منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
. الصيام والتمدن 933339 .
بقلوب ملؤها المحبة


وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة
منتديات عائلة تابلاط

منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
. الصيام والتمدن 933339 .
بقلوب ملؤها المحبة


وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة
منتديات عائلة تابلاط

منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


عائلــ الاخلاق الصدق الصبر العدل العفو الرفق التعاون الحلم الامانة الاخوة العمل الامل المشورة التواضع ــة تابــلاط
 
الرئيسيةعائلة تابلاطأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الصيام والتمدن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فارس المنتدى

فارس المنتدى


الصيام والتمدن Hh7.net_13102023561
الجنس : ذكر
العـمـل : الحمد لله
هوايتي المفضلة : الانترنات و الرياضة
وسام : وسام العضو
منتديات عائلة تابلاط : توقيع المنتدى

الصيام والتمدن Empty
مُساهمةموضوع: الصيام والتمدن   الصيام والتمدن Clockالسبت 13 أغسطس 2011 - 2:25


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

أكتب هذه المقالة لطائفتين من المسلمين:
طائفة تصوم ذاهلة عن معنى الصوم، مَحْرومة من فوائده ومزاياه، فصومها أقرب إلى العادة منه إلى العبادة، وطائفة أفرطتْ في الترَف والتنعُّم، واسترسلتْ في الشهوات استرسالاً، فشق عليها الصوم، فتركته غير مبالية بالأمر الإلهي، ولا ملْتفتة إلى ما في هذه العبادة من المنافع الروحية والجسدية، هذه الطائفةُ هي التي نشأتْ في مَهْد التمَدُّن العصري الشرقي، وأعني بهذا التمدُّن ما ضم ذووه إلى مفاسِد التربية الشرقية كثيرًا مِن مفاسد التربية الغربيَّة، فنسوا حظًّا مما ذُكروا به على لسان الشرع، ولَم يستبدلوا بما تركوه من أعمال الدين وآدابه وفضائله ما يقوم مقامه في قوام السعادة الدنيوية، ممَّا أفادهم العلم والاختبار، فضْلاً عن السعادة الأخروية؛ فإنَّه ليس لها في التربية الغربية - على ما نعتقد - نصيب.

ولا نشرك مع هؤلاء مَن يترك الصوم منَ الغوغاء والتحوت[1]، فإنهم لا يقرؤون، وإذا قرؤوا أو قُرِئ عليهم لا يفهمون، وإذا فهموا لا يُبالون أنهم مخطِئون أو فاسقون؛ لأنهم مستهترون ومستولغون - لا يبالون ذمًّا ولا عارًا - أولئك حزْب الشيطان، ألا إنَّ حزب الشيطان هم الخاسرون.

أيها المتمَدِّن الشرقي:

أقسم عليك بشرفك[2] الذي تقسم به وترعاه - وهو عوني عليك من تَمَدُّنك دون سواه، ولولاه لكنت مستولغًا لا تبالي بالعار، ولا ينجع فيك الإنذار - أن تقرأ مقالتي هذه وتتدبرها حق التدبُّر؛ لعلها تذَكِّرك بأمر هو مركوز في فطرتك الزكية، ولكن أذهلتك عنه النشأةُ العصرية، وهو أنَّ الصوم ركن من أركان الشرَف الذي تحرص على الاتِّصاف به، لا يثبت لك الشرَف الصحيحُ إن كنت مُوقنًا بالدِّين الذي تنتَسب إليه بدونه، ولا يتم لك الشرَف العُرفي إن كنت غير مؤمن إلا به أو بِمثلِه، أكشف حجابًا حال بينك وبين الشعور بفقد الشرَف، بفقد الصوم ونحوه، هو وجود كثير ممن على شاكلتك من خُلطائك وخُلصانك، الذين تعيش معهم وهم من أهل المال والسلطة، مع ملاحظة أن الشرَف هو ما يعده جمهور الناس شرفًا، ويحترمون صاحبه ويجلونه، ولو في الظاهر دون الباطِن، وهذا هو معنى الشرف عند عامة الناس ودهمائهم في جميع الأمم، وهو يقتضي أن يكون الشرَف أمرًا اعتباريًّا لا حقيقة له في نفسه، فقد يعتبر قومٌ شيئًا منَ الأشياء شرَفًا يتباهون به ويتنافسون فيه، وهو عند غيرهم ضِعة وخِسَّة، يتقذر منه ويتباعد عنه، وما مِن طائفة من الطوائف تُقيم على عمل من الأعمال، إلا وهو في عُرفها شرف، وله أسماء ونعوت يتمدح بها؛ فأصحاب السلْب والنهب يرون أن عملهم من آثار الشجاعة والشهامة، وأنه أفضل أنواع الكسْب وأشرفها، وعلى هذا فَقِسْ.

