتراف في حكومة شرق الأردن حتى 25 ايار 1923 بعد الاعتراف الرسمي من قبل المندوب السامي البريطاني بالحكومة الأردنية شريطة تمكن حكومة الإمارة من الايفاء بالتزاماتها العهدية عن طريق معاهدة نفذت بين الطرفين(صك الانتداب) الذي اعطى الإمارة حق الاستقلال بعد مضي خمس سنوات شريطة توفر المقومات اللازمة لذلك بمعنى تثبيت الوضع الدستوري للامارة.
مصاعب وعقبات
حيث واجه تأسيس الأمارة بعض المستجدات كان على الأمير وحكومته مواجهتها تدور حول التمرد والعصيان والاعتداءات وامخاطر الخارجية أذكر منها :
1. عصيان ناحية الكورة 1921-1922 2. مهاجمة المجاهدين السوريين الجنرال غورو 1921 3. تمرد عشائر القرعان في ولاية الطيبة 1923 4. غزوات الإخوان الوهابيين 1922-1924 5. تمرد عشائر بني حسن 1922
عن أحداث الاستقلال الأول 15 ايار 1923
في 15 ايار 1923م أقيم حفل رسمي شارك فيه رجالات الأردن وفلسطين وأيضا السير هربرت صموئيل ومعه الجنرال كلايتون الذي يعمل في المكتب العربي في القاهرة والذي كان له دور كبير خلال عمليات الثورة العربية الكبرى، وقد ألقى سمو أمير البلاد خطبة طويلة استهلها بمقدمة تاريخية عن مجد الأمة العربية وما اصاب هذه الأمة بعد العهد العباسي من تغييب وطمس... وهنا يقول سموه" فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواما لها وقائدا لأمورها...."
ويتحدث سمو أمير البلاد عن مفاوضاته مع جلالة ملك بريطانيا مثمناً اعتراف جلالته باستقلال هذا القسم من المملكة العربية وان الحكومة ستشرع بتعديل قانون الانتخاب ووضع القانون الأساسي لشرق الأردن.
وشكر سموه كل الذين ساهموا في إنجاز المعاهدة أو في خطوات الاستقلال وارساء قواعد الدولة، وخص بالشكر المندوب السامي في فلسطين وكبير المعتمدين المستر فلبي (Velbi) وتناول فرنسا في حديثهِ حيث يقول: " اني لآمل ان يكون موقف الدولة الفرنسية الفخيمة تجاه قضيتنا العربية المقدسة وتجاه القسم الشمالي الباقي من وطننا المحبوب آخذ بها إلى عهد جديد كاف للدلالة على احترام أبناء الثورة الفرنسية لحرية الاقوام واستقلالها...." ويضيف سموه عن يوم الاستقلال: " واني آمل ان يكون هذه اليوم سعيداً للامة تتخذه عيداً تظهر فيه سرورها وحبورها ومنه تعالى نستمد العون ونسأله ان يطيل بقاء وتوفيق جلالة امير المؤمنين مولانا الحسين بن علي بن محمد بن عون والله ولي التوفيق...."
