الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإنَّ الحديث في الأسطر التالية سيكون حول بعض الملحوظات على بعض الصائمين؛ كي يتجنبوها ويحذروها؛ ليكون صومهم صحيحًا تامًّا مقبولاً، وليحصلوا على الفوائد المرجوَّة والبركات المتعددة من شهرهم الكريم.
فمن الملحوظات على بعض الصائمين:
تَبَرُّمُهُم من قدوم شهر رمضان، وتمنيِّهم سرعة انقضائه؛ فلا تراهم يفرحون بقدومه، ولا يخطر ببالهم فضائله وبركاته؛ بل يستقبلونه بتوجُّع وتحسُّر؛ فكأن الواحد منهم يمنُّ الله وعلى الناس بالصيام.
ومَنْ كانت هذه حاله؛ تراه سريع الغضب، كثير السَّخَط لأدنى سبب؛ فلا يتحمل أدنى كلام أو مفاوضة.
وهذا الصَّنيع معاكسٌ لحكمة الصيام، منافٍ لهَدْي السَّلف الكرام، فقد كانوا يفرحون بمقدِم رمضان؛ بل كانوا يصومون في غير رمضان أيامًا في الأسبوع، أو أيامًا في الشهر؛ يهذِّبون بها أنفسهم، ويتقرَّبون بها إلى ربِّهم، ويتدرَّبون على أعباء حمل الرِّسالة، وتحقيق الحياة الكريمة الطيِّبة.
فأين حال أولئك المتبرِّمين من الشهر من حال سلفنا الصَّالح، الذين طهَّروا مشارق الأرض ومغاربها منَ الشِّرك والظُّلم تطهيرًا، وعمَّروها بالإيمان والعدل تعميرًا؟!
فحريٌّ بالمسلم أن يستقبل شهر رمضان بكلِّ فرحٍ وشوْقٍ، وأن يعقد العزم على صيامه وقيامه وملئه بالأعمال الصالحة؛ فإن أدرك الشهر وأتمَّه؛ أُعين على فعل ما عزم به، وإن وافته المنيَّة؛ كُتِب له الأجر بالنِّية؛ {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ} [النساء: 100].
ومما يُلاحظ على بعض الصائمين أنهم يصومون عن تقليدٍ ومسايرةٍ؛ فلا يروْن في الصيام أكثر من هذا المعنى.
ولا ريب في خطأ هؤلاء، وقلَّة فقههم لمعنى الصيام؛ فواجبٌ عليهم أن يصوموا عن إيمانٍ واحتسابٍ، وتعظيمٍ لشعائر الله؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتَّفق عليه: ((مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه)).
ولهذا تَجِدِ الصائم عن إيمانٍ بالله وخشيةٍ وتعظيمٍ له، واحتسابٍ للأجر عنده - تجده راضيًا مرضيًّا، مطمئنَّ النَّفس، منشرح الصَّدر، مسرورًا بصيامه، شاكرًا لربِّه الذي فسح له في عمره حتى بلَّغه صيام هذا الشهر؛ فلا ترى من نفسه اضطرابًا، ولا في خُلُقه كَزازَة، ولا في صدره ضيقًا أو حرجًا؛ بل تجده من أوسع الناس أفقًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم رُوحًا، وأحسنهم خُلُقًا.
ومما يُلاحظ على بعض الصائمين:
قلة حرصهم على تطبيق السُّنة حال الإفطار؛ فتراهم لا يبالون بالبداءة بالرُّطب أو التَّمر أو الماء، فتراهم يؤثرون غيرها عليها مع وجودها أمامهم.
وهذا - وإن كان مجزئًا - مخالفٌ للسُّنة؛ فالسُّنة أن يفطِر الصائم على رُطَبٍ، أو تمرٍ، فإن لم يجد؛ حسا حَسَوَاتٍ من ماءٍ؛ كما جاء ذلك عند الإمام أحمد، وأبو داود، والتِّرْمذي.
هذا؛ وللبداءة بالرُّطب أو التَّمر والماء أثرٌ عجيبٌ، وبركاتٌ كثيرةٌ، وتأثيرٌ على القلوب وتزكيتها، يدرك ذلك المتَّبعون المقتدون الموفَّقون.
مع ما في ذلك من الفائدة الطبية الصحيَّة؛ حيث ذكر الأطباء أن الجسم يمتص المواد السُّكَّريَّة في مدة خمس دقائق؛ فتزول أعراض نقص السُّكَّر والماء؛ لأن سكَّر الدَّم ينخفض أثناء الصوم؛ فيؤدِّي إلى الشعور بالجوع، والتوتُّر أحيانًا، وسرعان ما يزول ذلك بتناول الرُّطب أو التَّمر.
ومما يُلاحظ على بعض الصائمين تأخير الفِطْر بلا عُذْرٍ، وهذا مخالفٌ للسُّنة؛ إذ السُّنة تعجيله، و((لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطور، وأخَّروا السحور))؛ كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتَّفق عليه.
فإذا أخَّر النَّاس الفِطر؛ كان ذلك دليلاً على زوال الخير عنهم؛ لأنهم تركوا السُّنَّة التي تعوَّد عليهم بالنَّفع الدِّيني، وهو المتابعة، والدُّنيوي الذي هو حفظ أجسامهم بالطعام والشَّراب الذي تَتُوق إليه أنفسهم.