وأما الحكماء المحقِّقون، والعلماء الراسخون من جميع الأمم، فإنهم يرون أن الشرف أمر حقيقي، وأنه هو الكمال الإنساني، ويُمكنني أن أعرِّفه بـ: كل عمل يُجَلُّ صاحبه ظاهرًا وباطنًا، ويُحترم بحق من العقلاء والفضلاء فمَن دونهم، وهؤلاء لا يجلون أحدًا ويحترمونه على عمل إلاَّ إذا كان له أثر في نفع أمته، وحفظ مصالحها، والذود عن حُقُوقها، فقيامُ الإنسان بالواجب عليه لتهذيب نفسه ومصلحتها لا يُسَمَّى بنفسه شرَفًا، وإنما هو من الوسائل المعَدَّة والمهيَّأَة له لنوال الشرَف، والصيام مِن جُملة هذه الوسائل؛ ولذلك قال - تعالى - في بيان حكمة إيجابه علينا: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فإن معنى "لعل" في القرآن: الإعداد والتهيئة لِما تدخل عليه.

وإليك بيانَ هذا في شأْن الصيام:
لا خِلاف بين علماء الاجتماع في أنَّ سعادة الأمة منوطة بحُسن تربية أفرادها، فالسابقات إلى السعادة في هذه الحياة الدُّنيا من الأمم هن السابقات في العناية بالتربية؛ كإنكلترا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، رأتْ هذه الأمم العزيزة أن الأمة الإنكليزية قد سبقتهنَّ جمعاء في ميدان السيادة والسعادة، حتى إنها استولتْ على قريب من ثلثي العالَم الإنساني (400 مليون)، وأخذت أهم مغالق البحار، وقبضتْ على أكثر الأعصاب المعنوية للعالَم المتمدِّن، وهي الأسلاك البرقية، وامتلكتْ معظم ينابيع الثروة، وأنها نالت هذا بسلاح الحكمة والتدبير، لا بسلاح الإبادة والتدمير؛ لأنها أقلهن حربًا، وأبعدهن عن الاستعداد له بالنسبة لما استعمرته من الأرض، رأين هذا فحار الأكثرون في تعليلِه غفلة منهم عن الاستدلال بالأثر على المؤثر، وبالمعلول على العلة، واهتدى إليه بعضُ المحقِّقين في علْم الاجتماع، وطبائع الأمم، فقالوا: إن هذا السبق معلول لحسن التربية، ثم بحثوا في طرق التربية الإنكليزية، وقارنوها بالطرق المعروفة عند سائر الأمم المتمَدِّنة، فظهر لهم صحة استدلالهم، وفصل المجمل تفْصيلاً، وفي هذه التربية ألف المواسيو أدمون ديمولان كتابه: "سر تقدم الإنكليز السكسونيين"، ومنه علم أن مدار هذه التربية على أن يكون المربِّي مُستقلاًّ بنفسه في أمر معيشته، قادِرًا على أن يعيشَ في كلِّ أرض، ويزاحم في شؤون الحياة كل شعب، ويقاوم من فواعل الطبيعة كل عارض، ويصابر من حوادث الزمان كل طارئ؛ ليتَمَكن مِن بسط جناح سلطة أمته على كل أمة، ومِن إعلاء مَجد قومه على جميع الأقوام.

