الصاعقة تحدث عندما يكون التفريغ الكهربائي بين أسفل السحابة ذات الشحنات السالبة مع الشحنات الموجبة على سطح الأرض وما عليه من أجسام مما يؤدي إلى حدوث وميض يمتد من الأرض إلى أعلى يسمى بالبرق ، كما أن هذا الضوء يعقبه صوت عالي قادم من السماء وهو ما يسمى بالرعد.
ــــــــــــــــــــــــ
الصواعق
اشعاعات كونية وأقواس كهربائية تتلاقى في الأعالي
عن دار الخليج
إعداد: محمد هاني عطوي
عندما تغيب الشمس وتتلبد السماء بالغيوم، وتهب الريح العاصفة، تنطلق صفارات الانذار في السماء على هيئة برق معلنة ان الرعد القاصف قادم، وما أن يبدأ هطول الامطار، حتى تندفع الصواعق تضرب الارض بشراسة لا يمكن ايقافها الا بقدرة القادر. وفي تلك اللحظات يشعر الانسان بمدى ضعفه امام جبروت السماء، وذلك في عرض مثير للفزع والرهبة يذكرنا بضعفنا امام قوة الطبيعة وقوانينها، وكل هذا بمشيئة الله تعالى.
من الناحية العلمية والنظرية، يرى العلماء ان هذه الظاهرة ليس من المفترض ان تحدث، فالبرق عبارة عن اضطراب جوي، من الناحية الكهربائية. لكن على الرغم من ذلك نجد ان الصواعق تضرب الارض هنا وهناك مرات عدة اثناء النهار والليل غير مكترثة لقوانين الكهرباء والفيزياء! ومما يجب قوله انه الفيزيائيين لم يدرسوا الصواعق عن كثب، فجل ابحاثهم كانت متركزة على التنبؤ بالعواصف او الزوابع، نظرا لصعوبة تفسير الظاهرة.
وعلى مدار السنوات الاخيرة شهدت الظاهرة اهتماما اضافيا من قبل الباحثين، حيث نجحوا في وضع فرضيات جديدة، مع تطوير بعض النظريات القديمة، لكن فيزياء الصواعق لم تزل حتى الآن مستعصية على العلماء.
وعلى الرغم من ذلك. يعرف العلماء الكثير عن الصواعق، فهي حسب رأيهم، تولد في سحب معروفة تسمى بالركام المزني او المكفهر، وهي كتل من السحب البيضاء التي ترتفع قممها على هيئة جبال. وعندما تتشكل هذه السحب جراء تبخر المياه في بعض المناطق الرطبة او نتيجة لالتقاء كتلتين هوائيتين مختلفتين في درجة الحرارة والرطوبة، فإنها لا تكتفي بالبقاء فوق السهول من دون ان تظهر حنقها.
وترتفع هذه الكتل المحتوية على مئات آلاف الاطنان من المياه والجليد فوق الارض حوالي 15 كيلومترا وتعبرها تيارات عنيفة من البخار تزيد سرعتها على 70 كيلومترا في الساعة، ونتيجة لذلك. يؤدي الاحتكاك بين قطرات الماء ابتلاع الالكترونات من جزئيات السحب، الامر الذي يؤدي الى اكتسابها شحنة سالبة. وبعد تشكل هذه الشحنات داخل السحابة فإنها تنفصل عن بعضها، فالجزئيات الموجبة الخفيفة تسير مع التيارات الصاعدة في حين تسقط الجزئيات السالبة الثقيلة تحت تأثير الجاذبية، والنتيجة المنطقية لهذا الامر تكون على النحو التالي: يصبح الجزء العلوي من السحب الرعدية مشحونا بشحنة موجبة. في حين يكون الجزء السفلي منها مشحونا بشحنة سالبة، وهذا ما يجعل الركام المزني العملاق يتحول الى مغناطيسي كبير يكون فرق الجهد بين طرفيه يساوي 400 الف فولط لكل متر على الاقل.
