الموسوعة كتاب أو مجموعة من الكتب تشتمل على معلومات عن الناس والأماكن والأحداث والأشياء مرتبة ترتيبًا ألفبائيًا أو موضوعيًا. ويمكن أن تتطرّق الموسوعة إلى كل مجالات المعرفة، أو تختص بمجال معرفي واحد. ومن هنا، فإن الموسوعة العامة مثل الموسوعة العربية العالمية التي بين يدي القارئ، تتضمن معلومات في كل مجال من مجالات المعرفة. أما الموسوعة المتخصّصة، فتقدم معلومات تفصيلية وفنية متعمقة في مجال معرفي معين مثل الأدب أو الطب أو العلوم الاجتماعية.
وجد الدارسون قديمًا أن المعلومات التي يحتاجونها متفرقة وموزعة في المخطوطات والرقاع واللفائف في أماكن مختلفة من العالم. فقام بعض هؤلاء الدارسين بتأليف مراجعهم الخاصة عن طريق نقل ونسخ أجزاء طويلة من أعمال المؤلفين الآخرين، بينما قام بعضهم بنقل نبذ من المعلومات من المصادر المختلفة. تختلف تلك المراجع القديمة عن الموسوعات، كما نعرفها اليوم، في أكثر من ناحية.
على سبيل المثال، قام العلماء الأوائل بعرض المعلومات عرضًا سهلاً في مراجع خاصة. يضاف إلى ذلك أنهم وضعوا تلك المراجع لأنفسهم، أو لزملائهم من العلماء، وليس لغالبية الناس. أما محررو الموسوعات هذه الأيام فينظّمون مواد الموسوعات بعناية حسب طريقة أو نظام معين، ويسعون إلى جمع معلومات صحيحة ودقيقة، كما أنهم يقدمون المعلومات إلى قطاعات كبيرة ومتنوعة من الناس.
وكلمة موسوعة من الكلمات المحدثة في اللغة العربية، وهي مشتقة من الفعل وسع الذي يدل على الشمول والكثرة. ويقال فلان موسوعي المعرفة: إذا كان واسع العلم متنوع الثقافة، ومن معنى الشمول والكثرة والتنوع جاءت كلمة موسوعة، لتعني الكتاب الذي يسع معلومات في كل ميادين المعرفة. أما كلمة Encyclopedia الإنجليزية، وهي المقابل الإنجليزي لكلمة موسوعة، فقد جاءت من اللغة اليونانية وتعني في الأصل التعليم العام، أو التعليم المتنوع الجيد. ولم يشع استخدام الكلمة في الغرب إلا في القرن الثامن عشر الميلادي.
تقوم الموسوعة العامة الجيدة على خطط علميَّة محكمة، وتقدم معلومات وحقائق عن الإنسانية والمعتقدات والأفكار والإنجازات، وعن العالم الذي يعيش فيه البشر، وعن الكون الذي يشكلون جزءا منه، دون تحيّز أو تعصُّب، مستخدمة لغة سهلة مفهومة.
وتُعنى أيُّ موسوعة جيدة بمحاولة الإجابة عن أسئلة مثل: مَن؟ وما؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف؟ ولماذا وجدت هذه الأشياء؟ فعلى سبيل المثال؛ يفترض في مقالة عن الرادار أن تخبرنا عن: ما الرادار؟ ومن اخترعه ومن طوّره؟ ومتى وأين حدث هذا التطوير؟ كذلك نتوقع أن تصف لنا المقالة كيف يعمل الرادار، ولماذا كان مهمًا في حياة الإنسان.
ليس باستطاعة شخص واحد أن يكتب ويوضّح بالرسوم والخرائط والأشكال موسوعة عامة. إن إنجاز مثل هذا المشروع يحتاج مجهودًا مشتركًا يعتمد على جهود العلماء والمتخصصين الفنيين والباحثين وخبراء المكتبات والمحررين والتربويين والفنانين ورسّامي الخرائط. كما يتطلَّب مثل هذا المشروع استثمار الناشرين أموالاً طائلة. ولكي يحافظ الناشر على تجديد الموسوعة ومواكبتها لما يستجد من معلومات وأحداث، فإنه يحتاج جهازًا دائمًا من الخبراء والموظفين.