هذه هي التربية المثلى التي سبق الشعب السكسوني بها سائر الشعوب، ولا شكَّ أنها لَم تبلغ كمالها ولَم تعم الشعب كله، وهي على أحسنها في الطبقات العليا من الأمة، أَلَم تقرأ ما نقلناه في (المنار - 41) الأسبق عن السياسي الإنكليزي من قوله: "هذا الجلَد والصبر لا يوجد عندنا إلا في الضابط، فإنهم تربوا أحسن تربية، وباقي الجيش من غوغاء الناس إذا مشى بضع ساعات يعييه الوجى والكلال[3]، ولا يصبر عن اللحم والخمر إلا قليلاً"، وهذا لا يكون إلاَّ بتعويد المرء نفسه على الجوع، وترك الشهوات أحيانًا؛ لكيلا يتأَلَّم إذا أصابته مجاعة ويخور عزمه، وهذا هو معنى الصوم، وإحدى فوائده المهمة.
يقول المتمدِّنون: إن هذا النوع من ترويض الجسم، وتأديب الشهوة، لا نُنكر فائدته، ولكنه يمكن أن يحصل بغير الصوم المشروع في الإسلام، ولا ريب أن هؤلاء الإنكليز، ومن على شاكلتهم في التربية، لا يصومون هذا الصوم، ونقول في جوابهم: إذا فرضنا أن هذا الغرض يحصل بالصوم وبطريق آخر من الرياضة، فحسبنا في ترجيح الصوم أنَّ فيه مرضاة الله تعالى، والمثوبة الحسنة في الآخرة، مع الفائدة في الدنيا، على أن حكمة الخالق لا تُقاس بحكمة المخلوقين، ووضع البشر لا يُداني وضْع أحكم الحاكمين.

وهأنذا أسرد ما أستحضره من فوائد الصوم؛ ليتَبَيَّنَ للقارئ أنه لا يرغب عنه إلاَّ من سَفِه نفسه، وقد ذكرتُ فائدتين منها في مطاوي الكلام، وأعيدهما مع أخواتهما بلون آخر من البيان:
الفائدة الأولى: الصِّحَّة؛ لأنه رياضة تُجَفِّف الرطوبات البدنية، وتفني المواد الرسوبية، فقد قال ابن سينا: "إن هذه المواد تتولد من الطعام، وتكثر حتى تتولد منها أمراض يخفى سببها"، وقد اكتشف بعض علماء أوروبا هذه المواد من سنين قليلة، وقد كان سبقهم حكيمنا إليها ببضعة قرون.

يقول الآخذون بالظواهر: إننا نعرف من أنفسنا الضعف والذبول بالصوم، فكيف نُسَمِّي الضعف صحة، ومن لوازم الصحة القوة؟ ونجيبهم بأن عاقبة هذا الضعف والذبول القوة والنمو، أَلَم تروا كيف يُمنع النبات الماء زمانًا حتى يذبل ويذوي، ثم يُفاض عليه فيكون أسرع نموًّا ممَّا لو عوهد بالسقي دائمًا، بل هو في هذه الحال معرض لليبس؛ لأنه يرد عليه من الغذاء أكثر مما تطلبه طبيعته، ويندرج هذا تحت قاعدة: "رد الفعل" المعروفة، الشجرة البرِّيَّة - كما قال الإمام علي - أصلب عودًا، وأبطأ خمودًا، والأجسام الحية يشبه بعضها بعضًا في الشؤون الحيوية، وقد ثبت في الطبِّ أنَّ السنين[4] إذا أخذت قومًا، فإن فعل الجدب والقحط يكون على أشده في المترفين المنعَّمين، الذين اعتادت مِعَدُهم ألاَّ تخلو من المآكل الرطبة الدسمة، فيكثر فيهم الموتان، ويسرع فيهم الفَنَاء، وتكون السلامة أغلب في أهل الشظف والقَشَف، فما أحوج هؤلاء المنغمسين في النعيم إلى رياضة الصوم لتقوية أبدانهم!

الفائدة الثانية: كسرة سَوْرة الشهوة[5]، وجَزْرُ مَدِّها، فإن طغيان الشهوة يفضي بصاحبها إلى الإفراط في تناوُلها، فينطفئ في نفسه نور العفَّة، وهي أحد أركان الفضائل الأربع، ومتى تقوض هذا الركن ينهدم معه ما بُني عليه من الفضائل؛ كالحياء، والصبر والسخاء، والحرية الحقة، والقناعة والدماثة، والانتظام والمسالمة، والوقار والورع، واختلال مزاج النفس، وتبعه اختلال مزاج البدن؛ لأن الإفراط في الشهوات منبع الأمراض والأدواء بإجماع منَ الأطباء؛ ولهذا المعنى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان: ((إذا دَخَل شهر رمضان فتحتْ أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين))، زاد الترمذي وابن ماجه والحاكم: ((ونادَى منادٍ: يا باغي الخير، هلم، ويا باغي الشر، أقصر))، فأبواب الجنة الفضائل والطاعات، وأثرها في الصوم أعمّ وأظهر، وأبواب النار الرذائل والمعاصي، وانطِماس أثرها في الصوم الحقيقي لا يُنْكَر.