الإصلاحات السياسية في بدء عهد الإمارة 1923
بعد أن تم تشكيل أول حكومة في عهد الإمارة شهدت الإمارة أول محاولات الإصلاح في نيسان عام 1923 عندما قرر الأمير عبد الله تاليف مجلس أطلق عليه اسم (مجلس الشورى) ومع ان هذا المجلس لم يعبر عن الحياة الديمقراطية والبرلمانية بمفهومها الكامل إلا أنها كانت اللبنة الأولى لإنشاء مجلس نيابي منتخب، واستمر العمل بهذا المجلس حتى عام 1927 وقد تركزت جهود الأمير والقوى السياسية في تلك الفترة على الاستقلال التام ووضع دستور للامارة بعد توفر الشرط الذي طالبت به يريطانيا وهو وجود مجلس نواب وحكومة، لإعطاء حق الاستقلال التام للامارة إلا أن بريطانيا استمرت بوضع العراقيل امام الأمير عبد الله وكان الهدف من وراء ذلك هو كسب الوقت حتى يتسنى لها الحصول على اتفاق مكتوب مع الإمارة يضمن مصالحها وبالمقابل لم تتوقف محاولات الأمير عبد الله بتنظيم الحياة السياسية رغم العراقيل البريطانية لافشال مشروع دستور 1928، حيث ساد السخط الشعبي، وتم رفع شكوى إلى عصبة الأمم من قبل الوفود الشعبية للمطالبة بايفاد لجنة نزيهة للنظر في تحقق المطالب الوطنية مما دفع بريطانيا إلى الغاء مشروع دستور 1928، وكذلك قانون الانتخاب وتقليص السيادة باتباع القوات العسكرية المحلية لاوامر التفتيش في جيوش الإمبراطورية البريطانية، وكذلك قيامها بسلسلة من الاجراءات وتقييد الحريات السياسية الممنوحة للامارة، وتقليص المساعدات المالية المقدمة للامارة، الأمر الذي وضع البلاد في حالة هياج عام.
حاولت بريطانيا بعدها تهدئة الأمور بطريقة الترهيب والترغيب إلى أن بريطانيا وتحت الضغط الشعبي وافقت على بعض الإصلاحات ومن أهمها منح الإمارة مجلس تشريعي منتخب في عام 1928، والسماح بتشكيل حكومة وطنية ولكن بقاء هذه الحكومة والمجلس كان مرهون بالتوقيع على المعاهدة البريطانية مع الأردن، وهذا ما تم بالفعل في 16/4/1928 ولكن ليس بالسهولة المتوقعة، حيث تمت المساومة أيضاً مقابل التوقيع على انتزاع العديد من الحقوق لصالح البلد وكان من أهمها : أن المعاهدة بينت شرق الأردن دولة ذات كيان معترف به ومستقل، ويتولى السلطة أمير للبلاد، وكذلك تحسين الأوضاع وعلى الاخـص في المجالات التالية :-
أولاً : التعليـم، حيث تم زيادة نفقات التعليم وزيادة عدد المدارس في الإمارة وزيادة عدد المعلمين. ثانياً : الزراعـة، العمل على توجيه الناس للعمل في الزراعة، وتوسيع الرقعة الزراعية، وإعطاء القروض للفلاحين، وصرف التعويضات عن الاضرار الناجمة عن مواسم القحط التي مرت بها الإمارة، واستيراد البذور المحسنة وتوزيعها على الفلاحين. ثالثاً: انصاف الأردنييـن، في الوظائف العامة مقابل المهاجرين العرب الموجودين في الإمارة وعلى الأخص الذين قدموا بعد معركة ميسلون في سوريا، وكذلك التخلص من الموظفين المعارين من الحكومات المجاورة واستبدالهم بالأردنيين.
إلحاق معان والعقبة وولاية الطيبة إلى الإمارة في حزيران 1925
لقد أخذت الإمارة الأردنية شكلها الجغرافي بعد هذا الحدث حيث، تأخر إلحاق ولاية الطيبة بالإمارة لـ 4 سنوات وذلك لأسباب تعود لثورة عبد الرحمن العلي على الإنجليز إضافة لغزواته على الفرنسيين في حوران القريبة من ولاية الطيبة......، حيث كانت تابعة لسوريا في العهد العثماني، ومن 1918-1920، ولكن وفي زيارة للشريف الحسين أقتنع الأمير بالتنازل عن مبادرته تجاهها، فقبل الشريف بشرط أن يكون التنازل ضمن اتفاق مع الوالي حينها عبد الرحمن العلي، على أن تبقى السيادة لدولة الحجاز، وتم ذلك في 18/3/1924، وتم تعيين شعلان القرعان ممثلا لها تحت امرة عبد الرحمن العلي على المنطقة وقائدا عسكريا لها. ولكن بعد الهجوم السعودي على الحجاز في منتصف ايلول 1924 وتنازل الشريف عن العرش ومبايعة نجله الأول علي، ومن جملة نتائج ذلك أن تنازل الملك علي عن المنطقتان للأمير عبد الله في 25/6/1925 ،وبعد 20 وقد تم حينها القضاء على شعلان في زيارة له في عجلون من قبل الإنجليز.
