التصور الإسلامي للمشكلة الاقتصادية
الأستاذ الدكتور/ محمد شوقي الفنجري
أستاذ الاقتصاد الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية
المشكلة الاقتصادية هي مشكلة تعدد الحاجات مع ندرة الموارد، وبعبارة أخرى مبسطة هي مشكلة الفقر الذي لا يعدو كونه مظهراً من مظاهر زيادة الحاجات مع قلة الموارد.
وفي الفكر الاقتصادي الوضعي تتمثل مشكلة الفقر في ظاهرة الجوع والحرمان أو العجز عن إشباع الحاجات الأساسية، مما يعبر عنه أصحاب هذا الفكر باصطلاح "حد الكفاف" Minimum Vital مما يتعلق بمتطلبات البقاء، بمعنى أن الفرد يعد فقيراً عندما لا تتوافر له متطلباته بالقدر الذي يحفظ له حياته وقدراته على العمل والإنتاج.
أما في الفكر الاقتصادي الإسلامي، فتتمثل مشكلة الفقر في عدم بلوغ المستوى اللائق للمعيشة بحسب ما هو سائد في المجتمع، مما يختلف باختلاف الزمان والمكان، ومما عبر عنه الفقهاء المسلمون القدامــــــــى باصطلاح "حــــــــد الكفاية" Minimum de Suffisance مما يتعلق بمتطلبات الحياة الكريمة، وأحياناً باصطلاح "حد الغنى" M. De Richesse بمعنى أن الفرد يعد فقيراً متى لم تتوافر له متطلباته بالقدر الذي يجعله في بحبوحة وغنى عن غيره.
أ- الإسلام يضع مشكلة الفقر في المقدمة والصدارة:
لقد جاء الإسلام باعتباره خاتم الأديان، بمنهج كامل للحياة، يهتم بالجانب المادي والمعيشي في حياة البشر بقدر ما يغنى بالجانب الروحي والعقيدي. ذلك لأنه لا قوام لجانب دون آخر، وكلاهما يتأثر بالآخر، فإذا كان حقاً ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان فإنه أيضاً بدون الخبز لا يستطيع أن يحيا الإنسان.
لذلك وضع الإسلام مشكلة الفقر منذ البدء وقبل أن تتطور الأحداث وتفرض المشكلة نفسها، حيث يجب أن توضع في الأساس وفي المقدمة. ومن قبيل ذلك اعتبر المال زينة الحياة الدنيا وقوام المجتمع، وأنه نعم العون على تقوى الله، وأن طلب المال الحلال فريضة وجهاد في سبيل الله.
أكثر من ذلك لقد ساوى الإسلام بين الفقر والكفر، ولم يستعذ الرسول صلى الله عليه وسلم من شيء بقدر استعاذته من الفقر، فيقول عليه الصلاة و السلام [كاد الفقر أن يكون كفراً] (أخرجه الطبراني في الأوسط، والسيوطي في الجامع الصغير)
ويقول: [إني أعوذ بك من الكفر والفقر] فلما سأله أحدهم: أيعدلان؟ قال: نعم. (أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه)
بل أن الإسلام حين طالب الناس بالعبادة وذكر الله تعالى، علله في القرآن بقوله تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} (قريش: 3، 4).
ولذلك اعتبر الإسلام ترك أحد أفراد المجتمع ضائعاً أو جائعاً، هو تكذيب للدين نفسه بقوله تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم* ولا يحض على طعام المسكين} (الماعون: 1-2)
ب- مفهوم الفقر في نظر الإسلام:
يتبين مما سبق أن الفقير في المفهوم الإسلامي، فرداً كان أو دولة، هو من يعيش في مستوى تفصله هوة سحيقة عن المستوى المعيشي السائد في المجتمع المحلي أو العالمي، أي بعبارة أخرى هو من لا يتوافر له المستوى اللائق للمعيشة بحسب الزمان والمكان، وبإصلاح الفكر الاقتصادي الإسلامي هو من لا يتوافر له "حد الكفاية" أو "حد الغنى" لا "حد الكفاف".
وواضح أن "حد الكفاف" هو الحد الأدنى للمعيشة من مأكل وملبس ومأوى مما بدونه لا يستطيع المرء أن يعيش وينتج، فهو غير قابل للنقصان ولا يختلف إلا باختلاف القوى الشرائية في كل زمان ومكان بخلاف "حد الكفاية" أو "حد الغنى" فهو مستوى أرقى من المعيشة، وهو بالتالي قابل للزيادة، ومن ثم يختلف باختلاف مستوى التقدم في كل زمان ومكان.
