مبادرة روجرز
مبادرة روجرز بالإنجليزية Rogers Plan ، هى مبادرة قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكي في عهد ريتشارد نيكسون ، وقد جاءت هذه المبادرة لعمل فترة وقف إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية. أول ما ظهرت المبادرة كانت مشروع حل أمريكي للصراع الإسرائيلي-العربي في 9 ديسمبر 1969. عبدالناصر لم يرد , واسرائيل - كيسنجر - تأخرت بالرفض. ثم أعلنها روجرز كمبادرة بصفة رسمية في 19 يونيو 1970 وكانت من شقين: وقف اطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، وتطبيق القرار 242 عبر مهمة يارنج. عبد الناصر قبلها، وإسرائيل - كيسنجر - رفضتها.
أسباب طرح هذه المبادرة
كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي التي طرحت هذه المبادرة، لإيقاف القتال مدة ثلاثة أشهر، نتيجة المعارك الجوية التي دارت بين القوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية المعادية، وأسقط فيها طائرات حديثة جداً -أمريكية الصنع- تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. وأيضاً وقوع إسرائيل في مأزق عسكري داخلي كبير جداً ، بسبب الخسائر البشرية اليومية في صفوف قواته المسلحة.
وافقت مصر بقيادة جمال عبد الناصر على هذه المبادرة ، ومن ثم الأردن بقيادة الملك حسين. لكن منظمة التحرير الفلسطينية رفضت الالتزام بها.
الأحداث التاريخية
كان شهر سبتمبر 1967 هو البداية الحقيقية لعودة القتال عندما قامت معركة بالمدفعية في منطقة القنطرة خسر فيها الاسرائيليون حوالي 80 قتيلا و 250 جريحا مما جعل يوثانت سكرتير عام الامم المتحدة في ذلك الوقت يطلب من (أودبول) كبير المراقبين الدوليين قطع اجازته والعودة فورا الى القاهرة، وفي 25 أكتوبر اغرقت البحرية المصرية المدمرة الاسرائيلية (إيلات).
ورغم صدور قرار مجلس الأمن في 25 نوفمبر عام 1967 بوقف اطلاق النار، فقد قال جمال عبد الناصر أن ما يفعله الاسرائيليون في الارض المحتلة يؤكد انهم لن يخرجوا منها إلا إذا اجبروا على ذلك، وقال قولته المشهورة (إن ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة) ، وهكذا تواصل القتال وتصاعد حتى دخل حرب الاستنزاف التي كثفت فيها اسرائيل غاراتها الجوية بغية اصابة النظام بالشلل كما صرحت رئيسة الوزراء گولدا مئير ، ووضحت في نفس الوقت روح المقاومة والبسالة المعبرة عن الاصرار على تحرير الوطن وزادت خسائر اسرائيل بشكل ملحوظ دفع جولدامائير الى القول ان «كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب كلما دمرنا احداها نبتت بدلها اخرى» ودفعت أبا ايبان وزير الخارجية الى القول «لقد بدأ الطيران الاسرائيلي يتآكل» ، وفي هذه الظروف التي كانت تتكبد فيها اسرائيل خسائر مؤلمة.
تصريح وليم روجرز
قال وليام روجرز في احد المؤتمرات يوم 9 ديسمبر عام 1969 «سياسة الولايات المتحدة الامريكية تهدف الى تشجيع العرب على قبول سلام دائم وفي الوقت نفسه تشجع اسرائيل على قبول الانسحاب من أراض محتلة بعد توفير ضمانات الامن اللازمة ، وان ذلك يتطلب اتخاذ خطوات تحت اشراف گونار يارنگ وبنفس الترتيبات التي اتخذت في اتفاقيات الهدنة برودس عام 1948 ، وكمبدأ عام فإنه عند بحث موضوعي السلام والأمن فإنه مطلوب من اسرائيل الانسحاب من الاراضي المصرية بعد اتخاذ ترتيبات للأمن في شرم الشيخ ، وترتيبات خاصة في قطاع غزة مع وجود مناطق منزوعة السلاح في سيناء».
