تمر الشهور وتتقلب السنوات ويظلنا شهر رمضان ليعيد إلينا المعاني الكبيرة التي تشكل بمجموعها معالم الحياة الإسلامية وقيم الدين التي يجب أن لا تغيب عن حياة المسلم والعبادات في الإسلام لا تغني فيها الواحدة عن الأخرى. حيث إنها في مجموعها وتكاملها تشكل بناء الشخصية الإسلامية فهي جميعًا غذاء العقيدة والتعبير الإيجابي عنها والعمل بها.
إن الإنسان مفطور على الخير ومدفوع بدوافعه، ومعرض كذلك لنوازع الشر وطريق الخير واحد وطرق الشر كثيرة، على رأس كل واحد منها شيطان يغري بها. ونزوع الإنسان إلى الشر قائم فلابد له من حراسة ويقظة وتزود بطاقات تغلب دوافع الخير على نوازع الشر، ولا يتأتى هذا إلا بالعبادات عامة وبصيام رمضان خاصة.
رمضان شهر القرآن:
يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ} [البقرة: 185].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"[1].
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله القرآن عن ذكري وسألني أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"[2].
رمضان شهر القيام:
روى النسائي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الله فرض صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"[3].
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"[4].
لم لا والصيام يؤدي إلى التقوى. لهذا نرى الصائم يدفعه تقواه دائماً إلى هجر مضجعه من أجل قيام الليل، وقراءة القرآن، وذكر الرحمن، إنها بعينها كل الصفات التي عددها الله لنا في كتابه الكريم.
روي عن لقمان الحكيم أنه قال: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
رمضان شهر الاستغفار:
يقول الله عز وجل: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18]، فالصائم لابد أن يقوم في جوف الليل ليتناول طعام سحوره حتى يستطيع أن يواصل صومه، وفي أثناء ذلك يذكر الله ويكبر ويستغفر وقت السحور.
رمضان شهر الفكر والتسبيح:
في رمضان يكاد يكون التسبيح والذكر في كل وقت في نهاره وليله فحين الفطور يذكر الصائم ربه ويحمده ويسبحه، كذلك حين السحور وعند أطراف النهار، وعقب كل صلاة نافلة أم ومكتوبة. وفي كل لحظة لأنه يتذكر فيها ربه وأنه عز وجل يراقبه فيبتعد عما يغضبه.
رمضان شهر التراويح:
إن صلاة التراويح في ليالي رمضان سنة مؤكدة حتى يشعر الصائم بعد فطوره أنه لا يزال متصلاً بالله وحتى يشعر الصائم أيضاً بتلك الراحة، إن الصائم يؤديها بعد صلاة العشاء فيصليها ركعتين ركعتين حتى يصل إلى تمامها ثم تختم بصلاة الوتر.
إن صلاة التروايح هي جزء من قيام الليل ويفضل صلاتها في جماعة المسجد لإمكان قراءة القرآن كله أو معظمه على مدار ليال رمضان.
رمضان شهر الاعتكاف:
إنَّ معنى الاعتكاف هو مكوث الصائم في المسجد للذكر والصلاة والتسبيح والتهجد والدعاء وقراءة القرآن والاستغفار دون أن ينشغل بأمور الدنيا حتى النساء قال الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"[5].
وما الاعتكاف إلا تهيئة للنفس والجسد، ليقبل المؤمن بعد ذلك على ربه راضيًا مرضيًّا، وحتى يطمئن في عبادته حتى يتوفر الإخلاص الكامل فيها، والتسليم لله رب العالمين.
رمضان فيه ليلة القدر:
قال الله تعالى: {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان: 3]، إنها ليلة تتنزل فيها الملائكة الكرام، فتتجمع حول قارئ القرآن ومن ثم تكون سلاما في سلام في ضياء، إنها في العشر الأواخر من رمضان، كما أخبرنا بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام حيث قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان"[6].
رمضان شهر الدعاء:
إن الدعاء هو العبادة يقول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم"[7].
وهناك العديد من عطايا الرحمن:
منها ما عجله الله في حياتنا الدنيا وهي تلك التى تعود على صحتنا، فتقوي أبداننا وتشفي أجسادنا من أمراضها، وبصيامنا تستريح جميع أجهزة أجسامنا من شر وعاء فيها ألا وهو هذه المعدة، كما يساعد الصيام في تحريك تلك المشاعر نحو الإخلاص في الطاعات حينما تصح الأبدان فتصفوا النفس.
وفي نهاية الصيام من كل عام يأتي بعده يوم الجائزة، حينما يقبل العيد علينا بانشراح فنهلل ونكبر ونحمد الله لا لأن رمضان قد أدبر عنا، بل لأن الله قد أعاننا على أداء الفريضة المكتوبة علينا، قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
والعطية الأخرى هي عطية الآخرة تلك العطية الكبرى. ويكفي أن الله هو الذي أخذ على نفسه عهدا بأنه سبحانه وتعالى هو الذي سيجازي به لأن هذه العبادة هي سر بين الله وعبده لا يستطيع أن يحس بها أو يقدرها أي إنسان آخر غيره ذلك لأنها فريضة لا يتحرك فيها أي عضو من الجسم أمام أحد من الخلق مثل باقي الفرائض الأخرى التي قد تظهر للناس ويرون فاعلها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"[8].
أسأل الله أن يتقبل من المسلمين صيامهم وقيامهم وأن يؤلف بين قلوبهم في هذا الشهر المبارك. وصلى لله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه البخاري.
[2] رواه الترمذي.
[3] رواه النسائي.
[4] رواه الشيخان.
[5] رواه البخاري ومسلم، والإمام أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي.
[6] رواه البخاري.
[7] رواه الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد.
[8] رواه البخاري.