ونخلص من ذلك إلى حقيقة هامة، بأن المشكلة الاقتصادية في الإسلام لم ترتبط البداية ، بهدف توفير الضروريات الأساسية للمعيشة، وإنما بهدف رفع مستوى المعيشة وتحسينه. وهو ما انتهى إليه الفكر الاقتصادي الحديث، بعد أربعة عشر قرناً، معبراً باصطلاح "الرفاهية الاقتصادية" أو "الرخاء المادي" ولا نسلم كلية باستخدام اصطلاح الفكر الاقتصادي الحديث أو ربط المشكلة الاقتصادية في الإسلام بهدف (الرخاء المادي) أو (الرفاهية الاقتصادية)، وإنما نفضل الإبقاء على الاصطلاح الدقيق الذي أخذ به الفقهاء القدامى وهو اصطلاح (حد الكفاية) وليس ذلك تعصباً منا أو انحيازاً مطلقاً لاصطلاحات الاقتصاد الإسلامي أو لمجرد الرغبة في التميز أو التمسك بالقديم، وإنما لأن الأمر في نظرنا أكبر وأعمق من ذلك إذ يتعلق بالأساس والجوهر لا الشكل والاصطلاح، وهو ما نرده إلى سببين رئيسيين:
أولهما: أن المال في الإسلام ليس غاية وإنما هو وسيلة لراحة الإنسان وسعادته ليكون بحق خليفة الله في أرضه. وقد رأينا كيف أنه في المجتمعات الوضعية الحديثة حين جعلت (الرخاء المادي) هدفها الأساسي، إن لم يكن مطلبها الوحيد، قد انزلقت إلى عبادة المادة أو على الأقل طغت عليها الماديات، وما استتبع ذلك من نشوء علاقات سياسية وأخلاقية مادية أشقت الإنسان وأصبحت تهدد الوجود البشري ذاته.
ثانيهما: أن الإسلام يأمر "بالتزين" ولكنه ينهى عن (الترف) وبعبارة أخرى أنه يفرق بين (التزين المباح) مما يرتبط بالمظهر اللائق أو الملائم كما يرتبط أصلاً بحمد الله وشكره، وبين (الترف المنهي عنه) مما يرتبط بالإسراف والمغالاة كما يرتبط عادة بالبطر والعلو على الناس. وقد ارتبط هدف (الرفاهية الاقتصادية) في الاصطلاح الحديث بالكماليات والترف المنهي عنه.
ومن ذلك تتبين عظمة الإسلام حين ربط المشكلة الاقتصادية منذ البداية بهدف رفع مستوى المعيشة وتحسينه، لا مجرد توفير الضروريات الأساسية. كما تتبين أيضاً دقة وبعد نظر فقهاء الشريعة حين عبروا عن ذلك باصطلاح (حد الكفاية) أو (حد الغنى) لكل مواطن، مما يختلف بحسب إمكانيات وظروف كل مجتمع، لا هدف (الرخاء المادي) أو (الرفاهية الاقتصادية) المصطلح عليه حديثاً، وما صاحبه على الوجه المتقدم من مساوئ ومثالب.
ت- اصطلاح (حد الكفاية) أو (حد الغنى):
واصطلاح (حد الكفاية) أو و(حد الغنى) وإن لم يرد صراحة في نص من نصوص القرآن أو السنة، إلا أنه يستفاد من روح هذه النصوص.
وقد ورد صراحة في تعبيرات كثيرة من أئمة وعلماء الإسلام، وكذا في مختلف كتب الفقه القديمة لاسيما بمناسبة بحث الزكاة التي هي بالتعبير الحديث مؤسسة الضمان الاجتماعي في الإسلام. فيقول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (إذا أعطيتم فاغنوا) ويقول الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم) ويقول الإمام الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية (فيدفع إلى الفقير والمسكين من الزكاة، ما يخرج به من اسم الفقر والمسكنة إلى أدنى مراتب الغنى)، كما يقول (تقدير العطاء معتبر بالكفاية)، ويقول الإمام السرخسي في كتابه المبسوط (وعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف، فلا يدع فقيراً إلا أعطاه من الصدقات حتى يغنيه وعياله، وإن احتاج بعض المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات أي (الزكاة) شيء، أعطى الإمام ما يحتاجون إليه من بيت المال أي (الموارد الأخرى))، ويقول الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات (الكفاية تختلف باختلاف الساعات والأحوال)، وقد جرى المثل العربي (صيانة النفس في كفايتها).
ثانياً: التشخيص الإسلامي لسبب المشكلة الاقتصادية:
ولقد كان للإسلام تشخيص معين لسبب المشكلة الاقتصادية، يختلف عن التشخيص الرأسمالي وكذا التشخيص الاشتراكي، وبالتالي اختلفت الحلول:
أ- الاقتصاد الرأسمالي:
سبب المشكلة الاقتصادية هم الفقراء أنفسهم سواء لكسلهم، أو لسوء حظهم بشح الطبيعة أو قلة الموارد. فقضية الفقر في نظره، هي أساساً قضية قلة إنتاج.
