صوم رمضان مشقة، ولكن لا بد منها لرياضة النفوس على احتمال المشاق، وهو حرمان، ولكنه عظيمُ الأثر في توطين الإنسان على ما يكره، وهو تغيير في أسلوب العيش، ولكنه حسن يجنِّب الناس حينًا هذه المعيشة المتشابهة، التي يصبح الإنسان فيها ويمسي على نسق واحد.
قلَّ أن يحمِل الإنسان نفسَه على ما تكره إلا في رمضان، وقلَّ أن يَحرِم الإنسان نفسه مما تشتهي حينًا إلا في رمضان، وقلَّ أن يغيِّر الإنسان أسلوب عيشه ويخلص من هذه الدائرة المفرغة إلا في رمضان.
وقليلٌ منا من يعرف من دهره ساعات السحر، ونسمات الفجر طوال عامه؛ إلا في ليالي رمضان، وقلَّ أن يتزاور الناس ويتهادَوا ويتراحمُوا ويفرحوا كما يفعلون في هذا الشهر المبارك.
فينا من لا يصوم رمضان؛ لأنه لا يبالي بالدين، ولا يُعنى برياضة النفس، وهو في شُغل شاغل من لذاته ليل نهار، وفينا من لا يصوم رمضان؛ إشفاقًا من مشقة، وعجزًا عن صبر نفسه على مكروهات ساعات، وفينا من يصوم رمضان، ولا يصل بين صومه ونفسه؛ بل يكون في الصوم أشدَّ شراسة، وأحدَّ سلاطة، وأكثر عبوسًا وتجهمًا.
إنما نريد الصوَّامين يروضون أجسامهم وأنفسهم، ويطبون لأبدانهم وأرواحهم طوال الشهر بالحمية والعفَّة، والمودة والمرحمة، والذِّكر والفكر؛ فيخرجون من الشهر كما يخرج المريض من المستشفى وقد أَبَلَّ واستردَّ صحته، نريد صوامين، هم من رمضان في عبادة وصلاح مستمر ورقي متصل، وهو في سائر العام في أثر رمضان وذكراه وهداه.