هذه خطرات وخطوات كتبتها في اعتكاف العام الماضي أحببت أن أفيد بها نفسي وإخواني .. وهي مجرد تقييد لبعض ما انقدح في الخاطر في تلك الأيام الجميلة .
1. اشحن نفسك قبل الاعتكاف بأيام .. استعد له جيدا .. استمع إلى أشرطة تزيد في إيمانك وترفع همتك .. تفقه في أحكامه .. اقض كل أعمالك قبله بوقت كاف .. حتى تحضر إليه وتدخل للمعتكف وأنت صافي الذهن ليس في خلدك إلا الإقبال على عبادة ربك والخلوة والتضرع إلى الله ومناجاته.
ولاتكن مثل من حمل معه إلى المعتكف شيئا من أعمال الدنيا لينهيها أو يتابعها هناك !
أو مثل بعض المخذولين ممن يدخل للمعتكف ولازال لم ينته من أعمال العيد بعد ، حتى إذا قربت نهاية الاعتكاف وبقيت الليالي الآكد لتحري لليلة القدر خرج ليفصل ثوب العيد !
2. قبل أن تدخل الاعتكاف حدد هدفك ، هناك أهداف عامة للمعتكفين كالتفرغ للعبادة والخلوة وتربية النفس على العبادة والازدياد من الأجور وغير ذلك .
وهناك أهداف خاصة ينبغي أن تكون في ذهن المعتكف حاضرة من أول رمضان بل قبل ذلك إن تيسر ..
ومن ذلك أن يحدد الإنسان ذنوبا يعاني منها ومبتلى بها ليتضرع إلى الله في طلب التخلص منها ، وليضع خطوات عملية في تركها .
وكذلك أي يكون للإنسان هدف في المراجعة أو الحفظ أو انجاز عمل معين ، على أن لا يصرف ذلك عن المقصود الأسمى من الاعتكاف وهو التفرغ والخلوة والتضرع والانكسار بين يدي الله عز وجل .
3. لا تدخل الاعتكاف وتخرج منه ولم يتغير عندك شيء فإن كنت كذلك فهذا هو الخسران المبين ، إذ لابد من زيادة في الإيمان وإخبات وحسن خلق وتوبة وإنابة .
4. كل ساعة من ساعات اليوم بل كل دقيقة محسوبة لك أو عليك ، وذاهبة فإما في خير تملأها فيه وإما سبهللا.
5. اهتم بنظر الخالق إليك ، ولا تهتم أبدا بنظر الخلق إليك ، فلو نظرت إلى الخلق وجعلتهم في حسبانك تعبت ولم تستطع إرضائهم أبدا .
وإن جعلت نظرك خالصا للخلق سبحانه ، رضي الله عنك وأرضى عنك الناس !
6. كن مخبتا متخشعا متذللا ، اهتم بنفسك ، بعبادتك وصلاتك فحسنها وأصلحها ، بعيوبك فعالجها وانشغل بها عن عيوب الناس ، ولا تنشغل بعيوب الناس عن عيوبك .
7. لا تكثر النظر هنا وهناك في الغادي والرائح وتقول لو أن فلانا فعل كذا أو لو أن فلانا ترك كذا ، بل حسبك نفسك وليسعك معتكفك وابك على خطيئتك ، إلا إذا رأيت مخالفة أو شيئا تريد التنبيه عليه أو كنت مربيا أو إماما فبادر .. والضابط : كل شيء يقربك من ربك فافعله .
8. كل خصلة من خصال الخير تقدر عليها ولا محذور فيها ينافي الاعتكاف فافعلها ..
• إحضارك للمساويك من البداية ليطبق الآخرون السنة في السواك عن طريقك خير عظيم .
• جلبك للتمر لتفطر الصائمين فيه يوميا خير عظيم .
• إيقاظك للآخرين وحرصك عليهم بما لا يشوش عليك وعليهم خير عظيم .
• طرحك للفوائد العلمية أو الإيمانية في أثناء وجبات الطعام خير عظيم .
