المقدمـة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد :
فإن العيد مناسبة سعيدة ترفرف معها القلوب في حدائق البهجة والسرور ، فهو رمز الفرح والحبور ، ويحلو فيه مالا يحلو في غيره من بس النفس وترويح البدن ، ولكلِّ أُمَّة أعيادها الخاصَّة بها ، وليس في الإسلام أعياد سوى عيد الأسبوع – يوم الجمعة - ؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين ، فمن جاء الجمعة فليغتسل وإن كان طيب فليمسّ منه ، وعليكم بالسواك )) [ أخرجه ابن ماجه وحسَّنه الألباني ] ، وعيدين في السُّنة – الفطر والأضحى – عن أنس رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : (( ما هذان اليومان ؟ )) قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما ، يم الأضحى ويوم الفطر )) [ أخرجه أبو داود وصحَّحه الألباني ] .
فلا يجوز للمسلمين البتَّة التشبُّه بغيرهم من أهل المِلَل الأخرى بالاحتفال أو المشاركة أو التهنيئة في أعيادهم والتي منها على سبيل المثال لا الحصر : عيد رأس السنة ، عيد الكريسمس ، عيد النيروز ، عيد الحب ، عيد الأم ، عيد الميلاد ، عيد الزواج ... إلخ ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( مَن تشبَّه بقوم فهو منهم )) [ أخرجه أبو داود وصحَّحه الألباني ] .
ولمَّا كانت حياة المسلمين كلها بأفراحها وأتراحها ينبغي أن تكون لله عز وجل وتُحقِّق دوماً معاني العبودية الخالصة له جلَّ وعلا في كل حال وزمان ومكان ، فإنه يتأتَّى عليهم في أعيادهم أن يستنيروا بِمشكاة السُّنَّة ؛ لينالوا رضا الباري جلَّ وعلا .
وفي هذه الرسالة القصيرة يطيب لي أخي المسلم ... أختي المسلمة أن أذكرك بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في الاحتفال بأعياد الأُمَّة .
فإن سددت فمن توفيق الله عز وجل وحده دون سواه لا أُحصي ثناءً عليه ، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان . وأسأله جلَّ وعلا العفو والغُفران ، كما أسأله تبارك وتعالى أن يجعلها علماً نافعاً وعملاً صالحاً مستمرًّا ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه .
وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
من سُنن العيد
1- التجمُّل والتزيُّن :
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم التجمُّل والتزيُّن في العيد .
روى الفريابي في أحكام العيدين أثراً بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يغتسل ويتطيَّب يوم الفِطر
وفي الحديث عنه رضي الله عنهما أنه قال : أخذ عمر جبة من استبرق تُباع في السوق ، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ابتع هذه تجمَّل بها للعيد والوفود ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما هذه لباس من لا خلاق له )) ، فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث ، ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج فأقبل بها عمر ، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنك قلت إنما هذه لباس من لا خلاق له ، وأرسلت إليَّ بهذه الجبة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تبيعها أو تصيب بها خاصتك )) [ أخرجه البخاري ] .
وجه الاستدلال بالحديث : إقراره صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه على أصل التجمُّل في العيد ، وإنما زجره صلى الله عليه وسلم عن الجبة – وهي ضرب من الثياب المقطعة – لكونها كانت حريراً كما أشار إلى ذلك ابن حجر رحمه الله في فتح الباري .
فيفهم من ذلك أن ضابط التجمُّل التزام ما أباحه الله عز وجل من الزينة ، أما ما حرَّمه الله تعالى من اللباس وغيره فلا يجوز التجمُّل والتزيُّن به في العيد وغيره .
ومن المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الناس في هذا الباب على سبيل المثال :
* صبغ الشعر باللون الأسود : وهو مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال عليه الصلاة والسلام : (( غيِّروا الشيب ولا تقرِّبوه السواد )) [ أخرجه أبو داود وصحَّحه الألباني ] .
والمشروع في ذلك استخدام الحِناَّء أو أي مادة مباحة تصبغ الشعر بغير السواد .