ثم إنَّ أحبَّ عباد الله إليه أعجلهم فِطرًا؛ كما جاء في "صحيح ابن خزيمة"، و"سنن التِّرمذي".
ثم إنَّ تعجيل الفِطر تمييزٌ لوقت العبادة عن غيره؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا؛ فقد أفطر الصائم}؛ رواه البخاري ومسلم.
فذلك هو وقت الإفطار الذي لا ينبغي تأخيره عنه؛ بل يُعاب بذلك التأخير.
فعلى الصائم أن يستحضر هذا المعنى، وأن يبادر إلى الإفطار إذا تحقق غروب الشمس؛ ليحصل على فضيلة الاتباع، وليدرك صلاة المغرب مع الجماعة.
ومن الصائمين من يذهب إلى البيت الحرام طيلة الشهر، أو نصفه، أو أقلّ، ويدع أهله وأولاده بلا حسيبٍ ولا رقيبٍ؛ فيؤدِّي بذلك مندوبًا ويترك مفروضًا!!
ومنهم مَنْ يصطحب معه أهله وأولاده إلى البيت الحرام؛ فيعتكف في المسجد أيَّامًا، ويدع أهله وأولاده يتجوَّلون في الأسواق في مكَّة، متعرِّضين للفتنة، ومعرِّضين غيرهم لها، مضيِّعين للفرائض، غير مبالين بحرمة المكان والزَّمان، فأوْلَى لأولئك الأولياء ثم أوْلَى أن يرعوا مَنْ تحت أيديهم، ولو أدَّى بهم ذلك إلى ترك العمرة والاعتكاف.
ومنَ الملحوظات على بعض الصائمين:
أنهم يغفلون تدريب أولادهم على الصيام؛ بل ربما منعوهم وهم قادرون؛ بل ربما منعوا البنت بحجَّة أنها صغيرةٌ بعدُ، ولم تبلغ بعدُ، مع أنها ربما تكون قد بَلَغَت؛ فعلامات البلوغ كثيرة، وليست مقتصرةً على السنِّ فحسب.
ومن أخطاء بعض الصائمين:
تفويته صلاة العشاء؛ لأجل إدراك الصلاة مع قارئٍ جيِّدٍ، والأوْلَى لهذا أن يبكِّر بالمجيء، وإذا خشيَ فوات صلاة العشاء؛ فليصلِّيها في أقرب مسجدٍ؛ فهي أوجب وأفرض من صلاة التَّراويح؛ بل إن صلاة التَّراويح نافلةٌ في حقِّه.
ومما يلاحظ على بعض الصائمات:
أنها تخرج إلى المسجد لأداء صلاة العشاء متعطِّرةً متجمِّلةً، مُبدِيَةً بعض زينتها؛ فتكون بذلك عُرْضَةً لفتنة المسلمين في أشرف البقاع، وأشرف الأزمنة.
فواجبٌ على المسلمة إذا أرادت الخروج إلى المسجد أن تخرج تَفِلَةً، بعيدةً عن الزِّينة والفتنة.
ومما يلاحظ على بعض المسلمات في هذا الشهر الكريم:
أن الواحدة منهنَّ تذهب إلى المسجد لأداء صلاة التَّراويح، وربما أتى بعضهنَّ والإمام يصلِّي العشاء أو التَّراويح، فلا تدخل معه؛ بل تنفرد وحدها، وتأتي بتحيَّة المسجد!
وربما أتى بعضهنَّ والإمام يصلِّي التراويح، وهي لم تصلِّ العشاء؛ فتدخل معه، وتكملِ الصلاة، وتنصرف دون أن تؤدِّي صلاة العشاء!!
كل هذه الأمور جهلٌ وخطأ؛ فعلى المرأة إذا دخلت والإمام يصلِّي وقد فاتها شيء من الصلاة - أن تدخل مع الإمام، وبعد أن يسلِّم تقوم هي وتأتي بما فاتها.
وإذا دخلت المسجد والصلاة مقامة أو تقام؛ فعليها أن تدخل في الصلاة، ولا يجوز لها أن تشرع في أداء تحية المسجد؛ لأنه إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.
أما إذا حضرت والصلاة لم تَقُمْ بعد؛ فلا تجلس حتى تؤدِّي ركعتَيْن تحيَّة المسجد.
وإذا دخلت والإمام قد شرع في صلاة التَّراويح وهي لم تصلِّ العشاء؛ فلتدخل معه بنيَّة صلاة العشاء، فإذا سلَّم قامت وأتت بباقي الرَّكعات.
ومما يُلْحظ على بعض النِّسْوَة - أيضًا -:
أنهنَّ يُكْثِرْنَ الكلام داخل المسجد، وربما رفعنَ الأصوات، وآذيْنَ مَنْ بجوارهنَّ وأشغلنهنَّ عن الذِّكر، أو الدعاء، أو قراءة القرآن، أو سماع المواعظ.
فعلى المرأة إذا حضرت إلى المسجد أن تلزم الأدب والسَّكينة والحياء، وأن تَشْغَل نفسها بما ينفعها.
هذا ما تيسَّر من الملحوظات في هذه الورقات، فنسأل الله أن يبصِّرنا بعيوبنا، وأن يعيننا على تلافيها، والخلاص منها؛ إنه جوادٌ كريمٌ.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.