سطح الارض يكون خاضعا اثناء الطقس الصحو الى مجال كهربائي تتراوح شدته بين 100 و150 فولت لكل متر، ولذا يقول العلماء اننا نعيش فوق مكثف عملاق أحد اعمدته سالب الشحنة يمثل سطح الارض، والآخر موجب الشحنة يسمى الطبيعة المتأنية من الغلاف الجوي ويرتفع عن سطح الارض مسافة 50 كيلومترا.
أما عن الشحنات الموجبة الموجودة عند سطح الارض فإنها تنجذب نحو الشحنات السالبة الموجودة عند قاعدة السحابة. وتتركز عندها، وفي هذه الحالة، نلاحظ ان المجال الكهربائي بين الارض والغلاف الجوي قد تغير اتجاهه وفرق جهده، حيث ينتقل فرق الجهد من 150 فولت لكل متر الى ألف كيلوفولت لكل متر! وعند هذا المستوى من فرق الجهد، لابد ان يتكون البرق والرعد في الهواء، لكن المشكلة ان شدة هذا المجال لا تكون كافية كي تنطلق عملية تفريغ الشحنة.
تظهر النماذج الرقمية والتجارب التي تجرى في المختبرات، انه للوصول الى تفريغ للشحنة الكهربائية في الهواء عند مستوى الارض، يجب ان يكون المجال الكهربائي اكبر من 2،7 مليون فولت لكل متر!
ويرى الباحثون انه اذا كانت شدة المجال الكهربائي في حالتها الدنيا عند الضغط المنخفض في السحابة، وتكون قادرة على اطلاق العنان للصاعقة، فإن قوة الصاعقة تبقى في جميع الاحوال اعلى بعشر مرات من القيم المشاهدة عند سطح الارض، وفي هذه الحالة يصبح من المفترض الا تولد السحب المزنية (الركام المزني) أية صواعق.
ولحل هذا التناقض، لابد ان يزيد المجال الكهربائي عند نقطة محددة، في السحابة، الا ان هذا الامر لم يشاهد حتى الآن، لكنه يبقى مجرد فرضية ينادي بها الباحثون في مختبرات علم الاجواء العليا في مدينة تولوز الفرنسية وجامعة مانشستر في بريطانيا.
يشير الباحث بيير لاروش في المكتب الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية والجوية (أونيرا) الى انه من المرجح ان تكون بعض الظواهر الجوية المائية. قادرة على زيادة شدة المجال الكهربائي، فكل ظاهرة قاسية يتعرض لها المجال تعرضه للتشوه او التغير ويؤدي ذلك الى تركيز خطوط المجال بالقرب منه، ويعتقد لاروش انه اذا بلغت الظاهرة ذروة قسوتها، فإن شدة هذا المجال يمكن ان تتضاعف مئات بل آلاف المرات، وفي هذه الحالة يلاحظ ان قطرات الماء التي تميل الى التمدد تحت تأثير القوى الكهروستاتيكية والجاذبية ان تزيد من شدة المجال الكهربائي بدرجة كافية لتسريع حركة الالكترونات الموجودة على مقربة من طرف المجال، الامر الذي ينتج عنه هطول زخات غزيرة من الالكترونات ثم يتبع ذلك تشكل قوس كهربائي صغير جراء الاصطدام المتتالي للجزئيات مع بعضها البعض وتكون المزيد من الالكترونات الحرة.
اذا ما تتابعت الظاهرة بالانتقال من قطرة الى اخرى على مسافة كافية فإن الاقواس الكهربائية تتلاقى في قناة واحدة. وترتفع درجة حرارتها وتظهر على شكل خط مضيء سريع يسبق البرق المعروف بنوره الساطع، وكلما زاد طول وحجم هذا الخط جراء مقابلته للخطوط الاخرى الموجودة في الهواء تنطلق الصاعقة بضوئها وصوتها المعهود المدوي.
ويقول الباحثون ان تشعب خطوط الصاعقة، يعود الى القناة الموصلة للكهرباء التي تنشأ بين الارض والسحابة والتي تسمح للتيار كي ينتقل بسرعة عالية، وفي هذه الحالة تصعد الشحنات الموجبة لسطح الارض نحو القناة لتصل الى السحابة حيث تكون شحناتها السالبة مستعدة بدورها للانتقال نحو الارض. وعند ذلك نلاحظ حدوث تشعب في الصاعقة ينتج عنه دوي مخيف وضوء يخطف الابصار جراء انضغاط الهواء الذي حدث نتيجة للصدمة الكهربائية بين الشحنات المختلفة.