• حرصك على الذكر آناء الليل وآناء النهار وفي كل وقت خير عظيم .
• كلمة تقولها لأحد إخوانك ـ لا تطيل فيها ـ وترفع فيها همته خير عظيم .
9. في الاعتكاف ينبغي أن تحرص على أن لا تتحدث في أمور الدنيا أبدا ، ولذا اجتنب محادثة الناس قدر الإمكان .. انصرف بعد الصلاة مباشرة إلى معتكفك ، لا تعط الآخرين فرصة لأن يضيعوا وقتك فيما لا فائدة منه .
10. أوقات ضائعة ، ودقائق ثمينة ، قد تفوت على بعض المعتكفين وهو لا يشعر .. تلك هي أوقات الانتقال من مكان إلى مكان في المسجد أو وقت الإفطار ..أو وقت الذهاب لدورات المياه والرجوع منها .. هذه الأوقات ومثلها معها..لا تفوت عليك بل استغل كل ثانية بالذكر والاستغفار.
11. ليكن شعارك في الاعتكاف ـ خاصة في الأوقات التي تجتمع فيها مع إخوانك ـ ( قل خيرا أو اصمت ) .. إن لم تجد خيرا تقوله فالصمت أولى بل ربما يكون أحيانا أولى وأفضل من بعض الخير ، وفيه تربية للنفس لا تخفى ، احرص على أن تكون صامتا طوال اليوم إلا من ذكر الله وما والاه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بكلام لو عده العاد لأحصاه ، هذا في أيامه العادية فكيف في الاعتكاف ؟
12. الاعتكاف فرصة للنفس للتقلل من الطعام ، بل هو فرصة للتعود على الزهد .. ما رأيك لو جعلت لنفسك يوما أو يومان أو ثلاثة لا تأكل فيها شيئا مما مسته النار ، بل هما الأسودان ، التمر والماء ؟
إنك لو عزمت على نفسك وحزمت أمرك لاستطعت ذلك طوال العشر ، ولم لا، فقدوتك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم (كان يمر عليه الهلال تلو الهلال تلو الهلال ، ثلاثة أهلة في شهرين ولا يوقد في أبياته صلى الله عليه وسلم نار .. ما طعامكم قالت : الأسودان التمر والماء )
إن في التقليل من الطعام .. ترقيق للقلب ، وإغزار للدمعة ، ونشاط في العبادة ، وخفة في النوم ، ومن جرب عرف .
13. اتخذ لنفسك في المسجد مكانا قصيا .. واجعل له مكانة وحرمة عند الآخرين ، كيلا يدخلوا عليك في أي وقت فيفسدوا عليك عبادتك وخلوتك بربك .
14. نوع في العبادة ، لا تمنع نفسك من أي عبادة ترغبها ، والوقت يناسبها ، ولا تجبر نفسك على الانتقال من عبادة أنت فيها إلى عبادة أخرى لم تقبل النفس عليها بعد .
إذا كنت تقرأ القرآن مثلا وحضرت لديك فترة تدبر وتفكر .. فتوقف عن القراءة وعش في أرجاء ما تتفكر فيه .. إن كنت تقرأ عن الجنة فعش في نعيمها وتقلب فيه ، واطعم من ثمارها وانقل نفسك في جميع أوصافها التي ذكرها الله أو ذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم تأمل كثيرا ما الذي يوصلك إليها .
وإن كنت تقرأ عن النار .. فتوقف كذلك .. وعش في عذاب النار ومثل نفسك يقلب وجهك فيها وتسحب على وجهك وتجر من قدمك وتأكل من زقومها وتشرب من حميمها ، وترجو الخروج منها أو التخفيف ولو يوما واحدا ، ثم تأمل ما الذي ينجيك منها .
عش بين الرجاء والخوف .
أو إن كنت تقرأ في الحساب العسير وعن ظهور الذنوب التي لم تحتسب وعن شهادة الأعضاء فعش معها كذلك .. وتذكر ذنوبك واحدا واحدا ـ إن استطعت أن تعدها ـ .
ثم اعزم على التوبة ولا تتردد !!
