كان يعمل في إحدى الجهات المشبوهة، في وظيفة مرموقة، وبراتبٍ يتجاوز العشرة آلاف ريال، وفي يومٍ من الأيام أصابته صحوة ضمير؛ فاتصل بأحد العلماء الأجلاء؛ يسأله عن عمله ذلك: أحلالٌ هو أم حرامٌ؟ فأجابه الشيخ بأن عمله المذكور حرامٌ، وأن عليه أن يتركه، ويبحث عن عملٍ آخر.
لم يتردَّد في ترك العمل الحرام، والبحث عن عملٍ آخر حلال، ولو براتبٍ أقلّ. فالمطلوب: أن يأكل حلالاً، ويُطعِم أولادَه الحلال، ووجد عملاً.
كان ذلك في شهر رمضان المبارك، ومضى شوَّال وذو القعدة، وفي غرَّة شهر ذي الحجة - عزم على الحج، ومضى ... وفي الميقات خلع ثيابه ولبس ملابس الإحرام، وانطلق ملبِّيًا مع ضيوف الرحمن الذين جاؤوا من كل فجٍّ عميق؛ ليشهدوا منافعَ لهم، ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ.
وفي عرفات - وما أدارك ما عرفات - يوم يباهي الله بعباده ملائكتَه - وقف هذا الرجل تحت أشعة الشمس الحارقة يسقي الحُجَّاج بيده ماءً باردًا سبيلاً سلسبيلاً؛ يبتغي بذلك الأجر والثواب من الله الكريم المنَّان، وبينا هو كذلك؛ إذ فاضت روحه على ذلك الصعيد الطيِّب؛ صعيد عرفات!
لقد شاء الله - عزَّ وجلَّ - أن يختاره في ذلك اليوم الكريم، وفي هذه المناسبة العظيمة؛ ليُبعث يوم القيامة ملبِّيًا كما جاء في الحديث. يده التي كان يكتب بها الحرام - تحولت إلى يدٍ طاهرةٍ كريمةٍ، تحمل الماء العذب الرَّقراق لأكرم الضيوف، وفي أطهر البقاع.
إنه فضل الله، يؤتيه مَنْ يشاء، ويَمُنُّ به على منِ اختار طريق الخير بديلاً لطريق الشرّ، مهما كلَّفه ذلك من التَّضحيات، فيا لها من خاتمةٍ حسنةٍ.
جاء في الأثر: ((مَنْ ترك شيئاً لله؛ عوَّضه الله خيرًا منه)).