كيفية إعداد الموسوعة
يتطلب إعداد موسوعة جديدة، أو مراجعة وتحديث موسوعة قديمة كثيرًا من العمل. فلا بد أولا من أن يكون لدى الناشر فكرة واضحة عن أغراض الموسوعة وأهدافها. وعلى الناشر قبل الشروع في العمل أن يجيب عن عدد من الأسئلة مثل : أي الموضوعات ستشملها الموسوعة؟ ماحجم التركيز والعمق الذي ستحظى به هذه الموضوعات؟ من جمهور الموسوعة؟ ما أفضل طريقة لترتيب المواد والموضوعات بحيث يستفيد منها الناس أفضل استفادة؟ ما عدد مجلدات الموسوعة؟ ما مجمل عدد الصفحات؟ ما نوع وسائل الإيضاح (الرسوم، الخرائط، الأشكال، الصور)، وما عددها؟ ما أفضل الطرق لمساعدة القارئ في الاهتداء إلى موقع المعلومات التي يريدها بسهولة؟
الأغراض والأهداف
لابد أن يعرف القائمون على الموسوعة الهدف العام منها، قبل أن يحددوا الموضوعات التي ستشتمل عليها. وتعتمد كتابة الموضوعات من حيث الحجم والشمول، أو العمق المتخصص، على نوع الموسوعة، وكونها متخصصة أو عامة، وعلى تحديد حجم التغطية المعرفية المنشودة.
جمهور الموسوعة
يؤدي جمهور الموسوعة دورًا مهمًا في تخطيط الموسوعة. فبعض الموسوعات موجّهة إلى الأطفال أساسًا، وبعضها موضوعة للباحثين والمتخصصين. وهناك موسوعات موجهة إلى العائلة. وتهدف موسوعات العائلة إلى تلبية الاحتياجات المرجعيّة والدراسية للطلاب في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي وما بعده. كما أن موسوعات العائلة هذه مُصمّمة لتكون مرجعًا يوميا عامًا لأفراد العائلة، وللمدرسين والمتخصصين في المكتبات، ولقطاعات عريضة من الناس، أصحاب المهن والأعمال المختلفة.
في هذا الإطار، تكون وظيفة جهاز تحرير الموسوعة تزويد القارئ بالمعلومات الصحيحة والموضوعية. وعليه، فدور المحررين يكمُن في إقامة روابط وجسور بين هذا الكمّ من المعارف وبين أولئك القرّاء الذين يريدون الاطلاع عليها. ويقوم المحررون هنا بدور المفسّرين والمترجمين الذين يُقدمون ويَعْرضون معلومات يمكن للقارئ أن يفهمها بسهولة ويُسر. ولتحقيق هذه الوظيفة، يعمل المحررون على اختيار النصوص وتنقيحها، كما يعملون على اختيار الرسوم والصور وغيرها من وسائل الإيضاح، وفي ضوء تصوّر واضح لجمهور الموسوعة.
حجم الموسوعة
يعتمد عدد صفحات الموسوعة وعدد مجلداتها على حجم المعلومات المراد عرضها، ومَنْ سيستخدم الموسوعة، كما يعتمد أيضًا على سعرها الذي ستُعرض به للبيع. وبغض النظر عن عدد الصفحات وعدد المجلدات، فليس هناك موسوعة يمكن أن تشمل كل المعلومات المتوفرة عن كل موضوع. ومن أجل ذلك، تتضمن معظم الموسوعات قوائم بأسماء كتب للقراءة الإضافية، أو تتضمن مواد أخرى لتقديم معلومات إضافية.
