بقدر ما قد يكون في الصيام من مشقة، يكون فيه من صحة، أجمع عليها الأطباء المسلمون والأجانب؛ من يؤمنون بدين ومن لا يعرفون غير العلم دينًا وإلهًا، وفي سيرة الرسول وسنته إشارات ودلائل، تثير عجبنا وتثير إعجابنا؛ فذلك هو الدستور الطبي الذي ورد في الأثر: ((صوموا تصحُّوا))؛ بمعنى لا تملئوا بطونكم؛ لأنه كما قال عليه السلام: "ما ملأ ابنُ آدم وعاءً قط شرًّا من بطنه، بحسب ابنِ آدم لقيماتٌ يُقمن صُلبَه، فإن كان لا محالة فاعلا، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".
فقد حدد -صلَّى الله عليه وسَلَّم- المقدار الذي يجب أن نتناوله وهو ثلث لطعامك وثلث لشرابك، وثلث لنفسك، لأن اشتغال المعدة بالطعام يسبب كثيرًا من الأمراض، كما قال طبيب العرب الحارث بن كلدة: "المعدة بيت الداء"، ولذلك قال بعض الحكماء: "الدواء الذي لا داء معه ألاَّ تأكل الطعام حتى تشتهيه وأن ترفع يدك عنه وأنت تشتهيه".
ولكن لأن الإنسان في أغلب الأحوال أسيرُ شهواته، فقد فرض الله الصوم لكسر هذه الشهوات، سواء كانت شهوات النفس الأمارة بالسوء، أو الشهوات التي تأتي من وساوس الشيطان.
• فالصيام علاج للشباب الذي لم يتزوج، أو لا يستطيع الزواج، من الانحراف؛ يقول صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة [أي مئونة الزواج] فليتزوج، ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له وجاء [أي وقاية]".
وكيف تكون الوقاية من الشهوات بالصوم؟
يوضح ذلك ما روي في الأثر: "عليكم بالصوم؛ فإنه محسمة للعروق، ومذهبة للأشر"، فإن الصوم حسم للداء بالقضاء عليه بما يزيله، لأنه يقلل الدم في العروق، ومن كثرة الدم فيها تثور الشهوة على الإنسان، لذا كان الصوم يخفف المني ويكسر الشهوة التي تذهب البطر.
كما أن الصوم تضييق لمسالك الشيطان، فيقول عليه السلام: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ فضيقوا مجاريه بالجوع".
وإذن يكون للصوم فوائده الصحية؛ لأنه يجفف العروق، وينظف الأمعاء، فيمنع ضغط الدم عن قوم، ويصلح المعدة لآخرين، فهو علاج لارتباك المعدة والتهاب القرحة، وكسل الكبد، ومرض السكر، كما أن الصوم علاج لمرضى السمنة؛ لأنه يمنعهم في نهار رمضان عن تناول النشويات، وعلاج لمرضى البول السكري، والاضطرابات الهرمونية .
يقول د. عبد العزيز إسماعيل: إن الصيام يستعمل طبيًّا في حالات كثيرة، ووقائيًّا في حالات أكثر، وإن كثيرًا من الأوامر الدينية لم تظهر لنا حكمتها، ستظهر مع تقدم العلوم، فلقد ظهر أن الصيام يفيد طبيًّا في حالات كثيرة، وهو العلاج الوحيد في أحيان أخرى.
فللعلاج.. يستعمل في اضطرابات الأمعاء المزمنة والمصحوبة بتخمر، ويستعمل في علاج زيادة الوزن الناشئة من كثرة الغذاء، وكذلك في علاج زيادة الضغط، أما في البول السكري فلما كان ظهوره يكون مصحوبًا غالبا بزيادة في الوزن، فالصوم يكون بذلك علاجًا نافعًا، ولا يزال الصيام مع بعض ملاحظات في الغذاء أهم علاج لهذا المرض، والصوم يعد علاجًا لالتهاب الكلى الحاد والمزمن، وأمراض القلب.
كذلك فإن الصوم يساعد على مقاومة الأمراض الجلدية، والمحافظة على نضارة الجلد وجماله؛ يقول د. محمد الظواهري: "إن علاقة التغذية بالأمراض الجلدية متينة"، والامتناع عن الغذاء والشراب مدة ما، يقلل من الماء في الجسم والدم، وهذا يدعو إلى قلته في الجلد، وحينئذ تزداد مقاومة الجلد للأمراض الجلدية المؤذية الميكروبية، وقلة الماء من الجلد تقلل أيضًا من حدة الأمراض الجلدية الالتهابية والحادة والمنتشرة بمساحات كبيرة في الجسم.