وقد رتب على ذلك الفكر الاقتصادي الرأسمالي، أن على الدولة أن تبيح الحرية المطلقة للجميع لينتجوا ويكسبوا ويغتنوا دون قيد أو شرط وأن على من خانه الحظ أن يرضى بواقعه فهو نصيبه وقدر الله.
ب- الاقتصاد الاشتراكي:
سبب المشكلة الاقتصادية هم الأغنياء أنفسهم باستئثارهم دون الأغلبية الكادحة بخيرات المجتمع، وبالتالي نشوء التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات التوزيع، فقضية الفقر في نظره، هي أساساً قضية سوء توزيع. وقد رتب على ذلك نظرياته في الصراع بين الطبقات، وفي التركيز على تغيير أشكال ووسائل الإنتاج بإلغاء الملكية الخاصة وتصفية الرأسماليين البورجوازيين بحسب تعبيرهم.
ج- الاقتصاد الإسلامي:
مرد المشكلة ليس هم الفقراء أو قلة الموارد، كما ذهب الاقتصاد الرأسمالي، كما أنه ليس سببها هم الأغنياء أو التناقص بين قوى الإنتاج وعلاقات التوزيع، كما ذهب الاقتصاد الاشتراكي. وإنما هي:
أولاً: مشكلة القصور في استغلال الموارد الطبيعية لا قلة هذه الموارد، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}. (إبراهيم: 34).
ثانياً: مشكلة أثرة الأغنياء وسوء التوزيع لا الملكية الخاصة ذاتها، وهو وما عبرت عنه الآية الكريمة: {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين} (يس: 47). وقد أثر عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: (ما جاع فقير إلا بما شبع غني)، وعن السلف الصالح (ما من سرف إلا وبجواره حق مضيع).
فمشكلة الفقر في التشخيص الإسلامي، مردها الإنسان نفسه وفساد نظامه الاقتصادي سواء من حيث ضعف الإنتاج أو سوء التوزيع. وقد رتب الإسلام على ضرورة تنمية الإنتاج مع عدالة التوزيع، وأن أحدهما لا يغني عن الآخر، فوفرة الإنتاج مع سوء التوزيع هو احتكار واستغلال لا يسلم به الإسلام، كما أن عدالة التوزيع دون إنتاج كاف هو توزيع للفقر والبؤس مما يرفضه الإسلام.
ونخلص من ذلك أن مشكلة الفقر في التشخيص الإسلامي، ذات صفة مزدوجة، أو هي كالعملة ذات وجهين:
أولهما: يتعلق بوفرة الإنتاج، وثانيهما: يتعلق بعدالة التوزيع. على أن ذلك لا يمنع الباحث في الاقتصاد الإسلامي من التركيز على أحد الوجهين بحسب ظروف بلده ومجتمعه، فيرى مشكلة الفقر في إحدى الدول أو المجتمعات الإسلامية هي مشكلة توزيع وعدالة، بينما يراها في دولة أو مجتمع إسلامي آخر هي مشكلة توزيع وعدالة أكثر منها مشكلة إنتاج وتنمية. ولا يؤدى به ذلك أن يكون متبعاً في الحالة الأولى الفكر الاقتصادي الرأسمالي، أو أن يكون متبعاً في الحالة الثانية الفكر الاقتصادي الاشتراكي، كالما هو لا يساير في الأساس الفكرين الوضعيين المذكورين في تصور مشكلة الفقر وأسلوب حلها.
ثالثاً: العلاج أو الحل الإسلامي للمشكلة الاقتصادية:
ومن واقع التشخيص الإسلامي لمشكلة الفقر، والذي يختلف عن كل من التشخيص الرأسمالي والتشخيص الاشتراكي للمشكلة المذكورة، كان العلاج أو الحل الإسلامي لتلك المشكلة، والذي يختلف بدوره عن كل من العلاج الرأسمالي أو الاشتراكي.
ولسنا هنا بصدد دراسة تفصيلية لعناصر العلاج أو الحل الإسلامي لمشكلة الفقر، أو بيان أوجه الخلاف بينه وبين العلاج الرأسمالي أو الاشتراكي، فذلك وحده يحتاج إلى أكثر من كتاب. ولكننا نكتفي هنا بمجرد الإشارة إلى بعض العناصر الأساسية التي يقوم عليها الحل الإسلامي لمشكلة الفقر.