حكومة عبد الله سراج 1931
تم حل مجلس النواب في عام 1931، وانتخاب مجلس جديد في نفس العام وشكل الشيخ عبد الله سراج الحكومة الجديدة، وشهدت الإمارة في تلك الفترة زيادة ملحوظة في عدد السكان، مما حذا بالحكومة تطوير قانون الانتخاب ليتلاءم مع هذه الزيادة، وكانت الإمارة في تلك الفترة مقسمة إلى ثلاث دوائر انتخابية هي الكرك، البلقاء وعجلون، وتضم تلك الدوائر كافة المناطق والالوية الأخرى فيها، وبالمقابل لم يغب عن ذهن الأردنيين في هذه الفترة سواء عبر المجلس المنتخب أو من خلال الضغوط الشعبية كما كان هو عليه الحال سابقاً المطالبة بالغاء المعاهدة البريطانية أو تعديلها في أسوء الأحوال من خلال فتح باب المفاوضات مع الحكومة البريطانية، ولكن كما هي العادة لم تصغي بريطانيا لهذه المطالب بل قامت بالتشدد وتضيق الحريات، حيث عمدت إلى تعطيل الصحف الصادرة بالإمارة أو الداخلة إليها من الأقطار المجاورة لما لها من دور فاعل في إثارة الرأي العام. ونظراً لمرور البلاد في مواسم قحط فقد أصبحت الحالة سيئة، وزاد التذمر والضغط الشعبي مما حذا بالحكومة البريطانية إلى تخفيف القيود والايعاز للحكومة المشكلة إلى اعفاء الفلاحين من جزء كبير من الضرائب والقروض الزراعية المستحقة عليهم، والقيام بالعديد من المشاريع، وفتح الطرق وقام المجلس المنتخب بالضغط على الحكومة وتعديل العديد من المواد في قانون المطبوعات وبشكل خاص ما يتعلق بإنشاء الصحف.
فصل السلطات
لقد أصبح هناك وعي لدى الأردنيين في مفاهيم الديمقراطية وأهمها الفصل التام بين السلطات الثلاثة وكان ذلك واضحاً في محاولة مجلس النواب إسقاط حكومة عبد الله سراج، إلا أن عدم وجود التجربة الكافية للمجلس جعل الحكومة تكمل مدتها الدستورية عام 1934.
امارة شرقي الأردن 1934-1942
لقد تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة إبراهيم هاشم في عام 1934، ثم أجريت انتخابات نيابية في نفس العام، وتميز الوضع في تلك الفترة بالهدوء النسبي إلا أن ما يحدث في فلسطين والخطر الصهيوني طغى على أفكار الناس وعلى الأخص مشروع ((جوتمبرغ)) الذي سهل إطلاق يد الصهيونية في الشرق وبشكل خاص في فلسطين، لذا طالبت القوى الوطنية الفلاحين بعدم بيع أو تأجير أراضيهم دون علم الحكومة، استمر الحال حتى عام 1937 ليتم تشكيل حكومة جديدة في عام 1937 برئاسة إبراهيم هاشم حيث شهدت هذه الفترة زيادة في تعداد سكان الإمارة وهجرة العديد إليها من الدول المجاورة بسبب ظروف الاستعمار في تلك الدول.