ترتيب موادّ الموسوعة
تستخدم معظم الموسوعات أحد أسلوبين رئيسيين في ترتيب الموضوعات. هذان الأسلوبان هما: الترتيب حسب الألفبائية، أو الترتيب حسب الموضوعات.
معظم الموسوعات، سواء أكانت تقع في مجلد واحد أو أكثر، مُرتبة حسب الألفبائية. ومثل هذه الموسوعات قد يكون لها ترتيب ألفبائي واحد مستقل من الألف إلى الياء، أو قد يكون لها فهرس ألفبائي ثانِ على هيئة فهرس ملحق. والفهرس: إما أن يكون في مجلد، أو صفحات مستقلة أو منفصلة، أو يُوزع على المجلدات؛ فيوضع في نهاية كل مجلد ما يتعلق به، في شكل فهرس ملحق بالمجلد.
أما الموسوعة التي تُرتّب حسب الموضوعات، فتقدم محتوياتها حسب الاهتمام بالموضوع نفسه. فعلى سبيل المثال، قد يكون هناك مجلد مستقل للنباتات، وآخر للحيوانات، وثالث للتاريخ، ورابع للفنون، وهكذا.
أمّا كيفية تحديد الناشر لحجم ما ينبغي وضعه في كل مجلد من مواد، في حالة الترتيب الألفبائي مثلاً، فإنه : إمّا أن يخصص مجلدًا لكل حرف، مثلاً مجلد لحرف أ. وهنا قد تكون المجلدات متفاوتة الحجم، وهو ما يُطلق عليه نظام مجلدات وحدة الحرف. وإمّا أن يقرر الناشر إنجاز مجلدات متساوية، من حيث عدد الصفحات، حتى لو استدعى ذلك إكمال الحرف في مجلد لاحق، كأن يغطي المجلد الأول مثلاً المواد والموضوعات التي تبدأ من الحرف أ حتى أع مثلاً، ثم يبدأ المجلد الثاني فيغطي المواد من أغ إلى مادة ب ج وهكذا، وهذا ما يطلق عليه نظام مجلدات توزيع الحرف.
وسائل الإيضاح في الموسوعة
تشمل وسائل الإيضاح في الموسوعة الرسوم والخرائط والأشكال والصور، وهي وسائل ضروريّة في عملية التعليم وإيصال المعلومات. وتعتمد القيمة المعلومية والتربوية والتعليمية للوسائل البصرية المتنوعة على الأصالة والقدرة الإبداعية للمحررين والفنانين الذين يعملون معًا على اختيار وإنتاج المناسب من هذه الوسائل الإيضاحية. ومثل هذه الوسائل ينبغي أن تكون تعزيزًا وتكملة وتوضيحًا للمعلومات المكتوبة.
فالخرائط مثلاً، كغيرها من وسائل الإيضاح، ملمح أساسي من ملامح الموسوعة العامة الجيدة. وتقدِّم الخرائط المضبوطة والسهلة الاستخدام معلومات مرجعية ومهمة لا يمكن تقديمها إلا بهذا الشكل، وهي بهذا تكمل وتوضح النص. وكأي وسيلة من وسائل الإيضاح الأخرى، ينبغي أن توضع الخرائط في مكانها قريبًا من النص الذي توضحُه وتشرحه.
تزايدت أهمية استخدام الألوان في توضيح نصوص ومواد الموسوعات. وساعدت تقنيات المطابع الحديثة المحررين على وضع وسائل الإيضاح الملونة عبر مواد الموسوعة حيثما كان اللون مرغوبًا فيه.