وأيم الله ، لو ذهبت ليلتك كلها في مثل هذا لم يكن كثيرا !! بل هو خير ـ وربي ـ من قراءة القرآن هذا كهذ الشعر ،لا نقف عند شيء منه ولا يتحرك شيء منا .. ولا يزداد إيماننا .
والرسول صلى الله عليه وسلم قد أمضى ليلة كاملة في ترداد قوله تعالى ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )
وأبو حنيفة رحمه الله أمضى ليلة كاملة في قراءة سورة الزلزلة والتفكر فيها حتى أصبح .
وإن رأيت نفسك مقبلة على الصلاة فأقبل عليها وإن رأيتها مقبلة على الذكر والتفكر فيه فلا تردها ، وهكذا .. اجعلها تتقلب في أعمال الخير .. ومن خير إلى خير .. لكن انتبه لا يذهب وقتك في الهواجيس ، فالهواجيس أصحابها مفاليس كما قال ابن القيم رحمه الله .
15. تعرف على أسرار الاعتكاف ، واكتشف كل يوم سرا جديدا ، فله أسرار عظيمة ، لئن وجدتها لتشعرن بما قاله السلفي قبلك \" إنه ليمر علي أوقات يرقص فيها القلب طربا \"
وأقول \" إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه ،إنهم لفي عيش طيب \"
- تعرف على أكثر على عظمة الله جل وعلا .. وتفكر في آلائه واعرف \" وماقدروا الله حق قدره \"
16. الاعتكاف خلوة .. الاعتكاف انقطاع عن الدنيا .. وعن محادثة الناس ..
ومن هنا ..
لتعلم أن الجوال عدو الاعتكاف الأول ، فهو والله مصيبة من المصائب يوم يصرفك عن طاعة الله ، أو يشغل ذهنك في شيء من زينة الحياة الدنيا .. أو يقطع سياحتك في العالم العلوي .. أو يفسد عليك لذة خلوة ومناجاة لو جمعت الدنيا كلها لتحصل عليها ما استطعت !
وهو الله مصيبة ، ومصيبة أعظم في حق المعتكف ، أن ترى الواحد من الناس قد نشر كتاب الله بين يديه ، يتلوه ويقرأه ،أو رفع يديه متضرعا بين يدي الله سبحانه وقد وضع الجوال بجانبه .. يرد على أي اتصال ويقرأ كل رسالة واردة وصادرة ، ويزعم أنه لا يستطيع الاستغناء عن الجوال .
ولو سألته .. أين أنت قبل عشر سنين أو تزيد يوم لم تكن جوالات ؟
هل تغير شيء ؟
ولذا .. الحل السهل الممتنع عند كثير من الناس هو الإقفال التام ، وعدم فتحه إلا لبر والدين ، أو قضاء ضرورة ملحة .
لكن أين من يستطيع ؟؟
17. في العشر الأواخر من رمضان .. تعظم الأجور وتضاعف الحسنات ، ولذا فمن المهم أن يحرص الإنسان على أن لا تفوته أي سنة يستطيع تطبيقها .
ومن ذلك :
• التبكير إلى الصف الأول .
• التواجد قبل الأذان في الصف ليتحقق انتظار الصلاة .
• احتساب الرباط بين الصلوات .
• الدنو من الإمام .
• الحرص على ميامن الصفوف .
• الحرص على الركعتين بعد كل وضوء .
• البقاء على طهارة ووضوء دائمين .
• الحرص على السواك خصوصا في مواطن الاستحباب كقبل الوضوء وقبل الصلاة وبعد النوم وغير ذلك .
• التبسم للمسلمين ومصافحتهم .
• المساعدة في تنظيف المسجد على أن لا يشغل عن المقصود الأسمى وهو التفرغ والخلوة .
وأخيرا .. هي مقترحات ومن شاء زاد وبدل وغير .. وما أجمل أن نجمعها كلها في ( الصدق مع الله في الاعتكاف ) !!
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ..
17 خطوة لاعتكاف ناجح !!
أبو الخير