يقول المعترض: إذا ضعفت الشهوة في وقت الصوم، فإنها تثوب بعده[6]، كما تثوب الغضاضة والقوة بعد الذبول والضعف بمقتضى قاعدة: "رد الفعل"، التي ذكرتَها في بيان الفائدة الأولى، فيكون الصوم مُضرًّا، ونقول في جوابه: إنَّ موت الشهوة أو دوام ضعفها مُضر بالإنسان، وإنما شرع الصوم وغيره لمنفعته، والمطلوب في الصيام تضمير النفس[7]؛ كما تضمر الخيل حتى يملك صاحبها عليها أمرها، ويأمن جماحها إلى ما يحرمه الشرع، ويورث صاحبه الهوان والضعة من اتِّباع الشهَوات، وإنما يكون هذا بامتناعِه في أوقات مخصوصة عن تناوُل الشهوات كلها؛ حرامها وحلالها، لتنطبع في النفس ملَكة القدرة على الترْك، وهذا هو التهذيب المفروض على كل مكَلَّف في جميع الشرائع، جعلت العرب مدة تضمير الفرس أربعين يومًا، وجعل الشرع مدة تضمير الإنسان نفسه ثلاثين يومًا في كلِّ سنة، ويُستَحَب الزيادة عليها؛ لا سيما بالنسبة لمن يعرف من نفسه الجموح وعدم السلاسة لحكم الشرع (لها بقية)[8].

(2)

ذكرنا في المقالة الأولى من فوائد الصيام صحة البدن بترويضه، وصحَّة النفس بتأديب الشهوة وامتلاك زمامها؛ بحيث يصير الإنسان حاكمًا على شهواته، يسيرها في منهاج الأدب والشرف، الذي يُحَدِّده الشرع والعقل، لا محكومًا بها؛ كالبهم، والدواب، بل الإنسان يكون شرًّا من البهائم إذا هو لَم يؤدب شهوته، ويملك على نفسه أمْرها؛ لأن بارئ الكون قد أودَع في فطرة البهائم الوقوف عند حدود الاعتدال في تناوُل شهواتها، فلا تأكل، ولا تشرب، ولا تُسافد، إلا عن داعية الطبيعة، ومتى استوفت طبيعتها حقها من ذلك، تنكف عنه من طبعها، ولا تحمل أنفسها بالإفراط ما لا تطيق، ولا تتخذ الوسائل والحِيَل لإذكاء نار الشهوة، فتتمتع بأكثر مما يقتضيه المزاج المعتَدل، فيقضي عليها قانون: "رد الفعل" بعد ذلك بالضعف أو الخُمُود.

وخلق الله الإنسان ذا فكْرٍ، يجاهد به الطبيعة ويقاومها، تارة بما ينفعه، وتارة بما يضره، تختلف أحواله في هذا بحسب صحة الفكر وسقمه، وسعة المعارف وضيقها، أَلَم تر أن أكثر ما يصيب الإنسان من الأمراض والأسقام والأدواء، التي تنتهي بالموت قبل بلوغ العمر الطبيعي - هو من الإفراط في الطعام، أو الشراب، أو الوقاع، الذي يستعين عليه بما يعطيه الفكر من الوسائل والحيَل، بالأمس اختطفت المنية شابًّا في ريعان الصبا، وعنفوان الشباب، فبقر الأطباء بطنه، واستلوا أمعاءه، فتبين لهم أنه مات مسمومًا بالإكثار من علاجٍ تناوله لتقوية الباه، مسلم فعل هذا في شهر الصيام وزمن تأديب الشهوة! فإنا لله، والبهائم تستوفي آجالها الطبيعية في الغالب متمتعة بالصحة واعتدال المزاج، وإذا عرض لبعضها المرض أو الموت قبل الأجل الذي خلقها الله تعالى مستعدة لبلوغه، فإنما يكون ذلك في الغالب لأمر خارجي كفَقْد الغذاء، أو شدة البرد.