سهولة الاستخدام
تُعدُّ سهولة الاستخدام عنصرًا مهمًا لكل من يريد البحث عن المعلومات والاطلاع عليها. وربما يفضل الناشئون ذوو الخبرات المحدودة عند البحث عن معلوماتهم استخدام دليل سهل وواضح، مثل الترتيب الألفبائي ذي الموضوع المفرد في كل مجلد على حدة. لكن هؤلاء الناشئين سرعان ما يدركون قيمة وجود فهرس مستقل وموسّع. وعلى المحررين، من ناحية أخرى، أن يختاروا عناوين المواد والموضوعات بعناية فائقة، بحيث يأتي العنوان مختصرًا جذَّابًا شائعًا وذا دلالة لغوية واضحة، يسهل على القارئ البحث عنه؛ لأن العنوان هو دليل المعلومات بالنسبة للقارئ. فمثلاً بشارة الخوري والأخطل الصغير، اسمان مختلفان لشخص واحد. ونظرًا لحرص أي موسوعة على الاستفادة من المساحة، فليس من المعقول كتابة موضوعين أو مقالتين في مكانين مختلفين في الموسوعة عن شخص واحد. وعلى المحررين هنا أن يختاروا مكانًا واحدًا للموضوع، ويحيلوا أو يشيروا في المكان الآخر إلى هذا الموضوع، أو العكس لإعانة القارئ على تحديد موضع المعلومات. وهذا نوع من أساليب الإحالة المرجعية. والأمثلة كثيرة، فهناك مَلَك حفني ناصف (باحثة البادية) وعائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) وغيرهما.
تستخدم معظم الموسوعات نوعين من أنواع الإحالة المرجعية: الأول هو أن تشير في النص إلى أن هذا الموضوع وارد ومتناول تحت عنوان آخر في الموسوعة. أما النوع الثاني فهو أن تشير في نهاية الموضوع إلى الموضوعات الأخرى في الموسوعة ذات الصلة بالموضوع المطروح.
أما الفهرسة فدليل وطريق إلى المعلومات المفصّلة تضع بين يدي القارئ كل الموضوعات ذات العلاقة بعضها ببعض. لكنَّ الفهارس والإحالات المرجعية لن تفيد القارئ كثيرًا إذا كانت مداخل الموضوعات والمقالات الأصلية غير منظمة تنظيمًا جيدًا. إذ ينبغي أن يقوم المحررون بإعطاء القارئ تعليمات كافية حول تنظيم كل موضوع، باستخدام عناوين رئيسية وعناوين فرعية واضحة. ويجب أن تشكل هذه العناوين مجتمعة تخطيطًا منطقيًا للموضوع.
شكل الصفحة
يجعل شكل الصفحة الموسوعة تبدو جذابة وممتعة تغري بالاستعمال، كما قد يجعلها ثقيلة ومُنفّرة. وعلى الفنانين والمصمّمين أن يحدِّدوا المساحة المناسبة للصفحة، وحجم الحروف، وطول السطر والمسافات بين السطور، وعدد الأعمدة.
كيفية إعداد موضوع في الموسوعة العربية العالمية
تتفاوت الموضوعات في الطول حسب أهمية الموضوع. فهناك موضوعات تقع في بضعة أسطر أو فقرات قليلة العدد، وهناك موضوعات أخرى تُعرض في أكثر من 30 صفحة، كموضوع المسجد أو الشِّعر أو الطيور في الموسوعة العربية العالمية. ومقالة العلوم عند العرب والمسلمين هي أطول مقالة في الموسوعة العربية العالمية، وتقع في حدود 126 صفحة. وتختلف الأساليب المستخدمة في إعداد هذه الموضوعات القصيرة والطويلة من أسلوب إلى آخر، طبقًا لطول المقالة، أو قصرها، وطبقًا لخطَّة الناشر.
بعد أن يتم نشر الموسوعة، يبقى التنقيح المستمر ضروريًا. ومنذ الفراغ من طباعة الموسوعة حتى موعد الطبعة التالية، لابد أن يقوم المحررون بإضافة موضوعات جديدة، أو تنقيح ومواءمة موضوعات قديمة، لجعل الموسوعة مواكبة لما يستجدُّ باستمرار من أحداث أو إنجازات أو تطور في مجال العلوم والمعرفة.
