سبحان الله! رجل يصوم ويتكبَّد مشقةَ الجوع والعطش، ومع ذلك يدعو عليه جبريلُ، ويؤمِّن عليه نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم.
صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر، فلما رقي عتبةً قال: ((آمين))، ثم رقي عتبة أخرى فقال: ((آمين))، ثم رقي عتبة ثالثة، فقال: ((آمين))، ثم قال: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد، من أدرك رمضان فلم يُغفر له، فأبعده الله، قلتُ: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما، فدخل النار، فأبعده الله، قلت: آمين، فقال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعده الله، قل: آمين، فقلتُ: آمين)).
من المؤسف ما نراه اليوم من كثيرٍ من الناس، ممن يظنُّ أن الصيام مجردُ عطية، أو هبة، أو منحة مفتوحة، من أراد فيه المغفرة نالها، فالأمرُ يستوي عنده، كل ما عليه هو أن يغلق فمَه عن الطعام والشراب منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم يُغفر له كل ما تقدَّم من ذنوبه، ويفوز بليلة القدر، وقد ضيَّع الجمعة والجماعة، فصام ولم يصلِّ، أو صام بطنُه وانطلق لسانه في السبِّ، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور، وساقط القول ورديء الكلام، أو من يصوم مع إطلاق الأسماع والأبصار فيما حرَّم الله - عز وجل.
فأيُّ تقوى حقَّقها هذا الذي يمسك طيلةَ يومه عمَّا أباح الله، ثم إذا أذن المغرب أفطر على سيجارة؟!
وأي تقوى حقَّقها هذا الذي يُجيع بطنَه ويظمئ نفسه، ثم يعكف على القنوات الفضائية الخليعة، أو المواقع الإلكترونية الماجنة، أو تراه "زبونًا" في الملاهي الليلية، والتجمعات الغوغائية، وإذا دُعي إلى صلاة التراويح والقيام، تعلَّل بالحمى والأسقام، والبرد والزكام؟!
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَاوُنٌ وَفِي بَصَرِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذًا مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ وَالظَّمَا وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي صُمْتُ يَوْمِي فَمَا صُمْتُ
في رمضان عملٌ يسير، وأجر عظيم؛ بل ضمان من الله - عز وجل - على لسان نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - لكل مسلم، حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه)).
فقل لي بربك: من المحروم المغبون؟ كيف يضيع هذا الشهر على كثير منا اغتنام لحظاته وساعاته وأوقاته؟
للأسف يدخل رمضانُ على كثير من المسلمين، فلا تجد في أنفسهم بهجةً بقدومه، ولا فرحةً باستقباله، ولا استعدادًا أو تخطيطًا لاستغلاله؛ بل البعضُ أخرج من خزائن ملفات الذاكرة برنامجَه المتسكع في النوم والغفلة، واللهو والسهر فيما لا ينفع.
ولا يظن أحدٌ أن الأمر ينتهي عند البشارة بمغفرة الذنوب والخطايا فحسب؛ بل هناك دعوة على من لم يَسْعَ في نيل المغفرة التي فتح الله أبوابَها، وهيَّأ أسبابها، دعوة لنيل المغفرة، ودعوة لاغتنام فرصة ذهبية يغفر لك الله من خلالها ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، وفي الكفة المقابلة إذا تقاعستَ عن نيل هذه المغفرة التي فتح الله أبوابها، وثبطكَ الشيطان عن السعي في تحقيقها، وتثاقلتَ إلى الدنيا وغلبتْك الشهوات، فأنت مدعوٌّ عليك، ولكن من الذي دعا عليك؟ ومن أمَّن على دعائه؟
ختامًا:
فنحن بين كفتين: كفة مغفرة فُتحتْ أبوابها، وهُيِّئت أسبابها، وكفة دعوة مستجابة نخشى من شؤمها وعقابها، جعلنا الله وإياكم من الفائزين بالمغفرة في هذا الشهر، وبلغنا وإياكم ليلة القدر، وجعلنا من عتقائه من النار.