فتح المدائن (تيسفون)، في شهر صفر سنة 16 للهجرة.
«المدائن» هي عاصمة ملك فارس وكانت مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانية وغيرهم، وسماها العرب المدائن لأنها سبع مدائن واسمها عند الفرنج (اكتيزيفون)، بينها وبين بغداد 25 ميلاً. وبها طاق كسرى أو إيوان كسرى وهو قصر من قصور كِسرى أنوشروان الذي تهدم وبقيت آثاره في مدينة المدائن. قدم « سعيد زهرة » إلى (بهرسير) (1) فصالحه « شيرزاد » دهقان ساباط على تأدية الجزية، وهزم زهرة كتيبة بنت كسرى التي تدعى « بوران » ثم زحف سعد على بهر سيز فرأى المسلمون الايوان (وهي تجاه الايوان)، فقال ضرار بن الخطاب « الله أكبر. أبيض كسرى. هذا وعدالله ورسوله »، وكبر وكبر الناس معه فكانوا كلما وصلت طائفة كبروا ثم نزل على المدينة.
وفي صفر دخل المسلمون « بهر سير » وكان سعد محاصراً لها وأرسل الخيول فأغارت على من ليس له عهد فاصابو 100،000 فلاح فأصاب كل واحد منهم فلاحاً فأرسل سعد إلى عمر يستأذن فاجابه (ان من جاء كم من الفلاحين ممن لم يعينوا عليكم فهو أمانة ومن هرب فادركتموه فشأنكم به) فخلى سعد عنهم وأرسل إلى الدهاقين ودعاهم اللا الإسلام أز الجزية ولهم الذمة فتراجعوا ولم يدحل ذلك ما كان لآل كسرى فلم يبق غربي دجلة إلى أرض العرب سواري الا آمن واغتبط بملك الإسلام وأقاموا على بهر سير، شهرين يرمونهم بالمجانيق ويدبون اليهم بالدبابات ونصبوا على المدينة 20 منجنيقاً فشغلوهم بها واشتد الحصار بأهل المدائن الغربية حتى أكلوا السنانير والكلاب وصبروا من شدة الحصار على أمر عظيم ثم قطعوا دجلة إلى المدائن الشرقية ودخلوا المدينة فانزلهم سعد المنازل، أقام سعد ببهر سير أياماً من صفر فاتاه علج فدله على مخاضة تخاض إلى صلب الفرس فأبى وتردد عن ذلك وقحمهم المد وكانت السنة كثيرة المدود ودجلة تقذف بالزبد فاتاه علج آخر وقال له ما يقيمك لايأتي عليك ثلاثة حتى يذهب يزدجرد بكل شيء في المدائن.
عزم سعد على العبور
عزم سعد بن أبي وقاص على قطع البحر وخطب في الجيش وندب الناس إلى العبور، وجعل عاصماً على الفراض ليمنعها وأذن في الاقتحام وقال: « قولوا نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليه وليظهرن دينه وليهزمن عدوه ولاقوة الا بالله العلي العظيم »، وتلاحق الناس في « دجلة » وكان الذي يساير سعداً سلمان الفارسي فعامت به خيولهم وخرج الناس سالمين وخيولهم تنفض آترافها وسموا يوم عبورهم الدجلة (يوم الجراثيم) لأنه لم يكن أحد يعبر الا ظهرت له جرثومه يسير معها وهي من القش المربوطة حزماً. فلما لم يقدر الفرس على منع المسلمين من العبور هربوا إلى حلوان (2)، فدخلها المسلمون ولم يجدوا بها أحداً وقد أخرج « يزدجرد » عياله إلى « حلوان » فلحق بعياله ونزل سعد « القصر الأبيض » فاتخذ الايوان مصلى وسرح في آثار القوم زهرة في المقدمات.
ايوان كسرى
زعموا أنه تعاون على بناء ايوان كسرى الذي بالمدائن عدة ملوك وهو من أ‘ظم الأبنية. ولما أراد كسرى بناء ايوانه أمر بشراء ماحوله من مساكن الناس وأرغبهم بالثمن الوافر وادخاله في « الايوان » وقيل انه كان في جواره عجوز لها دويرة صغيرة فأرادوها على بيعها فأمتنعت وقالت ماكنت لأبيع « جوار الملك بالدنيا جميعها»، فاستحسن هذا الكلام منها وأمر ببناء الايوان وترك دارها في موضعها منه واحكام عمارتها. وقد كان في الايوان « صورة كسرى أنوشيروان وقيصر ملك الروم وهو يحاصرها ويحارب أهلها ».
و إيوان كسري كان مقر الملك في فارس يدعى " القصر الأبيض " وفي وسطه "إيوان كسرى" قاعة ُ عرش كسرى. وعلى جدرانها رسمت معركة أنطاكية التي دارت بين الفرس والروم.
قال ابن الحاجب يذكر الايوان
يامَن بَناه بشاهِق البُنيان أنَسَيت صُنع الدَهر بالاِيوان
هذى المَصانع والدَساكر والبنا وقُصور كِسرى أنوشروان
كتب الليالي في زُراها أسطراً بيد البلى وأنامِل الحَدثان
ان الحوادث والخطوب اذا سَطَت أودت بكل موثق الأركان
صلى سعد صلاة الفتح ثمانى ركعات لايفصل بينها وكان في الايوان تماثيل وصور فتركها على حالها وتحول من الايوان بعد تلاثة أيام إلى القصر الأبيض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
1. من نواحي سواد بغداد قرب المدائن وهي في غربي دجلة وهي تجاه الايوان لأن الايوان في شرقي دجلة وهي غريبة.
2. حلوان : العراق هي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد، وقيل أنها سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة كان بعض الملوك أقطعه اياها فيميت به وهي مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسرمن رآى أكبر منها وأكثر ثمارها التين وهي بقرب الجبل وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها. يسقط بها الثلج، أما أعلا جبلها فأن الثلج يسقط به دائماً، وبها رمان والتين في غاية الجودة وحواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها الناس.