أما على الصعيد السياسي فقد تم ترخيص حزب سياسي جديد سُمـي (حزب الإخاء الأردني) 1937 واعتبر أول حزب شرق أردني بعد توقف حزب الشعب في 1933 والذي تأسس في عام 1927 برئاسة هاشم خير، وكذلك أحزاب أخرى مثل الحزب المعتدل 1930، وحزب اللجنة الوطنية للمؤتمر الأردني 1933، وكذلك حزب الاستقلال والذي كان أغلب اعضاؤه غير أردنيين من الثوار السوريين الذين جاؤا للاردن بعد هزيمة الثورة في سوريا. ضم حزب الإخاء أهم الزاعمات الأردنية في تلك الفترة والتي كان لها أيضاً تجربة نيابية بممارستها للحياة البرلمانية في المجلس سابقاً ومنهم رفيفان المجالي، وماجد العدوان، ومثقال الفايز، واعترف ب عبد الرحمن القرعان ممثلا عن ولاية الطيبة الشمال وفاز من الحزب في الانتخابات التي عقدت في عام 1937 ثمانية نواب.
شهدت فترة ما بعد عام 1937 توترات داخلية وصدام مع الحكومة المعينة للمطالبة بالمزيد من الحريات العامة ومعارضة الشعب للنفوذ البريطاني وكذلك وهو الأهم كان هناك دعم شعبي حقيقي للثوار في فلسطين، وتطوع العديد للقتال هناك، ونتيجة لهذه الظروف تجاوبت الحكومة في تعديل بعض القوانين ومنها : قانون البلديات، قانون الملكية، الأحوال الشخصية.
على المستوى الدولي
لقد كان دخول امارة شرق الأردن إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الثانية (1945) هو أحد أهم القرارات التي اتخذتها الحكومة برئاسة إبراهيم هاشم آنذاك، وقامت الحكومة باستخدام قانون الدفاع الصادر في عام 1935 بإعلان الاحكام العرفية واعتبرت ألمانيا وإيطاليا دول معادية، وتم تمديد عمر المجلس المنتخب خمسة سنوات أخرى اضافية بمقتضى قانون خاص وقد تجاوبت القوى الوطنية مع وقوف الإمارة في الحرب مع بريطانيا أملاً بان يحتسب هذا الموقف لدى البريطانيين للحصول على الاستقلال التام بعد انتهاء الحرب.
امارة شرق الأردن 1942-1947
تم تشكيل حكومة جديدة عام 1942 برئاسة توفيق أبوالهدى وتم تعديل قانون الانتخاب لتصبح الإمارة أربعة دوائر انتخابية هي (الكرك، البلقاء، معان، اربد)
أهم الأحداث التي واكبت تلك الفترة
على الصعيد الداخلي :-
العمل على رفع مستوى التعليم من خلال زيادة المخصصات المالية للمعارف، وفتح المدارس في أغلب مناطق الإمارة، دعم القطاع الزراعي والعمل على تخفيف الاعباء عن الفلاحين.
على الصعيد الخارجي :
استمر وقوف الإمارة إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الثانية على امل حصول الإمارة على الاستقلال من وراء ذلك وقد كان هناك وعود بريطانية سابقه تعد الأردن بالاستقلال بعد انتهاء الحرب.
تأييد الوحدة الشاملة مع الأقطار العربية :- وقد ترافق ذلك مع المفاوضات العربية التي بدأت من أجل إنشاء الجامعة العربية والتي انتهت بتصديق الأردن على ميثاق جامعة الدول العربية بتاريخ 22 اذار 1945 وكان ذلك في عهد رئيس الوزراء آنذاك سمير الرفاعي.
النتائـج
بناءً على موقف الإمارة في الحرب العالمية الثانية ونظراً لضغوط القوى الوطنية بالمطالبة بالاستقلال، فقد تم دعوة الأمير عبد الله إلى لندن والدخول في مفوضات انتهت بعقد معاهدة تحالف جديدة بتاريخ 22 اذار 1946 تلغي معاهدة 1928 واعتراف بريطانيا بالإمارة دولة مستقلة كاملة الاستقلال، والأمير عبد الله ملكاً عليها، ورفع مستوى التمثيل بين البلدين إلى مستوى سفارة، وعلى اثر ذلك تم دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد حيث ألغى العمل بالقانون الأساسي لعام 1928 واعلن الأردن مملكة مستقله ذات سياده في عام 1946وتم تعديل الدستور، الذي أصبح يعرف فيما بعد بـ دستور 1947.