لهذا كانت سعادة الإنسان متوقفة على تربية صحيحة، وتعليم قويم، ولا يوجد هذان على وجه الكمال إلا في الدين، وإلا كان الإنسان أشقى في حياته من جميع أنواع الحيوان.

اقرأ إن شئتَ قوله تعالى في الجهلاء، الذين لا يشكرون الله تعالى باستعمال مواهبه فيما خلقت له من التعلُّم والتبصُّر والاعتبار: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]، وقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: 43 - 44].

صرح القرآن بأنَّ الله تعالى خلق هؤلاء السفهاء الأحلام لجهنم، وهذا من جملة الآيات على ما قلناه، ولا نزال نقوله من أن غاية الدين الإسلامي سعادة الدارين، وأن الشقاء في الدنيا مؤذن بالشقاء في الآخرة، ولكن السعادة في الدنيا ليست آية على السعادة في الآخرة؛ لأنها تحصل بدون الأخذ بجميع أركان الإسلام وتعاليمه على الوجْه الذي حدَّدَتْه الشريعة.

الفائدة الثالثة: معرفة قيمة النعمة بفقدها - ولو اختيارًا - فإن الأشياء تُعرَف بأضدادها؛ فمن لَم يهذبه الزمان بالحرمان من النِّعَم والحيلولة بينه وبين ما يشتهي، ينبغي له أن يتمثل هذا الحرمان بالتعمُّل والتكلُّف؛ لتعظم في عينه النعمة فيحفظها، وفي هذا الضرب من التهذيب تزكية النفس من رذيلة البَطَر الممقوت صاحبه من جميع البشَر.

الفائدة الرابعة: توطين النفس على الصبر والاحتمال؛ فكم من ذي نعمة فاجأته نقمة، فبلبلت باله، وأذهبت رشده، وأوقعه الجزَع والهلع منها بما هو أشدُّ منها، أعرف رجلاً من المترفين كان عنده طائر من نوع "الكنار"، وكان مولعًا به، فترك قفَصَهُ ذات ليلة بجانب بركة الماء، فجاءت الهرَّة تعالِج القفَص لاصطياده، فوقَع في الماء، ولما أصبح المترَف ورأى الكنار ميتًا في البركة، صفق بيديه على ركبتيه، فأصابَه من ساعته فيهما مرَض عَصَبي، أقعده عدة سنين يشتغل بالمعالَجة، حتى صار يقدر على المشي متوطِّئًا، ولم يبل إبلالاً[9].

يقول قائل: إنَّنا نرى هذا الجزع والهلع وقلة الاحتمال منَ الذين اعتادوا الصيام، وربما كان المترَف الذي تحدث عنه ممن يصوم رمضان، وأقول في جوابه: إنَّ فوائد الصيام لا تبلغ درجة الكمال، إلا لِمن فقه سرَّ الصوم وحكمة الله تعالى فيه، المعبر عنها في القرآن بالتقوى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وصام على ذلك، فأدرك ما هنالك، والصوم عند المترفين إنما هو تغيير مواقيت الأكل بجعلها في الليل مع زيادة مبالَغة في الترَف والتطرُّس[10]، والتنوُّق في النعيم، وسائر الناس يحذون حذو المترفين، كلٌّ بحسب استطاعته.