* حلق أو تهذيب اللحية – للرجال - . وهذه مخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بوجوب إعفائها ، قال صلى الله عليه وسلم : (( أعفوا اللحى ، وجزوا الشوارب ، وغيِّروا شيبكم ولا تشبهوا باليهود والنصارى )) [ أخرجه أحمد وصحَّحه الألباني ] .
ومما ذُكِرَ في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كثير اللحية . [ جزء من حديث أخرجه مسلم ] .
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
* إسبال الثياب إلى أسفل الكعبين – للرجال-: وهي مخالفة صريحة لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إزرة المؤمن إلى نصف الساق، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جرَّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه )) [ أخرجه أحمد وغيره وصحَّحه الألباني ] .
* نتف الحواجب وتهذيبها – للنساء : - وهي معصية تستوجب الطرد والإبعاد من رحمة الله – والعياذ بالله – قال صلى الله عليه وسلم : (( لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات ، والمتفلجات للحُسن المغيِّرات خلق الله )) [ متفق عليه ] .
والتنمص يشمل إزالة وتخفيف الحواجب إذا كانت عريضة وإن كان بدافع التزيُّن للزوج ؛ لما في ذلك من تغيير خلق الله .
[ للاستزادة : راجع فتوى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين في (( فتاوى المرأة المسلمة )) ( 2/537 ) ].
* لبس النساء ثياباً تخل بالاحتشام : كالثياب الخفيفة أو القصيرة أو الضيِّقة أو المفتوحة ، ولبس البنطال الذي يصف مفاتن المرأة . كل ذلك من المخالفات الشرعية، وإن كان بحضرة النساء أو المحارم ؛ وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم :(( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) [ أخرجه مسلم ] .
وقد فُسِّر قوله : (( كاسيات عاريات )) بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة ، وفُسِّر بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة ، وفُسِّرت بأن يلبسن ملابس ضيِّقة فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة .
وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيِّقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو الزوج ، فإن ليس بين الزوج وزوجته عورة ، وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها ، والضيِّق لا يجوز لا عند المحارم ولا عند النساء إذا كان ضيقاً شديداًَ يبيِّن مفاتن المرأة .
[ انظر فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في (( فتاوى المرأة المسلمة )) ( 1/417) ]
2- الأكل قبل صلاة العيد :
من السُّنة استفتاح يوم العيد بأكل بضع تمرات قبل الذهاب لصلاة العيد .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ، وقال : ويأكلهن وتراً )) [ أخرجه البخاري ] .
وذلك في عيد الفطر دون عيد الأضحى .
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يُصلِّي )) [ أخرجه الترمذي وصحَّحه الألباني ] .
ولعلَّ الحكمة من الأكل قبل الصلاة في عيد الفطر – كما ورد في فتح الباري – أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد ، بينما الحكمة من تأخير الأكل في عيد الأضحى حتى الفراغ من الصلاة أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها ، فشرع للمسلم أن يكون فطره على شيء منها ، والله تعالى أعلم بالصواب .
3- خروج النساء والحُيَّض للمصلى :
من السُّنَّة أن تخرج المرأة إلى صلاة العيد لِتَشْهَد عن كثب هذه الشعيرة وإن كانت حائضاً .
عن أُم عطية رضي الله عنها قالت : (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحُيَّض وذوات الخدور ، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين . قلت : يا رسول الله ، إحدانا لا يكون لها جلباب ، قال : لتلبسها أختها من جلبابها )) [ أخرجه مسلم ] .
( والعواتق : جمع عاتق وهي الشابة أول ما تدرك ، كما في (( النهاية في غريب الحديث والأثر )) لابن الأثير ) .
وعنها رضي الله عنها قالت : (( كُنَّا نؤمر بالخروج في العيدين والمُخبأة والبكر ، قالت : الحيض يخرجن فيكنّ خلف الناس يكبرن مع الناس )) [ أخرج مسلم ] .
ويلزم المرأة عند خروجها أن تستر وجهها وسائر بدنها بالحجاب الشرعي ؛ لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}[ الأحزاب : 59] .