عند إعداد موضوعات جديدة، أو تنقيح موضوعات سابقة، يقوم المحررون في الموسوعة العربية العالمية باتباع إجراءات متأنية ـ خطوة خطوة، للتأكد من أن المواد العلمية الجديدة تتطابق وأهداف الموسوعة وأغراضها العلمية. ويقرر جهاز التحرير التنقيحات التي يجب إجراؤها في كل طبعة بناءً على معلومات تُستقَى عن تغيّر الاحتياجات المرجعية لدى جمهور الموسوعة. وتأتي هذه المعلومات من توصيات المستشارين والخبراء، ومن البحث العلمي وتقويم ردود الفعل المختلفة الخاصة بالموسوعة العربية العالمية. وعند إعداد موضوع رئيسي جديد، أو تنقيح موضوع سابق، يُلتزم بالخطوات التالية:
وضع المواصفات. يُعدُّ محررو الموسوعة العربية العالمية مواصفات (خطة مفصلة) كل موضوع من الموضوعات التي تشكِّل أهمية قصوى لكاتب الموضوع بوصفها دليلاً له؛ فهي تحدد له المعلومات التي ينبغي إدراجها في الموضوع، كما ترشده بوجه عام إلى كيفية تسلسل فقرات الموضوع. وقبل إعداد المواصفات، يقوم أحد المحررين بدراسة الموضوع العلمي دراسة وافية حتى يتمكن من معرفة المعلومات ذات الفائدة القصوى للجمهور. كما يقوم المحرر أيضا بتحديد المستوى، أو المستويات التعليمية المدرسية التي يمكن أن تستفيد من معلومات الموضوع.
كل هذه المعلومات ضرورية، ليس فيما يتعلق بمسألة اختيار محتوى الموضوع فحسب، بل وفي اختيار مفردات لغته وتركيب جُمله.
وعلى صعيد إعداد المواصفات وعلاقتها باستخدام الموسوعة في المدارس، يقوم محررو الموسوعة العربية العالمية بالاستفادة من: 1- التحليل المستمر لمقررات المناهج الدراسية. 2- المعلومات التي يتم الحصول عليها من برنامج بحث موسّع في الفصول الدراسية. ويعمل المحررون جنبا إلى جنب مع المرشدين والاستشاريين من أجل تطوير وتحديد المواصفات.
وفي الوقت الذي يجري فيه تحديث النص، يقوم الفنانون بتطوير خطط الوسائل الإيضاحية. ومن أهداف هذه الخطط التأكد من أن الصور والأشكال الإيضاحية والخرائط والأعمال الفنية الأخرى ملائمة للذي توضحه.
اختيار الكاتب المشارك
يُعدُّ اختيار الكاتب المشارك أمرًا حيويًا في عملية إنتاج الموسوعة. ويقع على المحررين عبء اختيار الكتّاب المشاركين والخبراء في مجالات تخصصاتهم. وقد يقوم أكثر من كاتب مشارك بكتابة الموضوعات الطويلة والمعقدة التفاصيل. وفي مثل هذه الحالات، يقوم كل خبير مشارك بكتابة الجزء المتعلق بمجال اختصاصه. والمتبَع هو أن يُعطى كل خبير نسخة من المواصفات (ويستحسن تزويده بعناصر الموضوع) وبإمكانه أن يقترح تعديلات بالحذف، أو الإضافة، لتحسين الموضوع.