أ- المال مال الله والبشر مستخلفون فيه:
لقد أسهب الفقهاء القدامى والمعاصرون في بيان طبيعة الملكية في الإسلام – سواء كانت هذه الملكية خاصة أم عامة – وآثار ذلك. وقد لخصوها بقولهم (المال مال الله، والبشر مستخلفون فيه). فحيازة أو ملكية الفرد أو الدولة للمال في الإسلام، ليست امتلاكاً بالمعنى المطلق، وإنما هي وديعة أو وظيفة شرعية أو هي ملكية مجازية أي ملكية الفرد أو الدولة في الظاهر بالنسبة للآخرين، إذ المالك الحقيقي لكل الأموال هو الله تعالى، وأنه سبحانه سيحاسب المكتسب للمال أو الحائز المتصرف فيه حساباً عسيراً بقوله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} (التكاثر: 8).
وقد ترتب على تكييف الإسلام للملكية: خاصة كانت أم عامة، أن أصبحت أمانة واستخلاف ومسئولية، ويجب الالتزام في شأنها بتعاليم الإسلام فلا يجوز مثلاً تمكين السفهاء والمبذرين من هذا المال بقوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً...} (النساء: 5)، أو حرمان العاجزين المحتاجين من هذا المال بقوله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} (النور: 33)، أو أن يكون المال متداولاً بين فئة قليلة من الناس بقوله تعالى: {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} (الحشر: 7).
أكثر من ذلك فإن شرعية الملكية: خاصة كانت أو عامة، تسقط إذا لم يحسن الفرد أو الدولة، استخدام هذا المال استثماراً أو إنفاقاً في مصلحته أو مصلحة الجماعة. وقد عبر عن ذلك أصدق تعبير سيدنا عمر بن الخطاب حين قال لبلال وقد أعطاه الرسول عليه الصلاة والسلام أرض العقيق: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجز عن الناس، وإنما أقطعك لتعمل، فخذ ما قدرت على عمارته ورد الباقي).
ب- لكل حد الكفاية أولاً ثم لكل تبعاً لعمله:
واستناداً إلى أن المال في الإسلام هو مال الله والبشر مستخلفون فيه، كان المبدأ أو الأصل الاقتصادي الإسلامي الهام بأن لكل حد الكفاية أولاً ثم لكل تبعاً لعمله. ومؤدى ذلك هو ما سبق أو أوضحناه في محاضراتنا وفي مختلف بحوثنا وكتبنا في مجال الاقتصاد الإسلامي بأنه: في الظروف غير العادية (الاستثنائية) كمجاعة أو حرب حيث تقل الموارد ولا تتوافر الحاجيات يتساوى المسلمون من حيث توفير حد الكفاف Minimum Vital وفي الظروف العادية يتساوى المسلمون من حيث توفير حد الكفاية M. de suffisance وما فوق ذلك يكون لكل تبعاً لعمله وجهده. ويترتب على ذلك في نظرنا ما يلي:
1- الإسلام لا يحترم الملكية الخاصة إلا بعد ضمان (حد الكفاف):
فحرمة الملكية الخاصة في الإسلام، مشروطة بأن يتوافر لكل فرد حد الكفاف أي الحد الأدنى اللازم لمعيشته. بمعنى أنه إذا وجد في المجتمع الإسلامي جائع واحد أو عار واحد، فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يجب احترامه ولا تجوز حمايته. ومؤدى ذلك أن هذا الجائع الواحد، أو المضيع الواحد، يسقط شرعية سائر حقوق الملكية إلى أن يشبع.
وهذا يفسر لنا قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إذا بات مؤمن جائعاً فلا مال لأحد) (أخرجه أبو داود في سننه)، وقوله: (أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله)، وقوله (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم في المدينة، حملوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم) (رواه البخاري ومسلم)، وقوله في حالة سفر: [من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له] (أخرجه مسلم في صحيحه). ويضيف الرواة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحدنا في مال.
وفي هذا المعنى يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إني حريص على ألا حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجزنا تأسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف)، كما يقول رضي الله عنه عام المجاعة سنة 18 هـ (لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عدتهم يقاسمونه أنصاف بطونهم حتى يأتي الله بالحيا – أي المطر – فعلت، فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم.
وقد عبر عن هذا المعنى الصحابي أبو ذر الغفاري بقوله (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه). وهو ما عبر عنه الإمام ابن حزم في كتابه المحلي بقوله (إنه إذا مات رجل جوعاً في بلد اعتبر أهله قتله، وأخذت منه دية القتيل، ويضيف ابن حزم بأن للجائع عند الضرورة أن يقاتل في سبيل حقه في الطعام الزائد عند غيره (فإن قتل – أي الجائع – فعلى قاتله القصاص، وإن قتل المانع فإلى لعنة الله لأنه منع حقاً وهو طائفة باغية). وعبر عنه الفقيه أحمد بن الدلجي في كتابه الفلاكة والمفلكون (أي الفقر والفقراء) بقوله: (إن من حق المحروم أن يرى النعم التي بأيدي الناس مغصوبة، والمالك المستحق يطالب باسترداد ماله من أيدي الغاصبين