السؤال:
يوجد في بعض ألعاب الفيديو خاصية تطوير الشخصية الافتراضية ، مثلاً بزيادة القوة الجسدية ، والحالة النفسية ، والمهارات لتلك الشخصية , من خلال تمارين بداخل اللعبة , هل يعد هذا مضاهاة لخلق الله ?! .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
الألعاب الإلكترونية في كثير منها مخالفات للشرع كثيرة ، كمثل الموسيقى ، وكشف العورات ، وتعظيم الصليب ، وتعلم العنف وارتكاب الجرائم ، وتضييع الواجبات ، وقد بيَّنا في جوابي السؤالين ( 2898 ) و ( 39744 ) و ( 98769 ) مفاسد الألعاب الإلكترونية ، وفي الجواب الثاني ذكرنا حكم بيعها وشرائها ، وفي الجواب الأول قلنا – في بيان ما يحرم منها – " الألعاب التي تقوم على تقديس الصّليب وأنّ المرور عليه يعطي صحة وقوة أو يعيد الروح أو يزيد في الأرواح بالنسبة للاعب ونحو ذلك " .
وعليه : فما كان من الألعاب الإلكترونية على مثل هذا ، فاللعب بها محرم ، كما يحرم بيعها وشراؤها ، وسواء كان الذي يهب القوة والروح هو الصليب أو " تعويذة " كما هو الحال في الألعاب اليابانية أو الصينية ، وأما إن كان اكتساب قوة اللاعب بسبب تمارين يقوم بها وليس فيه شيء مما ذكرنا : فيظهر لنا القول بجواز اللعب بها .
ثانياً:
أما المضاهاة الوارد ذِكرها في السؤال : فالكلام فيها من جهتين : من جهة معناها اللغوي ، ومن جهة حكمها الشرعي :
أما معناها اللغوي فيدور حول المشابهة والمشاكلة :
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي – رحمه الله - :
والمُضاهاةُ : مُشاكلةُ الشّيءِ الشّيءَ ، قال الله عزّ وجلّ ( يُضاهُون قول الّذينَ كَفَروا ) وربّما همزوا ( يُضاهِئُون قولَ الّذينَ كَفَروا ) أي : يقولونَ مثلَ قولهم ، وفي الحديث ( أَشدُّ النّاس عذاباً الّذينَ يُضاهِئُونَ خَلْقَ اللهِ ) .
" العين " ( 4 / 70 ) ، وينظر : " النهاية في غريب الحديث " ، لابن الأثير ( 3 / 232 ) .
وأما حكمها الشرعي : فقد جاء الحديث عنها – أولاً - بلفظها ومعناها في أحاديث نبوية صحيحة ، منها :
1. عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ) .
رواه البخاري ( 5610 ) ومسلم ( 2107 ) .
وفي لفظ لمسلم ( إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ) .
2. عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِى فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً ) .
رواه البخاري ( 5609 ) ومسلم ( 2111 ) .
وهذه المضاهاة في الحديث هي المضاهاة التي تكون كفراً ، ويكون ذلك في حالتين :
الأولى : أن يصوِّر المصور صنماً - أو غيره من خلق الله - ليُعبد .
الثانية : أن يصوِّر الصورة ويزعم أنها أحسن من خلْق الله جل وعلا .
وينظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم ( 149026 ) .
وهذا لا ينطبق على الألعاب التي تشتمل على لاعبين من ذوات الأرواح ، فهو لم يُقصد بها المضاهاة ، لكن هذا لا يعني جوازها مطلقاً ، بل الذي نراه أنها جائزة فقط للأطفال ، دون الكبار ، فيكون حكمها حكم أفلام الكرتون .
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت : قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ - أو خيبر - وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ ، فَهَبَّت رِيحٌ فَكَشَفَت نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَن بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَب ، فَقَالَ ( مَا هَذا يَا عَائِشَةُ؟ ) قَالَت: بَنَاتِي ، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَه جَنَاحَانِ مِن رِقَاعٍ ، فَقَال ( مَا هَذَا الذِي أَرَى وَسطَهن؟ ) قَالت : فَرَسٌ ، قَالَ ( وَمَا هَذا الذي عَليه ؟ ) قَالَت : جَنَاحَانِ ، قَالَ ( فَرَسٌ لَه جَناحانِ؟ ) قَالَت : أَمَا سَمِعتَ أَنَّ لِسُلَيمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ ؟ قَالَت ( فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيتُ نَوَاجِذَه ) .
رواه أبو داود ( 4932 ) وصححه العراقي في " تخريج الإحياء " ( 2 / 344 ) والألباني في " صحيح أبي داود " .
قالَ الحافظُ ابنُ حجر - رحمه الله -:
واستُدلَّ بهذا الحديثِ على جوازِ اتخاذِ صورِ البناتِ واللعب من أجلِ لَعِبِ البناتِ بهن ، وخُصَّ ذلك من عمومِ النهي عن اتخاذِ الصور ، وبه جزمَ عياضٌ ، ونقله عن الجمهورِ ، وأنهم أجازوا بيعَ اللعبِ للبناتِ لتدريبهن من صغرِهن على أمرِ بيوتهِن وأولادهن .
" فتح الباري " ( 10 / 527 ) .
قال الشيخ سعد بن تركي الخثلان - حفظه الله -:
أفلام الكارتون: هي في الحقيقية ليس فيها نقل للصورة الحقيقية التي خلقها الله - عز وجل - وإنما فيها تصوير باليد، فعلة المضاهاة فيها واضحة وظاهرة ؛ لأن في أفلام الكارتون ترسم ذوات الأرواح ، فهو من التصوير المحرم ، لكن إذا كانت الفئة المستهدفة بهذه الأفلام إذا كانت هم الأطفال الصغار : فالذي يظهر - والله أعلم - أن هذا لا بأس به ؛ لما ورد من جواز ذلك بالنسبة للصغار، ونحن قلنا : إنه يتسامح في شأن الصغار بالنسبة للصور ما لا يتسامح في شأن الكبار، فإذا كانت الفئة المستهدفة والمقصودة من الأفلام الكرتونية الصغار : فالذي يظهر - والله أعلم - أخذاً من حديث عائشة أن هذا لا بأس به ، وأما إذا كانت الفئة المستهدفة هم الكبار : فإن هذا لا يجوز ، ولهذا فإن ما يُرى من أفلام كرتونية ورسوم كريكاتيرية هذه محرمة ، وهذا مع الأسف يوجد حتى في بعض القنوات الإسلامية أفلام كرتونية تكون المستهدف فيها الكبار ، وهذه لا تجوز ، هذه من الصور الممنوعة المحرمة ؛ لأنها في الحقيقة المضاهاة فيها ظاهرة ، وعلة التصوير منطبقة عليها تماماً ، وهي للكبار وليست للصغار .
وهكذا أيضا ما يوجد في بعض الصحف والمجلات من الرسوم الكاريكاترية ، هذه الرسوم أيضا من الصور المحرمة ؛ لأن المضاهاة فيها متحققة .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب