الصوم الطبي
الصوم وصحة الجسم:
الصوم وقاية من الزوائد والرواسب في الجسم، ومعلومٌ أن الجسم في حالة الصوم يبدأ باستهلاك المواد الغذائية المخزونة فيه، فإذا نفدت يبدأ في استهلاك أو إحراق أنسجته الداخلية، وأول الأعضاء التي يتغذى عليها الجسم هي الأعضاء التي تكون مريضة بأي مرض يسبب فيها احتقانًا أو تقيُّحًا أو التهابًا، وبديهي أن أول الخلايا التي تُسْتهلك هي تلك الخلايا المريضة أو الهرمة، فهذه هي أول ما يتأكسد من أنسجة الجسم وتحترق، ثم يتخلَّص الجسم منها، فالصوم في هذه الحالة يقوم مقام مشرط الجراح، الذي يزيل الخلايا التالفة أو الضعيفة من كل عضو مريض، فيعطيه فرصة يسترد خلالها حيويته ونشاطه، وبهذه النظرية يكون الصوم وقاية للجسم من كثير من الزيادات مثل: الحصوة والرواسب الكلسية، والزوائد اللحمِيَّة وأنواع البروز، والأكياس الدهنية وأيضًا الأورام الخبيثة؛ فقد لوحظ بالأشعة أن جميع هذه الزوائد يصغر حجمها أثناء فترة الصوم.
الصوم ومرض السكر:
والصوم يحمي الإنسان من مرض السكر، ولتفسير ذلك نقول: إن في الصوم تقل كمية السكر في الدم إلى أدنى المعدلات، وهذا يعطي غدة البنكرياس فرصة للراحة، فمن المعروف أن البنكرياس يفرز الأنسولين، وهذه المادة بدورها تؤثر على السكر في الدم، فتحوله إلى مواد نشوية ودهنية تترسَّب وتخزن في الأنسجة، ولكن إذا زاد الطعام عن قدرة البنكرياس في إفراز الأنسولين، فإن هذه الغدة تصاب بالإرهاق والإعياء ثم أخيرًا تعجز عن القيام بوظيفتها، فيتراكم السكر في الدم وتزيد معدلاته بالتدريج سَنَةً وراء سنة حتى يظهر مرض السكر، وخير حماية للبنكرياس من هذا الإرهاق هو الصوم المعتدل.
الصوم والمعدة:
وما أصدقَ الحكمةَ القائلة: قليل من الصوم يصلح المعدة؛ ففي الصيام تخلو المعدة تمامًا من الطعام خلال 12 ساعة في اليوم الواحد تقريبًا، ولمدة شهر كامل، وهذه المدة تكفي لإخلاء المعدَة من كل طعام متراكم، وتعطيها فرصة للراحة من غير إرهاق؛ ولذلك نجد أنه أثناء فترة الصيام يتخلص الإنسان من عادة التكرُّع أو (التجشؤ)، التي يسببها أكل الطعام على الطعام، مما ينجم عنه تخمر الأطعمة في المعدة قبل أن تتمكن من هضمها.
الصوم والأمعاء:
والصيام يريح الأمعاء والمصران الغليظ أيضًا من الطعام المتراكم؛ وبذلك يتخلص الصائم من الغازات والروائح الكريهة، التي تنتج عن التخمة وسوء الهضم والتخمر في الأمعاء؛ بسبب عدم قدرتها على امتصاص الطعام أو التخلص منه، وقد كان النساء فيما مضى قبل الأدوية الحديثة يعالجون حالات الإسهال بالصيام وحده، أو باستعمال المسهلات للمساعدة على طرد المواد السامة من المصران.
كيف تستفيد من الصوم في إنقاص وزنك؟:
الصوم يزيل السمنة والكرش، وهو خير فرصة لعمل (الرجيم)، بشرط أن يصاحبه الاعتدال عند الفطور، وألا يُتخَم الإنسان معدته بعد الصوم، وقد يقول قائل: إن كثيرًا من الناس يزداد وزنهم في شهر رمضان، ويزدادون تُخَمَة.
وهذا قد يحدث، وسببه عدم اتباع السنة النبوية في الصوم والفطور؛ فقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يبدأ فطوره بتمرات قليلة أولاً ثم يقوم إلى الصلاة، فإذا انتهى من صلاة المغرب يعود لكي يكمل إفطاره؛ عن أنس - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - يفطر على رُطَبَات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن حسا حسوات من الماء"، (وحسا، أي: شرب)، ومن أوامر الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في ذلك: ((إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء فإن الماء طهور)) [42].
ولهذه السنة النبوية حكمة طبية عظيمة ربما فاتت الكثير من المسلمين قرونًا طويلة، فتركوها أو أهملوها ظنًّا منهم أنها أمر غير ملزم، فخسروا الكثير من فوائد الصوم الطبية؛ فمن المعروف علميًّا أن شعور الإنسان بالجوع لا يتوقف على فراغ المعدة فقط من الطعام، ولكن العامل الأهم هو نقص كمية السكر في الدم، والدليل على ذلك أنك إذا أكلت شيئًا حلوًا قبل الطعام فإنك تفقد الشهية للأكل حتى لو كانت المعدة خاوية، وسبب ذلك أن السكر الذي تأكله يمتص بسرعة من المعدة إلى الدم، فيرفع نسبة السكر فيه إلى المعدل الذي يشعرك بالشبع، أما إذا بدأت طعامك بعد جوع بأكل اللحوم والخضروات والخبز، فإن هذه المواد تتكون أساسًا من البروتين والدهنيات والنشويات، وهذه المواد يتحول جزءٌ منها إلى سكر في الدم، ولكن بعد عملية هضم طويلة جدًّا وبطيئة، وفي هذه الأثناء لن تشعر بالشبع إلاَّ بعد أن تمتلئ المعدة فوق معدلها وطاقتها، فتذكر دائمًا قول الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه)) [43].
الصوم وقاية من مرض النَّقْرس:
وهو المسمى مرض الأغنياء، وينتج هذا المرض عن زيادة التغذية والإكثار من اللحوم، وفيه تزيد كمية أملاح البول في الدم، ثم تترسب في العضلات فتسبب آلامًا تشبه الروماتزم، أو تترسب في الكلى فتسبب الحصوة، أو تترسب في المفاصل الصغيرة فتسبب تورمها، والصوم علاج رئيس لهذا المرض.
الذين رفع عنهم الصوم بسبب شرعي:
يقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]. فهذه الآيات تحدِّد لنا فئات من الناس أعفاهم الله لظروف معينة من فريضة الصوم:
منهم: المسافر أو المريض مرضًا مؤقتًا: فله أن يفطر ثم يعوض صومه فيما بعد، وتقدير تعب السفر أو الجهد من المرض متروك للإنسان نفسه، فطالما أنه سوف يعوض صيامه في أيام أخر، فليس هناك خلاف حول حق الإنسان في تقدير حالته أثناء السفر أو المرض.
وهؤلاء الذين عناهم الله هم:
1 - كبار السن: الذين لا تحتمل أجسادهم الصوم؛ لأن الإنسان في هذه المرحلة من العمر يحتاج إلى وجبات متقاربة وصغيرة كمعدة الطفل، ولا يتحملون وجبة واحدة وكبيرة [44].
2 - المرأة الحامل والمرضع: وذلك لأن الجنين في بطن أمه، أو الطفل الذي يرضع من الأم يحتاج إلى غذاء كامل، غني بالفيتامينات والسكريات، وهذه تقل كثيرًا في دم الأم واللبن في فترة الصيام.
3 - المرضى بمرض مزمن لا يرجى شفاؤه: مثل مرض السل أو أمراض المعدة؛ كالقرحة أو الالتهاب أو مرض القلب أو مرض السكر، وجميع الأمراض يؤخذ فيها رأي الطبيب المسلم الفاهم لدينه.
حكمة حديث الإفطار على تمر أو ماء:
يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد فالماء، فإنه طهور)) [45]، صدق رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم؛ رواه الترمذي (658).
فالأمعاء كما يقول الدكتور أنور المفتي - رحمه الله - تمتص المواد السكرية الذائبة في أقل من خمس دقائق، فيرتوي الجسم، وتزول أعراض نقص السكر والماء فيه؛ لأن سكر الدم ينخفض أثناء الصوم، فيؤدي إلى الشعور بالجوع وإلى بعض التوترات أحيانًا، وهذا سرعان ما يزول بتناول المواد السكرية، وهنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة في البدء بتعاطي مادة سكرية كالتمر بالذات، ولو علمنا ما يشتمل عليه البلح بأنواعه المختلفة، لأدركنا أكثر وأكثر تلك الحكمة النبوية العالية، فالدراسات الغذائية عليه أثبتت الآتي:
أولاً - يحتوي البلح (التمر) على مواد سكرية تبلغ نسبتها 70%، ومعظم تلك السكريات الموجودة في التمر من نوع السكريات المحولة، مثل سكر الفاكهة الذي يسمونه الفركتوز، وهذا السكر سهل الهضم وسهل الاختراق، ومن ثَمَّ تتولد عنه طاقة عالية، دون أن تكلف الجسم عناء شديدًا في تحويلها أو هضمها أو تمثيلها الغذائي، وبالطبع فإن هذا السكر يختلف عن السكر الذي نستعمله في طعامنا، وأعني به سكر القصب (السكروز)، وقد ثبت من دراسات أَجْرَتْها منظمة الصحة العالمية: أن زيادة استعمال السكروز - أي سكر القصب والسمندر - له علاقة ببعض أمراض القلب والشرايين، وما يتصل بالسمنة من مضاعفات.
ثانيًا - يحتوي التمر على معادن كثيرة هامة أشهرها:
- البوتاسيوم. - والصوديوم.
- والكالسيوم. - والماغنسيوم.
وهي معادن لها أهميتها فيما يتعلق بالعمليات الكيماوية في جسم الإنسان، وتدخل في تركيب أنسجته، ونقصُ أحدِها يكون له آثارٌ ضارة على الجسم، فضلاً عن أن الماغنسيوم - طبقًا لبعض الأبحاث الحديثة - يقاوم الشيخوخة.
ثالثًا - الألياف التي يحتويها البلح، تعتبر عاملاً هامًّا في تنشيط حركة الأمعاء ومرونتها، أي: أنها ملين طبيعي، ويحمي من الإمساك وما يجره من عسر هضم واضطرابات مختلفة.
رابعًا - أن البلح الرطب فيه كمية من (هرمون البتوسين)، وهذا الهرمون من خواصه: عمل الانقباض في الأوعية الدموية بالرحم، ومن ثم يساعد على منع حدوث النزيف الرحمي.
من هنا نرى تلك الحكمة النبوية السامية في تفضيل التمر والماء، وهما من العناصر الهامة بالنسبة لجسم الإنسان [46].