تحرير المخطوطة أو المسوّدة الأولى. يتطلب تحرير المخطوطة، أو المسوّدة الأولى التي تأتي من الكاتب المشارك، مهارة وخبرة لابد من توافرها لدى محرري الموسوعة. ففي البداية يقوم أحد محرري الموسوعة بقراءة المخطوطة أو المسوّدة للتعرف على المعلومات الواردة في المقالة. ثم يقوم المحرر بإحداث بعض التغييرات، إذا لزم الأمر، لكي تنسجم الموضوعات وخطط الموسوعة من حيث المحتوى والأسلوب وعلامات الترقيم والمستوى اللغوي، بينما يقوم باحث مساعد للمحرر بالتأكد من صحة المعلومات والحقائق. ومن مسؤولية المحرر أن يوضّح المفاهيم الصعبة الواردة في الموضوع، كما يضيف أية حقائق أو معلومات أخرى يراها ضرورية. وقد تحال المقالة إلى قسم المواءمة والتنقيح لتُجرَى عليها أي عملية من عمليات المواءمة. بعد ذلك، تُعرض المسوّدة على محرري النسخ، والتربويين المتخصصين في مجال الموضوع. وعلى المستشارين التأكد من تحقُّق المقروئيّة (وضوح النص وسهولة القراءة...). وبعد التأكد من هذه النواحي، يُخزّن النص في الحاسوب بحيث يمكن استرجاعه وإجراء أية تنقيحات عليه بسهولة تمهيدًا لقراءته قراءة شاملة.
وضع الوسائل الإيضاحية في الموضوع. يتطلب تصميم وإنتاج الوسائل الإيضاحية، من رسوم أو خرائط أو صور أو أشكال، جهدًا مشتركًا من خبراء التصميم والفنانين معا. ويعمل هؤلاء عن كثب مع المحرر في عملية اختيار الوسائل الإيضاحية المناسبة والتخطيط الفني للموضوع، بحيث تتعاضد الوسائل الإيضاحية مع النص في عرض الموضوع وتوضيحه. ويتطلب هذا أن يعمل خبراء التصميم والإخراج الفني على وضع الوسيلة الإيضاحية بمحاذاة الجزء المُراد توضيحه من النَّص، أو قريبًا منه.
توفير الإحالات المرجعية
تزويد النصوص والوسائل الإيضاحية بالإحالات المرجعية، هو عمل المحررين المُدَرّبين تدريبًا خاصًا، لإرشاد القرّاء إلى حقائق وموضوعات معينة، بحيث يتمكن القارئ من تحديد موقع كل المعلومات المهمة المبثوثة في أماكن متفرقة في الموسوعة، والمتعلقة بالموضوع الماثل بين يديه. وكذلك يقوم محررو هذه الإحالات بمراجعة وضبط قوائم أسماء الموضوعات ذات الصلة بالموضوع المطروح والمثبتة في نهاية النص، سواء أكان هذا النص جديدًا أم منقحًا.
الفهرسة
تتطلب الفهرسة مهارة مُفهرسين مُدرّبين ومتخصصين في الحاسوب. ويقوم المفهرسون باختيار عناصر (عناوين وكلمات إرشادية) لإضافتها في الفهرس ونظام الحاسوب. ويكون لنظام الحاسوب هذا ملفان اثنان: أحدهما يستخدم ترتيب الصفحات التي ترد فيها المادة، صفحة تلو الأخرى، والآخر يستخدم ترتيب المواد حسب الألفبائية، كما هي في الفهرس النهائي الألفبائي. وبعد إكمال جميع الأعمال التحريرية في الموسوعة، يتم إنتاج مجلد الفهرس إنتاجًا أخيرًا، باستخدام تقنية التصفيف الضوئي، أو الفوتوغرافي ذي السرعة العالية.
الإعداد للمطبعة
تُستخدم أجهزة الحاسوب في إعداد النص وما يتضمنه من رسوم أو صور أو أشكال أو خرائط. وتتضمن هذه العمليات إعداد بروفات أو نُسخ أولية.وتُستخدم في هذه الأعمال أيضًا أجهزة فرز الألوان والتصفيف الضوئي.
لابد من قراءة ومراجعة البروفات قبل الإعداد للمطبعة وبعده للتأكد من سلامة المواد، مما يتطلب تركيزًا ودقة لتلافي الأخطاء.
بعد قراءة ومراجعة البروفات النهائية، تُجهّز أفلام الطباعة، ويبدأ العمل في تصوير النُسخ والتجليد. وللاطلاع على مزيد من النواحي الآلية والفنية في صناعة الموسوعات والكتب. انظر: تجليد الكتب؛ الطباعة.