رد الفعل الإسرائيلي
ويبدو ان حكومة اسرائيل في صلتها مع الحكومة الامريكية خلال هذه الفترة كانت تركن وتعتمد على هنري كيسنجر الذي كان مستشارا للرئيس الامريكي للأمن القومي فقط. وكان ناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي قد ابلغني في ذلك الوقت خلال اتصالات كانت تتم معه بمعرفة جمال عبد الناصر ان هنري كيسنجر كان يستخف بوليام روجرز وأنه يسعى لأن يحل محله وهو ما حدث فعلا بعد ذلك. كان جمال عبد الناصر في زيارة للاتحاد السوفياتي خلال شهر يوليو (تموز) عام 1970 عندما قال في اجتماع مع بريجنيف يوم 16 يوليو، وهو اليوم السابق لعودته للقاهرة انه قرر قبول المبادرة الامريكية، موضحا سبب ذلك في ان القوات المسلحة تحتاج الى فترة لالتقاط الانفاس والانتهاء من مواقع الصواريخ على الشاطئ الغربي للقناة بعد ان بلغت خسائر المدنيين الذين اشتركوا في بناء قواعد الصواريخ 4000 شهيد. وكذلك قال جمال عبد الناصر للجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي ان قبول مصر للمبادرة سوف يحرج اسرائيل امام الرأي العام العالمي وامام امريكا ايضا وذكر انه لا يعتقد ان لهذه المبادرة اي نصيب من النجاح وفرصتها في ذلك لا تتجاوز 1/2 في المائة.
رد الفعل المصري
في البداية قابلت القاهرة تصريح روجرز بالصمت التام وبغير تعليق يظهر الرفض أو القبول أما اسرائيل فقد بادرت الى رفض مبادرة روجرز.
ثم أعلن جمال عبد الناصر قبوله لمبادرة روجرز يوم 23 يوليو في العيد الثامن عشر للثورة وتفجرت ردود الفعل في أنحاء العالم فقد كان الاعلان مفاجئا بعد فترة صمت امتدت اكثر من شهر، والظاهرة التي يجب الوقوف عندها طويلا هي خروج الاسرائيليين الى الشوارع في مظاهرات ترقص وتبتهج فقد انتهت بالنسبة لهم حرب الاستنزاف التي ارهقتهم نفسيا وماديا وكبدتهم خسائر كثيرة في الارواح. انقذ قبول المبادرة الاسرائيليين من تكرار ما حدث في ذلك اليوم الذي اطلقوا عليه اسم (السبت الحزين) عندما وقعت احدى دورياتهم في كمين للقوات المصرية المتسللة في سيناء، وقتل 40 جنديا، وعاد المصريون باثنين من الاسرى، رقص الاسرائيليون تصورا منهم ان المبادرة هي خطوة أولى نحو السلام فعلا، وهكذا كانت قناعة الرأي العالمي ايضا.
وقال ناحوم جولدمان ان قبول مبادرة روجرز خطوة هائلة للسلام من جانب عبد الناصر وان على الحكومة الاسرائيلية ان تلتقي معه في منتصف الطريق، ومع ذلك تحطم الائتلاف الحكومي الاسرائيلي بانسحاب ستة وزراء من حزب «جاحال»، وفي مقدمتهم مناحم بيجن.
ردود الفعل العربية
المثير ان قبول المبادرة كانت له انعكاسات مختلفة من الجانب العربي، واندفعت بعض القوى الفلسطينية الى اتهام الذين قبلوها بالخيانة، الامر الذي ادى الى اصدار أمر بوقف اذاعة صوت فلسطين التي كانت تبث من القاهرة يوم 29 يوليو عام 1970. ووضعت المبادرة موضع التنفيذ في الساعة الواحدة من صباح السبت 8 أغسطس (آب) عام 1970 لمدة 90 يوما.
النهاية
ولم يمتد العمر بجمال عبد الناصر حتى نهاية المدة المحددة لوقف اطلاق النار ولم تجد مبادرة روجرز فرصتها لتوضع موضع التنفيذ. وبعد وفاة جمال عبد الناصر تجدد وقف اطلاق النار لمدة ثلاث سنوات وشهرين حتى قامت حرب اكتوبر المجيدة عام 1973 وكان وليام روجرز قد ترك منصبه عام 1971.