هذه قصة توبة صديق لي.. يقول: ابتُليت في سنوات مراهقتي بأصحاب سوء عرّفوني على الخمرة. ورغم معرفتي بحرمتها، إلاّ أنّني أدمنتها حتّى أصبحتْ قيداً. وتزوجتُ ورُزقتُ أولاداً، وأصبحت جَدّاً، ولم أستطع الإقلاع عن هذه العادة الّتي أتلفت أعصابي ومالي، و''وضعتْ رأسي في التراب'' أمام الجميع. وإزاء حاجتي الشّديدة للخمرة، لم أتورّع عن بيع مصاغ زوجتي وحرمتها من مصروف البيت، وصرتُ أتسوّل أولادي من أجل قنينة خمر. وعندما أصبحتُ عاطلاً عن العمل، اسودّت الدنيا في وجهي، ليس لأنّني لن أستطيع الإنفاق على عائلتي، بل لأنّني لن أقدر على إشباع حاجتي من الخمر، حتّى وصل بي الأمر إلى السرقة من بيوت معارفي وأصدقائي، وكانت الطامّة الكبرى عندما ضبطني أحد أنسابي بالجُرم المشهود. يومها، تمنيتُ لو تنشقّ الأرض وتبتلعني، حتّى أنّني توسلتُ إليه وركعتُ عند قدميْه رجاء أنْ لا يفضحني. وقد تركتْ هذه الحادثة أثرها في نفسي، إذ كيف أخجل منه ولا أخجل من ربّ العالمين؟!
من يومها بدأ صراعي العنيف مع الشّيطان ونفسي، وكنتُ أفشل في كلّ مرّة، إلى أنْ أتَى شهر رمضان.. أذكر أنّني اغتسلتُ مساءً وقلتُ لزوجتي: ''إن شاء الله تعالى سأصوم غدا''. لم تقل زوجتي شيئاً، إلاّ أنّ دهشة عظيمة تملّكتها، لاسيما أنّها تعرف أنّني لم أصُم يوماً واحداً في حياتي لشدّة تعلُّقي بالخمرة. أذكر أيضاً أنّني في اليوم الأوّل من هذا الشهر المبارك ذهبتُ إلى المسجد لأداء صلاة العشاء جماعة، ومن بعدها صلاة التّراويح، وقد كان في نفسي بالإضافة إلى الخوف شوق كبير إلى الله تعالى، فما إن سمعتُ آيات كتابه، حتّى أحسَسْتُ أنّها موجَّهة إليَّ، وعندها عرفتُ معنى العبودية لله تعالى. شعرتُ كم أنا ضعيفٌ أمامه، وبدأتُ أدعوه في الركوع والسّجود أنْ يتوب عليَّ من هذه العادة الّتي أوردتني المهالك، وأرجوه أن يغفر لي وأنْ يُحسن عاقبتي، وصرتُ أبكي بحُرقة إلى درجة أنّه كاد أنْ يُغمَى عليَّ من شدّة التأثّر. وبالفعل، عدتُ إلى البيت يرافقني إحساسٌ بأنّني وُلدتُ من جديد بعد أن غسلني الله تعالى من الذنوب، وقد مضى على هذه التوبة أكثر من سبع سنوات. أسأل الله تعالى الثبات.
نصر الدين معروف