صور رائعة في العيد
عادل بن عبد العزيز المحلاوي
الحمد لله الأول الآخر , الظاهر الباطن , أمدنا بالنعم , وأسبغ علينا المنن , تفضل على عباده بمواسم يفرحون بها , ويجددون العهد بعبادات غابت عنهم , فا للهم لك الحمد بالإسلام , ولك الحمد بالقرآن , ولك الحمد بما شرعته من أحكام , وصلاة وسلام تامان أكملان على الداعي المهديّ , والرسول المرضيّ ,أكرم من فرح , وأولى من صام .
العيد يحمل مشاعر فياضة , وأحاسيس متدفقة بالفرح والسرور, قد طفح كيل الود فيها , وامتلأ القلب منها سرورا .
والعيد أقبل مـزهوًا بطلعته كأنه فارس في حلة رفـلا
والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا
فليهنأ الصائم المنهي تعـبده بمقدم العيد إن الصوم قد كملا
هنيئا لك أيها الصائم يوم منّ الله عليك بإتمام الصيام , ونبارك لك فضل الله عليك بالتوفيق للقيام , سألناك ربنا أن تكمل للجميع الفرحة بالقبول , وتتمها بالثواب الكامل الموفور .
ولعلي أنقل لك قارئ الكريم صوراً تراها في عيدك , أردت من ورائها تثبيتها في مجتمعنا المسلم , والتذكير ببعضها لمن جهلها , ولئن كان المصورون ينقلون الصور الجميلة في عدساتهم , فهذه الصور أجمل وأروع , لأن فيها التذكير بالمعاني الإسلامية , والمتاجرة مع الرحمن رب البرية .
فإلى بعض هذ الصور :
الصورة الأولى : التواصل والتزاور:
ولعل هذه الصور هي أظهر الصور وأبينها ,وهي في المجتمعات الصغيرة أبين وأظهر من المدن الكبيرة , نظراً لتعارفهم وصلة الرحم القوية بينهم , ومع ذا فحق على أهل المدن إحيائها , والعيد أحسن مناسبة لها .
كم هو جميل ذلك التواصل , و تلكم الاجتماعات الأسرية , واللقاءات الأخوية , التي تعزز اليقين بصفاء النفوس وطهارتها , وأن الذي يعكر صفو ودها إنما هو نزغ من الشيطان .
كم تفرح النفس وتبتهج القلوب الناصحة لإخوانها, وهي ترى الأيادي قد تصافحت ,والأجساد قد تلاقت , وتبادل المحبون الابتسامات
دخل عليّ في هذا العيد كثير من الإخوة وكل واحد منهم يشعر بالفرح هذا اليوم , وتُرى علامات البِِشر على محياه , لأنه قد رأى التلاقي بين المسلمين , والتواد بينهم .
ومن أجمل ما يحصل في العيد التواصل بعد القطيعة والصلح بعد الخصام , فكم كان العيد سبباً في إزالة العداوة , ومحو الضغائن من النفوس , لقد غير العيد نفوس المتخاصمين , فجعل مكان القطيعة صلة , ومكان الجفاء مودة , وتبدلت الضغائن إلى محبة .
ولعلي أرسل هنا رسائل لمن لا يزالون متقاطعين فأخاطبهم مخاطبة المحب لهم وأن لا يكونوا أشقى الناس في عيدكم ببعدهم عن أحبابكم , ومقاطعتكم لأرحامكم , فاليوم اليوم التجاوز عن الأخطاء , اليوم يوم التسامح والإخاء , اليوم يوم التلاقي والصفاء .
ورسالة أخرى لمن يتاجرون في الإصلاح بين الناس , فأقول لهم : العيد فرصة لكم , في إزالة العداوات بين الناس , وتقريب القلوب , والفوز بفضل هذه الطاعات , فقد قال تعالى(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:114) وقال عليه الصلاة والسلام لأبي الدرداء \"- ألا أدلك على خير من كثير من الصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى . قال : إصلاح ذات البين\"البحر الزخاروهو حديث صحيح
فليكن لك متاجرة مع ربك بمثل هذه الأعمال , والنفوس مهيأة لذلك .