وقد كان من المعتقد أن صوم رمضان يقلل من عمر كرات الدم الحمراء، ولكن الدراسات العلمية أخيرًا أثبتت عدم وجود آثار سيئة لصوم رمضان على عمر كرات الدم الحمراء.
كما أثبتت الدراسات العلمية أن الحامل والمرضع ممن لهن القدرة على الصيام، لا تتأثر نسبة السكر في الدم تأثرًا ملحوظًا موازنة بالمرأة العادية، كما وجد أن نسبة الدهون نتيجة الصيام، قد ارتفعت في المرأة الحامل، ولكن في حدود المعدل الطبيعي، ومن هنا يقرر الطب أن لا ضرر على الحامل والمرضع من الصوم في شهر رمضان، كما أن الصوم علاج لمدمني المكيفات؛ يشحذ عزيمتهم للإقلاع عنها بعد رمضان.
ومع أننا -نحن المسلمين- لسنا في حاجة إلى شهادات تؤكد صدق إيماننا، إلا أن اقتناع غير المسلمين بأن ما نحن عليه هو الصواب يزيدنا يقينًا بأن الإسلام حق، ويزيدنا اقتناعًا بأنه لا شيء من أمور عباداتنا، بحيث لا غناء وراءه، وإن كانت الجدوى كل الجدوى في أن الله قد أمر وعلينا أن ننفذ أمره، وإلى المستهترين بفرضية الصوم مع قدرتهم عليه، أسوق هذه الشهادة لضعاف الإيمان، من طبيب أمريكي اسمه ماك فاردن، لعل ما عدده من فوائد الصوم يكون مقنعًا لبعض من لديهم عقدة (الخواجة)، فلا يفعلون شيئًا إلا إذا كانت عليه ماركة "مستورد من الخارج"، فماذا قال الطبيب الأمريكي عن الصوم؟
"إن كل إنسان يحتاج إلى الصيام وإن لم يكن مريضًا؛ لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض، فتثقله وتقلل نشاطه، فإذا صام خف وزنه، وتحللت هذه السموم من جسمه بعد أن كانت مجتمعة، فتذهب عنه حتى يصفو صفاءً تامًّا، ويستطيع أن يسترد وزنه ويجدد جسمه في مدة لا تزيد على العشرين يومًا بعد الإفطار، ولكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل".
وآخر ما حملته الأنباء عن الإفريقيين الذين يعيشون في أزمات المجاعة، أن كميات الطعام المحدودة التي تصرف لهم قد ساعدت على اكتسابهم صحة جيدة، وقللت نسبة الوفيات بينهم، وأنهم لو استمروا على هذا النظام من تناول كميات قليلة من الطعام فإن ذلك سيقلل من الأمراض المنتشرة بينهم.
ويقول د. أليكسيس كارايل: "إن كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطل وظيفة أدت عملا عظيمًا في بقاء الأجناس البشرية، وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يلتزمون الصوم في بعض الأوقات".
وحتى لا يحرم الإسلام أتباعه من كل هذه الفوائد الصحية للصوم، إلى جانب كونه أساسًا عبادة وتقربًا إلى الله، فإن الصوم لم يكن فقط مقصورًا على شهر رمضان، ولكنه ممتد طوال شهور السنة لمن أراد أن يصوم تطوعًا:
• ستًّا من شوال؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: ((من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر)).
• تاسوعاء وعاشوراء؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: ((وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية))، وقال: ((إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع)).
• يوم عرفة؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: ((صوم يوم عرفه يكفر ذنوب سنتين: ماضية، ومستقبلة)).
• الاثنين والخميس؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: ((إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم)).
• الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر؛ لقوله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: ((هي كصوم الدهر)).
• الصيام في شهر المحرم، والعشر الأول من ذي الحجة، وصيام يوم وإفطار يوم.
وما كل هذه الأيام المستحبة من الصيام طوال العام إلا إتاحة للفرصة أمام كل مسلم ليعالج نفسه بنفسه روحيًّا وصحيًّا.