قال السيد فريعن عبد الله، البالغ من العمر خمسة وستين سنة، وهو من سكان بلدية بوهمدان التي شهدت موقعة ''مرمورة'' الشّهيرة الّتي سقطت فيها طائرة ''جون بيار'': ''حفظتُ خمسا وأربعين حزباً من القرآن الكريم بين سنتي 1954 و1955 أسفل شجرة زيتون في الهواء الطلق وطائرات المستعمر الفرنسي تحوم فوق رؤوسنا''.
التقت ''الخبر'' السيد فريعن بالمدرسة القرآنية التابعة لمسجد الإمام مالك بمدينة فالمة، أول أمس، خلال إجراء المسابقة الولائية لحفظ القرآن والأحاديث النّبويّة من تنظيم مديرية الشؤون الدينية، حيث شارك إلى جانب قرابة ثلاثمائة مرشح من خمس فئات، يتمايزون بين حفظة خمس أحزاب إلى الستين حزباً، ومن مختلف المستويات العمرية.
بعد تجربة خضتها لمرّات متتالية، ماذا تعني لك المشاركة في مسابقة القرآن الكريم؟
تعتبر مشاركتي الخامسة من نوعها. ورغم فشلي في المرّات السّابقة، إلاّ أنّني أصرّ على مواصلة المشاركة حتّى أقوم بمراجعة ما حفظته، حقيقة أنّني كنتُ أشارك بخمسة وأربعين حزباً من قبل، واقتصرت مشاركتي لهذا العام بثلاثين، كوني أجد صعوبة كبيرة في الحفظ خلافا لما كنتُ عليه في السابق، حيث كنتُ أقوم بمحي اللّوحة مرّتين في اليوم الواحد لسرعة الحفظ، ومع ذلك أحاول في كلّ سنة أن أؤكّد مشاركتي حتّى لا أنسى ما حفظته، وهذا ما يبيّن أنّ الفشل ليس دائماً سيئاً، لكنّه في هكذا حالة يعتبر أفضل طريق للبقاء مرتبطاً بكتاب الله.
هل يمكن أن تقدم وصفا لظروف حفظك للقرآن خلال فترة الثورة التحريرية؟
بدأتُ حفظ القرآن في سن التاسعة بمسقط رأسي ببلدية بوهمدان بفالمة، وتزامن ذلك وثورة التحرير، كانت ظروفاً قاهرة غير أنّ أهالينا أصرّوا على تلقيننا تعاليم الدّين، فالتحقتُ بالصف الّذي كان يشرف عليه عمّي سي مسعود فريعن رفقة عدد من أبناء الدوّار، كنّا ندرس وعصا الشيخ مسلّطة على رؤوسنا. والأمر الأصعب أنّه لم تكن لدينا مدرسة نجتمع فيها لتدارس كتاب الله، حيث كنا نجتمع أسفل شجرة زيتون في الهواء الطلق وكانت هذه مدرستنا، وكانت طائرات المستعمر الفرنسي تحوم فوق رؤوسنا. وحين يشعر الشيخ بالخطر يتربّص بنا، يقوم بتفريق جمعنا مثنى مثنى حتّى لا ينكشف أمرنا، كما لم تكن لدينا أدوات كما هو الحال اليوم، حيث كلّ ما نحتاج إليه للكتابة ما يُعرف بـ''الصمغ''، وهو عبارة عن صوف تضاف إليها بعض المواد، ونكتب على لوح ونمحي ما نكتبه بالصلصال، هذه عدّتنا للدراسة، ولم ألتحق بالمدرسة النظامية طول حياتي.