والصوم الحقيقي هو ما عرّفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((الصوم نصف الصبر))؛ رواه التِّرمذي وحسنه وغيره، وفي رواية البيهقي زيادة: ((وعلى كل شيء زكاة، وزكاة الجسَد الصيام))، وإنما كان الصوم نصف الصبر؛ لأنَّ الصبر إما أن يكون عن الشيء الذي يؤلم النفس فقدُه، وإما أن يكون على الشيء وجوده وحصوله، والذي يؤلم فقده هو الشهوات واللذات، ولما كانت شهوتا البطن والفرج أقوى الشهوات، والصبر عنهما أصعب وأشق على النفس منه على غيرهما، جعلت الشريعةُ تركهما والصبر عنهما عزيمة لا بدَّ منها؛ لأن مَن ربّى نفسه عليه فقيهًا بالمقصود منه، طالبًا لحكمته وفائدته، كان الصبر عن غيرهما من سائر الشهوات أسهل عليه، وهو ما جعلت الشريعة الصبر عنه من المندوبات المتأكِّدة في الصوم، وقالوا: إن كمال الصوم في كفِّ جميع الجوارح عن شهواتها؛ روى البخاري ومسلم وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما الصوم جُنَّة، فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل؛ فإن امرُؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم، إني صائم))، فجعل الصبر عن مجاوبة الشاتم والصائل[11] من الصوم، وفي حديث البخاري مرفوعًا: ((من لَم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ومن العجيب أن الفقهاء لا يحفلون بهذه المباحث، بل لا يكادون يذكرونها ويملؤون الصحائف بالدقائق النادرة، التي لا علاقة لها بحكمة مشروعية الصيام؛ كالبحث في الغبار الذي يدخل الأنف في الطريق، وفي وضع الخلال في الأذن، وفي الاحتراز وقت الاستنجاء مِن دخول الرطوبة إلى الجوف مع المقعدة، ونحو هذا، فكيف يحصِّل فائدة الصوم مَن يجعل همّه في هذه المباحث دون البحث في حكمة هذه العبادة، وكيفية إيصالها إلى التقوى المقصودة للشارع منها؟!

الفائدة الخامسة: مساواة الأغنياء الفقراء، والمترفين للبائسين، ففي فقْد دواعي اللَّذَّة، وأسباب النعمة، والمساواة من الفضائل المطلوبة في الأمم، وهي من غايات الإنسانية التي يطمع الحكماءُ أن تعمَّ البشر بعموم التمدُّن، ويشارك الصوم في هذه الفائدة الصلاةُ والحج؛ بل إنَّ الشريعة الإسلامية تساوي بين جميع المحكومين بها في الحقوق؛ سواء مَن اتخذها دينًا، ومَن كان يدين بغيرها، وجعلت في عباداتها ألْوانًا من المساواة لتكون للغني عبرة وتزكية، وللفقير عزاء وتسلية، ولتُهَيئ الأمة للمساواة في عامة الشؤون التي يُمكن فيها المساواة.

الفائدة السادسة: رقَّة القلب، والعطْف مِن ذَوي الوجد واليسار على أهْل العدم والإعسار؛ بحيث يحملهم ذلك على مُواساتهم والإفاضة عليهم مما رزَقهم الله تعالى، فإنَّ مَن يذوق طعم البلاء يكون على أهلِه أعْطف، وبهم أرأف، فمَن ذاق عرف، ومنَ المأثور عن سلَف الأمة الصالِح كثرةُ الصدقات، والصلاة في شهر الصوم، وقد بقي للخلف من هذه المزية بقية تشكر، وإن كانت لا تُشابه ما كان عليه السلف من كل وجْه، ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان في رمضان أجودَ من الريح المرسلة.

يُحكى أنه وقع قحط في عهد أحد الملوك، فذَكَر أمام زوجِه ما يُقاسيه الفقراء من البؤس والعناء لقلة القوت، فقالت: ما ضرهم لو استغنوا عن الخبز بالفالوذج واللوزينج، وهما أنفس الحلوى المعروفة عند المترَفين لذلك العهد، وما كان الفقراء يطعمونهما في حال الرخاء.