وأن تحذر من مسّ الطيب أو البخور ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرَّت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ، وكل عين زانية )) [ أخرجه النسائي وصحِّحه الألباني ] .
4- المشي للصلاة ومخالفة الطريق :
من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في العيد : خروجه للصلاة مشياً ، ومخالفة الطريق في الرجعة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً )) [ أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني ] .
وعن جابر رضي الله عنه قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق )) [ أخرجه البخاري ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره))[ أخرجه الترمذي وصحِّحه الألباني ] .
وعن فوائد ذلك : ذكر الحافظ ابن حجر في (( فتح الباري )) أقوالاً كثيرة ، منها على سبيل المثال : ليشهد له الطريقان ، أو لإظهار شعيرة الإسلام ، أو للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا ، أو لتخفيف الزحام .... والله تعالى أعلم بالصواب .
5- التكبير :
من السُّنَّة في العيد الجهر بالتكبير ، روى الفريابي في أحكام العيدين أثراً بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكبِّر يوم العيد حتى يأتي المصلى ، ويكبِّر حتى يأتي الإمام .
وقال البخاري في صحيحه : وكان عمر رضي الله عنه يكبِّر في قبَّته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون ويكبِّر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً ، وكان ابن عمر يكبِّر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً ، وكانت ميمونة تكبِّر يوم النحر وكنَّ النساء يكبِّرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد . ( مع مراعاة خفض الصوت للنساء ) .
وأما صفة التكبير فمما ورد فيها ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : ((كبروا الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً )) والله أعلم .
6- صفة صلاة العيد :
لصلاة العيد صفة خاصة ثابتة بالسُّنَّة وهي على النحو التالي :
أ- ليس لها أذان ولا إقامة :
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : (( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة )) [ أخرجه مسلم ] .
ب – التبكير بها :
يُسن التبكير بصلاة العيد بعد طلوع الشمس ، وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في (( فتح الباري )) قول ابن بطال رحمه الله : (( أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها ، وإنما تجوز عند جواز النافلة )) .
وعن بريد بن ضمير قال : (( خرج عبدالله بن بُسر رضي الله عنه – صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - مع الناس في يوم فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام ، فقال : إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه ، وذلك حين التسبيح )) [ أخرجه أبو داود ، وصحَّحه الألباني كما أورده البخاري مختصراً ] .
والمقصود بالتسبيح : أي وقت صلاة السبحة ، وهي النافلة – كما في فتح الباري – ( أي بعد شروق الشمس وارتفاعها قدر رمح ) .
ج – وضع السترة أمام الإمام :
لمَّا كانت السُّنَّة في صلاة العيد أن تؤدَّى في مصلَّى خارج المسجد لَزَمَ الإمام وضع سترة أمامه . عن ابن عمر رضي الله عنهما : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تُرَكَّز الحربة قُدَّامه يوم الفطر والنحر ثم يُصلي )) [ أخرجه البخاري ] .
د – البدء بالصلاة ثم الخطبة :
المشروع في صلاة العيد تقديم الصلاة على الخُطبة . عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرُج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول شيء يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ، ويوصيهم ، ويأمرهم . فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه أو يأمر بشيء أمر به )) [ أخرجه البخاري ] .
هـ - عدد ركعاتها :
عن ابن عباس رضي الله عنهما : ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلَّ ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال )) [ أخرجه البخاري ] .
و- عدد تكبيراتها ومحلها :
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كان يُكبِّر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً )) [ أخرجه أبو داود وصحَّحه الألباني ] .
ي – القراءة فيها :
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ})) [ أخرجه النسائي وصحَّحه الألباني ] .
وعن عمر رضي الله عنه : (( أنه خرج يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي : بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في هذا اليوم ؟ فقال : بـ {ق } و {اقْتَرَبَتِ} )) [ أخرجه النسائي وصحَّحه الألباني ] .
مسائل متعلقة بالخطبة والصلاة :
* الجلوس للخطبة بالخيار ، عن عبدالله بن السائب رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى العيد ، قال : (( مَن أحبَّ أن ينصرف فلينصرف ، ومَن أحبَّ أن يقيم للخطبة فليقم )) [ أخرجه النسائي وصحَّحه الألباني ] .
