المعركة الساخنة التي تشهدها الساحة السياسية والإعلامية في بريطانيا، حول فضيحة التنّصت على الهواتف الخاصة، تجعلنا نرثي لحالنا، قبل أن نرثي لحال هؤلاء الضحايا، الذين تنصتت الصحيفة على هواتفهم بطريقة غير شرعية؛ ففي الوقت الذي كفلوا فيه حقوق الناس الأحياء وحفظوا كرامتهم، هاهم الآن يخوضون حربا ضروسا من أجل حفظ حقوق الأموات، وحفظ خصوصياتهم، لتسقط دون ذلك رؤوس كبيرة، حتى وإن كانت بحجم إمبراطور الإعلام، روبرت مردوخ، أو بحجم رئيس وزراء بريطانيا العظمى، ديفيد كامرون.
الفرق شاسع بين أمة تقيم الدنيا ولا تقعدها، من أجل صحيفة تنصتت على هواتف الأموات والأحياء، وبين أمة تنتهك فيها الحرمات، وتغتصب فيها الحقوق، وتغيب فيها العدالة الاجتماعية، دون أن يكون لذلك صدى أو أثر أو محاسبة أو عتاب.
يشعر المتابع لتطورات "فضيحة مردوخ"، بالغبطة من الدور الذي يلعبه ممثل الشعب في البرلمان، وهو يحاسب المتورطين والذين لهم علاقة بالتنصت على هواتف منتخبيهم، بينما يركن ممثلو الشعب في برلماننا إلى الراحة والطمأنينة، وفي أحسن الأحوال يسجلون موقفا رمزيا، بإرسال سؤال شفوي إلى وزير، ينتهي بعبارات مجاملة، ويبقى الوزير وزيرا، والوالي واليا، والمسؤول مسؤولا.. مهما كانت الأخطاء والعثرات والكوارث!
تغيب في بلادنا كل أشكال المحاسبة والعقاب، ولا يحسن المسؤولون سوى لملمة الأخطاء وتمييعها، وإبعادها عن الأنظار والأسماع، وفي أحيان كثيرة، يتم ترقية المتسببين فيها بدل معاقبتهم، وتلك معضلة أخرى، لا يتسع المجال للتفصيل فيها، فكم من كارثة وقعت في مجالات الصحةوالتربية والنقل وغيرها، ولم نسمع عن مسؤول تحمل المسؤولية واستقال، لأنه لم يكن في المستوى، أو لأن اسمه ورد في قضية ما، كما فعل رئيس شرطة لندن.
العالم كله تابع كيف عبث أعضاء البرلمان البريطاني بإمبراطور الإعلام، روبرت مردوخ، وابنه جيمس، وأجروا لهما محاكمة ضمير علنا، بينما نعجز نحن أن نناقش أبرز قضايانا في العلن، فحتى المشاورات السياسية التي تتناول المستقبل السياسي للجزائر، أجريت وراء الأبواب المغلقة، وكأن الشعب الجزائري لم يصل درجة من النضج ليتابع ما يدور من مناقشات حول مستقبله.. فهل نرثي لغيرنا أم نرثي لما نحن فيه من أزمات، دون أن نشعر بحقيقة ذلك.