على الرغم من ان فرضية الظاهرة الجوية المائية تعطي تفسيراً مقبولا لتشكل الصاعقة، الا انها تعاني حسب بعض العلماء من بعض العيوب التي تتعلق بتشكل الخط الراسم الاصلي للصاعقة، فالتجارب تظهر ان هذه الظاهرة يمكنها ان تحدث عند قطرة واحدة ولكن ليس عند سلسلة من القطرات التي تمكنها من الانتشار، علاوة على ذلك. ليس من الممكن اجراء قياسات دقيقة لظاهرة الصاعقة في مكانها او في بيئتها، فالظاهرة محصورة جدا في الفضاء وفي الزمن الى درجة يصعب معها دراستها بشكل تفصيلي.
يبدو ان عيوب فرضية “الظاهرة الجوية المائية” كانت كثيرة الى درجة أدت الى ظهور نظرية اخرى يدافع عنها مختبر لوس الاموس الوطني في الولايات المتحدة منذ اربع سنوات. والملاحظ ان الخبراء العاملين في المختبر لا يأخذون بالاعتبار الزيادة المحلية للمجال الكهربائي، بل يتحدثون عن الكترونات سريعة جدا تولدها الاشعة الكونية. ويرى الباحثون ان هذه الاشعة مكونة من جسيمات دون ذرية ذات طاقة عالية جدا، قادرة على عبور الوسط بين النجمي لمجرة درب التبانة في جميع الاتجاهات، ويعتقد خبراء الفيزياء الفلكية، ان جل هذه الاشعة مكون من بروتونات تنشأ جراء انفجار المستسعرات العظمى (السوبر نوفا) أو نتيجة لتسارع المادة حول الثقوب السود. ولدى وصول الجسيمات الى الغلاف الجوي للأرض اثناء رحيلها في الفضاء، فإنها تقتلع من بعض جزيئاته الكتروناتها وتدفعها كي تسير بسرعة هائلة تقترب من سرعة الضوء. وعندما تسير الجسيمات عبر سحابة رعدية ويتم تعجيلها بفعل المجال الكهربائي فإنه يصبح من السهل ان نتخيل اصطدامها بذرات اخرى الأمر الذي ينتج عنه تحرير المزيد من الالكترونات والانطلاق العنيف لوابل الكتروني قادر على تأجيج قوة الصاعقة، وهذا ما يفسر لنا قدرة الصاعقة على التولد دون ان نلاحظ أي ازدياد في المجال الكهربائي.
اذا كانت الصواعق في الاعتقادات الشعبية القديمة، تمثل غضب الآلهة أو التعذيب الرباني لأهل الأرض جراء سيئاتهم، فإن العلماء يرونها ثمرة لاشعاعات كونية غريبة قادمة من اعماق الكون. والواقع انه لا يمكن التعويل كثيرا على هذه الفرضية، فلم تزل تحتاج الى اجراء المزيد من التجارب للتأكد منها أو لترجيح كفة فرضية الظاهرة الجوية المائية.
ويؤكد جوزيف دوير ان المستقبل وحده هو الذي سيحدد أي النظريتين هي الاصح، لكنه يتابع قائلا “ان حل لغز الصاعقة ربما يكمن في توليفة تجمع بين النظريتين.
ويرى دوير ان الظاهرة الجوية المائية يمكن ان تكون العامل المساعد لظهور سيل الالكترونات القادم من الاشعة الكونية. ويبدو ان هذه الفكرة ستشجع العلماء على تأليف نماذج علمية جديدة لحل معضلة تشكل الصاعقة ربما تكون اكثر تعقدا مما يتوقعون، فالباحثون هم الذين سيقررون في النهاية ان كان من الممكن اجراء مزاوجه بين كلا الفرضيتين، للتوصل الى تفسير مقنع لمسألة تشكل الصواعق في الطبيعة.