الفائدة السابعة: تعظيم أمر الله تعالى في النفس بأداء هذه العبادة الشريفة على الوجه الذي شرَعَه الله ابتغاء مرضاته، وهذه الفائدةُ رُوحيَّة محضة، ودينية خالصة، والصومُ هو العبادة التي لا حظَّ لشهوة النفس فيها، ولا يأتي فيها الرياء؛ لأنها تَرْكٌ لا فِعلٌ، ولذلك جاء في الحديث المتَّفَق عليه: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله - عز وجل -: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به))، وفي رواية: ((كل عمل ابن آدم تضاعفه له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه مِنْ أجلي))، ربما يفهم بعضُ الناس من الحديث أنَّ الصوم من الأمور التعبُّدية التي لا يعقَل لها معنى، لا تُعرف لها فائدة للإنسان في حياته إلا محض الامتِثال لأمر الله ابتغاء مثوبته ورضوانه في الآخرة، ونحن نقول: إنه ما مِن عبادة معقُولة المعنى، ظاهرة الفائدة للعامل بها، إلا وفيها معنى تعبُّدي يجب أن يتحرَّاه الإنسان، ويحافظ عليه لِمُجَرَّد الامتِثال، وأضرب لهذا مثلاً: الصلاة، فإن فائدتها للمصلين من النهي عن الفحشاء والمنكر، والتطهير من الجزع والهلع، والبخل والتحلي بأضدادها - معقولة المعنى؛ فإنَّ مَن يقيم الصلاة على الوجْه الذي أراده الله تعالى من الخشوع وحضور القلب، وإشعاره عظمة الله، وكبير سلطانه - تمثل له ملكة مرَاقبة الله تعالى عند كلِّ عمَل، وتذكر هيمنته، وإحاطة علمه بما يعمله، فيكون هذا زاجرًا له عن الفواحش والمنكَرات، ونازعًا من قلبه الهلَع والجزع عند حدوث الخطوب، وباسطًا يديه بالإنفاق والبذْل مما يمسه من الخير في وجوه البرِّ والخير، ولكن تحديد ركعات الصلاة بما هي عليه - ككون الصبح ركعتين، والمغرب ثلاثًا، والباقيات أربعًا أربعًا - ليس معقولاً المعنى، وإنما نحافظ عليه للوجه الديني الخالص والاتباع المحض، ونعلم أنَّ فيه حِكمًا لا يتوقف انتفاعُنا بالعبادة على معرفتها.

كما إذا عرفنا العلاج وفائدته في شفاء المرض، ولَم نعرف الحكمة في مقادير أجزائِه ونسبة بعضِها إلى بعض، وكون الذي يتناول يجب أن يكونَ مقداره كذا، ووقته كذا، ولو لَم يكن هذا المعنى التعبدي في هذه الأعمال النافعة المقوِّمة للسعادة الدنيوية لَم تكن عبادة تسعد فاعلها في الآخرة، ولكان العقلاء يعملونها لفائدتها من غير تقيُّد بما حدده الدين، فتبطل منها فائدة المساواة بين أفراد الأمة، والمساواة في العمل من الكمالات الاجتماعية كما علمت، فتبًّا لقوم يرغبون عن هذه العبادات، وما فيها من الفوائد والمنافع؛ {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130].

الفائدة الثامنة: صفاء القلب، واستنارة الروح، واستعدادها بذلك لنفحات الله المعنوية؛ فقد ورد: ((إنَّ لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرَّضوا لنفحات ربكم))، ولإدراك شيء من عالَم الملكوت في ليلة القدر؛ فقد قال الإمام الغزالي: إنها عبارة عن ليلة ينكشف فيها شيء من الملكوت لذي الاستعداد، وهذه الفائدة للخواص، ويحتاج بيانها إلى شرْح طويل لا محل له الآن، وكل منَّا يعلم من نفسه أن قلة الشواغل والبعد عن الشهوات والرياضة المعتدلة تعطي صاحبها قوة في عقله وإدراكه، فإذا كان مستعدًّا بفطرته لإدراك شيء مما وراء الحس، فأي مانع من كون الصيام معينًا عليه؟

هذا ما عنَّ لنا من فوائد الصيام، وكونه من أسباب السعادة في الدنيا ومقومات المدنيَّة، كما هو من أسباب السعادة في الآخرة، فعلى المتمدِّن العاقل أن يعتبرَ به، ويصوم مراعيًا هذه الفوائد ومتحرِّيًا لها، وعلى الصائم الذي لا يعرف من الصيام إلا ترك الأكل والشرب والجماع: أن يطالب نفسه بسر الصيام وفوائده وحكمته؛ لئلاَّ يتناوله حديث: ((كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش))؛ رواه النسائي، وابن ماجه، وليكون الصوم له جُنة ووقاية؛ كما في الحديث الذي تقدم؛ {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ} [البقرة: 269].


ــــــــــــــــــــ
[1] أي: الأسافل.

[2] وكأنما أقسم عليه بغير الله؛ لأن المتحدث إليه لا يأبه به، ولا يرى له ذمة، والعياذ بالله.