الصورة الثانية : الإحسان والرحمة :
في العيد يُحسن صاحب القلب الكبير لأبناء المسلمين من الفقراء , والأيتام , يرى من حقهم عليه وقد أدخل الفرح والسرور على أبنائه , أن يُدخل السرور عليهم , فلا أعظم عملاً ولا أكثر ثواباً في مثل هذا اليوم من إدخال السرور عليهم , والتسبب في السعادة لهم , وفي الحديث\"أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ؛ وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا..\" السلسلة الصحيحة
واعلم أن الجزاء من جنس العمل , فمن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه , ومن أدخل السرور ‘إليهم أدخل الله إلى قلبه السرور , وقد جرب كثير من المحسنين هذا , وشعروا بما لم يشعر به كثير ممن قبضوا أيديهم عن الإنفاق , وبخلوا على أنفسهم ,فوجد المحسنون من انشراح الصدر, وغمرات السرور ما ابتهجت به نفوسهم , وسعدت به قلوبهم
الصورة الثالثة : إتحاف الأطفال بالعطايا والهدايا :
كم يفرح الأطفال بيوم العيد , لأنهم قد تعودوا العطايا من الكبار , يقول أحد الإخوة : تسامعت لأبنائي ليلة العيد فإذا هو يتهامسون , ويقول بعضهم لبعض : غدا يُعطينا عمنا فلان مالاُ (وذكر مالاً بسيطاً , قد تعودوه منه كل عام ) , وقال الآخر منهم : وأنا سأجمع في هذا العيد كذا وكذا من المال , لقد اعتادوا هذا في عيدهم فهم يفرحون به , وينتظرونه بفارغ الصبر .
الآ ما أكرم تلك النفوس التي استعدت لعيدها بمثل هذا الأمر , فصرفوا مبلغاً من المال , ووضعوه في جيوبهم , حتى إذا ما لقوا طفلاً أدخلوا عليه السرور , بمثل هذه العطايا .
وأكمل منهم من أعد مثل ذلك لوالديه ليوزعه آبائهم على الأطفال , ليكون سبباً في إدخال السرور على والديه , وعلى أبناء المسلمين .
الصورة الرابعة : التوسعة على الأهل والأبناء :
فيحصل بالعيد ما لا يحصل في غيره من الأيام من الفسحة للأهل والأبناء - في حدود ما شرع الله تعالى – من التنزه , والخروج من جو المنازل إلى الأماكن المنضبطة التي يتفسح فيها الأهل والأبناء , وفي هذا تذكير للآباء والأمهات بوجوب الالتفات لهذه المعاني وأن أبنائهم في حاجة ماسة للتوسعة المنضبطة بضوابط الشرع , خصوصاً في زماننا هذا الذي تناوشت عليهم فيه قوى الباطل تجذبهم لباطلهم , فلا بد لهم من مباحات تعوضهم ما يفقدونه , وتشغل وقتهم فيما يصدهم عن هذا الباطل
الصورة الخامسة : ظهور حق الجار:
وكم أفقدتنا المدنية من حقوق لجيراننا , وألهتنا الماديات التواصل معهم , ويأتي العيد ليُذكر بحقهم , ويلفت النظر لواجبهم , فترى صور التزاور والتلاقي بينهم .
جميلة تلك الزيارات بين الجيران , وكم تُغبط النفس على تلك اللقاءات .
ومن الصور الرائدة في هذا الباب ما يفعله بعض إخواننا من أئمة المساجد من عمل سفرة جماعية للإفطار الجماعي للجيران في المسجد ومع تشجيعنا لهذا , إلا أنها لا تُغني عن التزاور بينهم , فليُحيي الجيران أواصر المحبة بينهم , وليستدم من وُفق لهذا الخير .
الصورة السادسة : بقاء أثر الطاعات في نفوس الناس :
فترى في المساجد كثرة المصلين , ولا يزال المؤمنون يُكثرون تلاوة القرآن ويرددون آياته , وأصبحوا لا يتركون أذكار الصباح والمساء , وكثير منهم قد عقد العزم على صيام الست من شوال , في صور متنوعة من الطاعات مما يُبشر بالخير وتأصله في الناس , وحبهم له , وتبقى مهمة الدعاة قائمة لتغذية هذا الأمر ومراعاته وحفظه من الذبول , وذلك بالكلمات والخطب , والرسائل ونحوها .
أخي الكريم ...أختي الكريمة ..
إن للعيد صوراُ رائعة تتجلى فيه , وتظهر للناظرين , ولاشك أن أكمل الفرحة ما يكون لأهل الإيمان والتقوى الذين أتموا الصيام , وتعبدوا لله بالقيام , وعظّموا الله في يوم عيدهم فهؤلاء فرحة أكبر وسعادتهم أتم .
اللهم أدم على أمة الإسلام أعيادها , وأكمل فرحتهم بتهوين مصابهم في ديارهم وأوطانهم , فك أسيرهم , وأطعم جائعهم , وعلم جاهلهم , واشف مريضهم , وأبدل ذلهم عزاً , وفقرهم غنى , وجهلهم علماً , وتشتتهم اجتماعاً , يارب العالمين
عادل بن عبد العزيز المحلاوي