التوكل الإيماني هو تسليم زمام أمور الإنسان إلى الحق سبحانه و تعالى يقول الحق سبحانه و تعالى ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ))
إن فائدة الإيمان في هذه المعادلة الجميلة ... أن الجوارح تعمل و عليها أن تأخذ بأسباب الله, و القلوب تتوكل على الحق سبحانه و تعالى, فالفلاح إذا أراد الزراعة لابد أن يختار البذور, و يحسن التسميد, و أن يقوم بحرث جيد للأرض, و أن ينتظم في مواعيد الري, و أن يحافظ على الزرع من الصقيع مثلا بتغطيته, فهذا كله من عمل الجوارح, و بعد ذلك تتوكل القلوب على الحق سبحانه و تعالى.. إذن ... فلا يأتي أبدا الفلاح أن يقول: المحصول آت لأني أحسنت أسبابي.. لكن يتذكر دائما الحقيقة و هي أن فوق الأسباب خالق لها, فيقول : لقد فعلت كل ما أستطيع و استنفدت كل أسباب اتقان العمل, الله تعالى يقدر لي الخير و يبارك في زراعتي.
لقد جاء الإسلام بهذه المعادلة , ليحق الإيمان لإله له طلاقة القدرة يخلق الأسباب, و يخلق بغير أسباب, فلأسباب هي لجوارح البشر , و فوق الأسباب قادر حكيم, فالإنسان المؤمن حين يعمل فهو يأخذ بالأسباب, و حين يتوكل المؤمن فإنه يرجو عطاء الحق سبحانه و تعالى خالق الأسباب.
إذن.. فالجوارح تعمل و القلوب تتوكل و هكذا يجب على كل مؤمن أن يضع تلك المعادلة الجميلة في بؤرة شعوره دائما. و لا يظن ظان أن التوكل هو توقف الجوارح عن العمل, فهذا هو التوكل الكاذب, و الدليل على كون هذا اللون من التوكل كاذباً, أن صاحبه يترك العمل فيما فيه مشقة و يزعم التوكل, و الأمر السهل لا يتوكل فيه.
إن الذي يأخذ بالتوكل الكاذب هو الذي يمتنع عن العمل و لا أحد فينا يرى رجلا من هؤلاء يأتي إليه الطعام و لا يمد يده إليه و يتناوله, إننا نقول لمثل هذا الرجل: لو كنت صادقاً في التوكل إياك أن تمد يدك إلى لقمة لتضعها في فمك و اجعل التوكل الكاذب يقذف باللقمة إلى فمك.
و معلوم أن الإسلام ينهى عن التوكل الكاذب, و بلاده الحس الإيماني , و لذلك الحق سبحانه و تعالى يقول (( فإذا عزمت فتوكل على الله )) و لتتأمل كلمتي (( عزمت)) و ((فتوكل)) فنرى أن العزم يقتضي عزيمة, والتوكل يقتضي إظهار العجز, لأن معنى توكل الإنسان أنه يعلن عجز أسبابه, و يلجأ إلى من عنده قدرة ليست عنده و نحن نرى إنسانا يقول : لقد وكلت فلانا في هذا الأمر لأنني لا أقدر عليه....
إن معنى هذا إظهار عجزه, و أنه ذهب إلى من عنده القدرة ليفعل ما يعجز هو عنه. فالتوكل الإيماني هو تسليم زمام أمور الإنسان إلى الحق سبحانه و تعالى ثقة منه بحسن تدبيره و هذا هو التوكل المطلق .. و لما كان الله تعالى هو سبحانه الذي أعطى الإنسان الأسباب فعلى الإنسان ألا يرد يد الله الممدودة بالأسباب و يقول له: عاوني يا رب, أو اصنع لي... عليه قبل ذلك أن يستنفد كل الأسباب.
و الحق سبحانه يقول في فاتحة الكتاب (( إياك نعبد و إياك نستعين)) و هذا يعني أننا نعمل و نطلب العون من الله, و يقول الحق سبحانه و تعالى : ((إن الله يحب المتوكلين)) لماذا يحبهم؟ لأن المؤمنين به أخذوا بأسبابه ثم توكلوا عليه بعد ذلك.
محمد الشعرواي