[3] أي: التعب.

[4] أي: المجاعات.

[5] أي: شدقها.

[6] أي: ترجع.

[7] أي: إضعافها.

[8] مجلة "المنار" العدد 43، 5 رمضان، سنة 1317، ص674 - 678، بتصرف يسير جدًّا.

[9] أي: لَم يكتمل شفاؤه وعافيته.

[10] التطرس: التأنق: الأكل والشرب الفاخران.

[11] الصائل: المعتدي الضارب الساطي.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الصيام والتمدن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أطفالنا و الصيام
» روح الصيام ومعانيه
» المضمضة في الصيام
» درجات الصيام :
» مفسدات الصيام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عـــــــــائـلة تـــــــابــــلاط :: فــئـة الاسلاميــــات ::  خيمة شهر رمضان-
انتقل الى:  
....................
اخر الاخبار الوطنية
جميع حقوق منتديات عائلة تابلاط محفوظة
 جميع الحقوق محفوظة لـ{منتديات عائلة تابلاط} ®
حقوق الطبع والنشر © 2010 - 2011

جميع ما يكتب في المنتدى يعبر عن وجهة نظر الكاتب شخصيا ولا يمثل رأي منتديات عائلة تابلاط ولا القائمين عليه أو اهدافهم أو توجهاتهم
الترحيـب و التواصل مع الاعضاء|التهانـي والتبريكات|الدعاء للمرضى و التعازي و المواساة|تابلاط للاخبار اليومية+مواقع للصحف الجزائرية |ملتـقـى عائلة تابلاط|كل ما يخص مدينة تابلاط|تاريخ و ثقافة الـجزائـر|شخصيات جزائرية هامة|خصوصيات ادم|خصوصيات حواء|الـطفـل و الـطــفولـة|مطبخ المنتدى|الاثات و الديكور|الاناقة والجمال|نصائح و تجارب منزلية|طبيب عائلة تابلاط|تطوير الذات|الحورات و النقاشات الهامة والجادة |العلوم و المعلومات العامة|فلسطين الحبيبة|البـيـئة والطبيعة و عالم الحيوانات| شخصيات عربية و عالمية |القصص و الرويات المتنوعة |حدث في مثل هذا اليوم| الأعياد والمناسبات|السيارات والشاحنات و الدرجات|الأمثال و الحكم و الأقوال|تابلاط الافـكار و المواهـب|أشعاري و خواطري|منتدى الشريعة و الحيـاة|خيمة شهر رمضان|دليلك في الحج و العمرة|التاريخ و الحضارة الاسلامية|تـابلاط الدردشة و الفرفشة|تابلاط نكت*نكت|المسابقـات و الالغـاز|السيـاحة بكل انواعها| صـور*صـور|كرة القدم الجزائرية|كرة القدم العالمية|رياضات متنوعة|بحوث مدرسية|المحاضرات و البحوث الجامعية|معلومات و اخبار|جامعية التعليم و الدراسة بالمراسلة|السنة الاولى ثانوي|السنة الثانية ثانوي|بكالوريــا2011|السنة الاولى متوسط|السنة الثانية متوسط|السنة الثالثة متوسط|السنة الرابعة متوسط (bem)|مواقـع مفيــدة و اخرى مسلية|بـرامج الهـاتف|برامج الكمبيوتر و الانترنات|الالعاب الالكترونية|استقبال القنوات +أنظمة التشفير التلفزيونية|التقنيات المتقدمة |قسم الاعلانات الادارية للاعضاء| معلومات موقع منتديات عائلة تابلاط|السيرة العطرة و قصص الانبياء|الاعجاز العلمي في القران و السنة|
وقف لله
تــنــويـة : أبـريء ذمتي أنا صـاحـب ومـؤسس منتديات عائلة تابلاط أمام الله ان حـصـل تعارف أو صداقات غير شرعية بين الأعضاء داخل المنتدى
منتديات عائلة تابلاط لا يهدف الى الربح أو التجارة بأي شكل من الاشكال
المنتدى وقف لله تعالى لي و لوالدي و لجميع الأعضاء والمسلمين و المسلمات الأحياء منهم والأموات
-
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلا مُتَقَبَّلا-