كيف تختار الموسوعة المناسبة
إذا كنت تخطط لشراء موسوعة، فينبغي أن تسأل نفسك الأسئلة التالية:
- هل الناشر جهة أو مؤسسة ذات تجربة وسمعة أكاديمية طيبة؟ وهل لها جهاز جيِّد التأسيس؟
- هل لها مجلس استشاري لشؤون التحرير مكوّن من تربويين وعلماء معروفين في البلاد؟
- هل الموسوعة حُجّة وذات مصداقية في المعلومات والمعارف التي تُقدِّمها؟ هل أعدّ موضوعاتها كتّاب وعلماء متميزون؟ انظر قائمة الكُتّاب المشاركين والمستشارين في المجلد الأول والمجلد الثلاثين من هذه الموسوعة.
- هل هي مضبوطة، وصحيحة المعلومات؟ انظر في الموسوعة موضوعات في مجالات لك فيها خبرة ودراية.
- هل النصوص والصور واضحة وسهلة الفهم؟ وهل تغطي الحقائق المهمة؟
- هل هي حديثة ومواكبة لما يستجدّ في عالم المعرفة؟ انظر في الموسوعة موضوعات تعالج أو تتناول أحداثا جارية.
- هل هي مكتوبة دون تحيّز؟
- هل هي مكتوبة بلغة يسيرة وواضحة؟ هل يمكن للقرّاء على اختلاف أعمارهم ـ الشباب وكبار السن ـ فهمها بسهولة؟
- هل وسائل إيضاحها جيدة؟ هل تستخدم الألوان في الإيضاحات لغرض تعليمي أو لمـجرد الزينة والديكور؟ هل هي سهلة الاستخدام ؟ تأكد مـن العناصر الآتية وأنت تطالع الموسوعة:
- هل لها ترتيب ألفبائي واحد، أم لها ترتيب آخر؟
- هل المجلدات مرقمة (لها أرقام متسلسلة) ومكتوبة عليها الحروف بوضوح؟
- هل هناك استخدام واسع وواضح للإحالات المرجعية؟
- هل هناك كشاف (فهرس) مضبوط وشامل وسهل الاستعمال؟
- هل هناك توضيح لنطق المصطلحات والكلمات الصعبة؟
- هل عناوين الموضوعات مطبوعة بخط أو حروف أكثر سوادًا بحيث تُميزها عن غيرها؟
- هل المصطلحات أو أسماء الأعلام والأماكن وما شابهها مطبوعة بخط أو حروف تدل عليها؟
- إلى أي مدى بُذِل جهد في تجويد صناعة المجلدات؟
- هل الورق ذو نوعية جيدة؟ هل الطباعة واضحة وأنيقة؟ هل التجليد قوي ومقاوم للحشرات القارضة للكتب ويمكن تنظيفه (غسل ومسح الغبار و البقع عن وجه المجلد دون أن يتلف)؟
قبل أن تشتري أية موسوعة، تعرَّف غَرَضها الثَّقافي وهدفها العلمي، وخطة ترتيبها، وتوزيع موضوعاتها، حتى لو اقتضى ذلك استشارة أمين المكتبة للتأكد من كل ذلك ومن كونها معاصرة. وحينما تشتري الموسوعة، استخدمها جيدا، وضعها في المكان المناسب: في البيت أو المدرسة، أو في مكان العمل، بحيث تستطيع أنت ويستطيع غيرك تحقيق الاستفادة القصوى من الخدمات العلمية والمرجعية التي يمكن أن توفرها.
تاريخ الموسوعات العربية
الأعمال المرجعية الأولى. كانت كتابات علماء العرب والمسلمين في كل فروع العلم تأخذ شكلاً موسوعيًا، وإن كان منهجها في الترتيب ـ غالبًا ـ غير ألفبائي. فلقد شهدت الحضارة الإسلامية في القرون الهجرية: الثالث والرابع والخامس وما بعدها حركة في التأليف الشامل عكست نبوغ المؤلف العربي، وأظهرت محاولاته المبكرة نحو تأليف الموسوعات.