* في حال الجلوس للخطبة يجب الإنصات التام لها ؛ لعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت )) [ أخرجه النسائي وصحَّحه الألباني ] .
* إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة أجزأت صلاة العيد عن الجمعة ، قال صلى الله عليه وسلم : (( اجتمع عيدان في يومكم هذا ، فمن شاء أجزأه ، وإنا مجمِّعون إن شاء الله )) [ أخرجه ابن ماجه وصحَّحه الألباني ] .
* مَن فاتته صلاة العيد صلَّى ركعتين ، ذكر البخاري في صحيحه قول عطاء : (( إذا فاتته العيد صلَّى ركعتين )) .
7- مشروعية حث النساء على الصدقة يوم العيد :
يُشرع للإمام في خطبة العيد حث النساء على الصدقة، والدليل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه قال :(( شهدت الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخُطبة بغير أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكاً على بلال فأمر بتقوى الله ، وحثَّ على طاعته ، ووعظ الناس وذكَّرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء فواعظهن وذكَّرهن فقال : تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من وسط النساء سعفاء الخدين فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن)) [ أخرجه مسلم ] .
8- التهنئة بالعيد :
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) هل التهنئة في العيد وما يجري على ألسنة الناس(( عيد مبارك)) وما شبه ، هل له أصل في الشريعة أو لا؟ وإذا كان له أصل في الشريعة فما الذي يُقال؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب رحمه الله : أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد : تقبَّل الله منا ومنكم ، وأله الله عليك ، ونحو ذلك فهذا قد رُوي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ورخَّص فيه الأئمة كأحمد وغيره ، لكن أحمد قال : أنا لا أبتدئ أحداً ، فإن ابتدأني أحد أجبته ؛ وذلك لأن جواب التحية واجب ، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سُنَّة مأموراً بها ولا هو أيضاً مما نهي عنه ، فمَن فعله فله قدوة ومَن تركه فله قدوة ، والله أعلم .ا هـ .
9- مظاهر الابتهاج بالعيد :
يجوز للنساء في العيد إظهار البهجة والسرور من خلال الغناء المباح وهو الإنشاد المهذَّب لفظه ومعناه ، كما يجوز فيه الضرب بالدفوف أُسوة بالنكاح .
أما الغناء الماجن المتضمن للكلام البذيء المصاحب للمعازف فهو محرَّم في العيد وغيره ؛ لقوله تعالى :{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[ لقمان:6 ] .
وقد أقسم ابن مسعود رضي الله عنه على أن لَهْوَ الحديث هو الغناء .
فأما بالنسبة للدليل على جواز إنشاد النساء في العيد : فعن عائشة رضي الله عنها: (( دخل عليَّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا )) [ أخرجه مسلم ] .
وعنها رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تدفِّفان وتضربان ، والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال : (( دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى )) [ أخرجه البخاري ] .
كما يشرع للرجال التوسعة على الأهل والعيال في أيام العيد بشيء من اللهو المباح .
فقد ثبت في السُّنَّة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (( وكان يوم عيد، يلعب السُّودان بالدَّرق والحراب ، فإمَّا سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، وإما قال : تشتهين تنظرين . فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خدِّي على خدِّه وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة . حتى إذا مللت قال : حسبك . قلت : نعم . قال : فاذهبي )) [ أخرجه البخاري ] .
وفي رواية لمسلم قالت رضي الله عنها : (( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي انصرف ، فأقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصةً على اللهو )) .
وفي الختام :
أحمد الله عز وجل الذي شَرَعَ لنا في ديننا أعياداً لا مثيل لها ، وأسأله جل وعلا أن يمنّ علينا باتِّباع السُّنَّة في جميع أمورنا ، كما أسأله تبارك وتعالى أن يعيد على الأمة الإسلامية أعيادها وهي ترفل في رداء النصر والسُؤْدُد والتمكين .... آمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
مشكاة السُنّة في أعياد الأمة