أخي الصائم:
إن مما يثير النَّظَر حقًّا في قيادة السيارة في شهر رمضان المبارك أمران:
أولهما: السرعة الخاطفة، التي قد تصل حدَّ التهوُّر، والانفعال الشديد، قبل أذان المغرب, في الوقت الذي يكون الإنسان وصل حدَّ الإجهاد وقلَّة التركيز, مما كان يستدعي منه التأنِّي؛ لتفادي مفاجآت الطريق؛ بل وأخطاء الآخرين، الذين يعيشون النفسيَّة نفسها.
والأمر الثَّاني: كثرة الحوادث المرورية القاتلة منذ بداية الإجازة الرمضانية إلى نهايتها بعد عيد الفطر المبارك؛ نظرًا لكثرة السَّفر خلال هذه الأيام بين الأهالي في المدن, أو إلى الأماكن المقدَّسة؛ لأداء العمرة، وزيارة مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم.
ففي كل عام تذبح آلام الحوادث طيورَ أفراح العيد عند جمهرةٍ منَ الناس, وينتقل الناس بين البيوتات، في عبارات مزدوجة، متناقضة العواطف؛ فتباريك العيد تجاور عبارات العزاء, فلماذا كلُّ هذا؟!!
إننا صائمون طاعةً لله تعالى؛ فلماذا لا نمشي كما يحب الله تعالى؟! أيمكن أن يحدث ذلك؟
نعـم، إننا متعبِّدون بكلِّ خَطَرات نفوسنا وحركات جوارحنا، وهذا كتاب الله ينطِق بيننا: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}[الفرقان: 63].
إنه هَدْيٌ قرآنيٌّ، ومديحٌ إلهيٌّ لفئةٍ منَ الناس، تمشي بسكينةٍ ووقارٍ وتواضعٍ؛ فلا كِبْرَ ولا خُيَلاء في مِشيتهم, ولا تعالي ولا افتخار بملبسٍ أو مَرْكَب, ممتثلين قوله تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء: 37], كما أنهم يتحمَّلون أذى غيرهم، ويلينون في معاملتهم مع الناس، وإذا خاطبهم الحمقى بما يسوؤهم؛ ردُّوا عليهم بسلامٍ بعيدٍ عن الجهل.
وإذا كانت السيارة اليوم من أَجَلِّ النِّعَم؛ فإنَّ علينا شكر الله عليها؛ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: 7]، ومِن شُكْرِه عمليًّا: تسخيرها فيما ينفع، وقيادتها بتعقُّلٍ وهدوءٍ وذوقٍ.
إنَّ مخالفة هذا الهَدْي عند بعض المتهوِّرين نتجت عنه حوادث مروِّعة، وخسائر هائل، أثرت سلبًا على الإنسان والاقتصاد، وعلى الحياة الاجتماعية ونمائها؛ فإن معظم المتضرِّرين من حوادث المرور من الفئة العمريَّة المنتجة، ومن المتزوِّجين، ومن المتعلِّمين، كل ذلك بسبب غياب الوعي عن فئةٍ من المجتمع، نسأل الله تعالى لهم الهداية.
لقد اعتاد كثيرٌ منَ الناس أن يسمِّي مثل ذلك مجرد حادث سير! وربما علَّق أحدهم محوقلاً مسترجِعًا: إيه .. قضاءٌ وقَدَرٌ!!
نعـم، كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقَدَرٍ, ولكنَّ الأمور بأسبابها:
- فالذي يتعدَّى السرعة القانونية المحدَّدة من الجهات المختصَّة - يكون آثمًا، شبيهًا بالقاتل المتعمِّد، لنفسه أو لغيره، ولو كان مسافرًا لأداء العمرة.
- والذي يُهْمِل أسباب النجاة في سيارته؛ كتغيير العجلات المستهلَكة، أو الفرامل الهزيلة - يكون مخطئًا في حقِّ نفسه، وفي حقِّ البشريَّة من حوله.
- والذي يقطع إشارة المرور دون سببٍ شرعيٍّ كافٍ – ولو كان للإفطار، أو إدراك صلاةٍ - يكون عاصياً لله تعالى، قبل أن يكون مخالفًا لأنظمة المرور؛ لأنه خالف وَلِيَّ الأمر، أو مَنْ وكَّلهم بذلك، والالتزام بالأنظمة عبادةٌ خفيَّةٌ، أجرها مدخورٌ عند الله، كما أن المتهاون بها عمدًا آثِمٌ ولا شك؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59].
أخي الصائم:
الرحمن الرحيم ينادينا، فيقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، فلماذا نتناسى نداء الله حينما نمتطي هذه النعمة التي حولها بعضنا إلى نقمة؟!
إذا هانت على المستهتِرين أرواحهم؛ فإن الآخرين لا تهون عليه أرواحهم.