كان ابن قتيبة الذي نشأ وعاش في بغداد في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) أول من وضع مرجعًا موسوعيًا عربيًا كبيرًا هو كتاب عيون الأخبار، جمع فيه شتى المعارف وقسمه إلى كتب مثل كتاب الحرب، وكتاب الحوائج، وكتاب النساء، وغيرها. كما وضع أيضًا كتابه الشعر والشعراء، وهو من أهم المراجع التي صنفت في تراجم الشعراء. وقد عاصره الجاحظ الذي صنف كتابه الحيوان، وهو أحد أوائل الكتب الموسوعية المتخصصة، تناول فيه الحيوان ومزج فيه بين الأدب واللغة وحياة الحيوان. ومن علماء القرن الثالث الهجري أيضًا محمد بن سعد بن منيع الزهري الذي صنف كتابه الجامع الطبقات الكبرى في تراجم الصحابة. وفي القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وضع الفيلسوف العربي الفارابي موسوعة سماها إحصاء العلوم توجد منه نسخة الآن في مكتبة الإسكوريال في مدريد بأسبانيا. وإحصاء العلوم محاولة جيدة لجمع المعلومات في شتى أنواع المعارف. وفي البصرة، وضع إخوان الصفا، وهم مجموعة من طلاب العلم في القرن الرابع الهجري، موسوعة حاولت التوفيق بين المعرفة العربية الإسلامية والمعرفة الإغريقية، سميت رسائل إخوان الصفا. ومن أهم الكتب الموسوعية في القرن الرابع الهجري مفاتيح العلوم لمحمد بن أحمد الخوارزمي، صنف فيه المعارف العربية الإسلامية كالنحو والشعر، والمعارف الأعجمية الوافدة مثل الكيمياء والمنطق، ويعد من أقدم ما صنَّفه العرب على الطريقة الموسوعية؛ والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وتقوم مادته على جمع الأغاني (ما غُنِّي به من شعر الشعراء) المتميزة في عصره والعصور السابقة له وهو يُعدُّ مرجعًا أساسيًا للشعر العربي وللحياة العربية في الجاهلية وصدر الإسلام وصدر الدولة العباسية؛ والأمالي لأبي علي القالي، وهو مرجع ضخم يشتمل على علوم اللغة والأدب والنحو والصرف. وفي القرن الرابع أيضًا، الذي كان يمثل العصر الذهبي في تاريخ الفكر والأدب في الأندلس، ظهر كتاب العقد الفريد لابن عبدربه، وهو مرجع موسوعي أدبي يجمع بين المختارات الشعرية والنثرية، ولمحات من التاريخ والأخبار، وإشارات للأخلاق والعادات. كذلك صنف ابن بسام، وهو من أعلام النقاد الأندلسيين، كتابه الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة استمد مادته فيها من الحياة الأدبية والفكرية بالأندلس، وذلك في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وفي القرن السابع الهجري، ظهرت مصنفات موسوعية عديدة منها نهاية الأرب في فنون الأدب في ثلاثين مجلدًا لمؤلفه النويري؛ ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خِلـِّكان، وهو من أشهر كتب التراجم وأوفاها؛ ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، وهو كتاب شامل عن سير الأدباء والشعراء؛ ومعجم البلدان لياقوت الحموي كذلك، وهو مرجع موسوعي يحتوي على معلومات قيمة عن المدن والقرى والأمصار في ذلك العهد. وفي القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، صنف الإمام شمس الدين الذهبي موسوعته سِيَر أعلام النبلاء، وهو من أهم موسوعات التراجم، أما أحمد بن علي القلقشندي المصري فقد صنف موسوعته الأدبية صبح الأعشى في صناعة الإنشا في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي).