تعتبر العملة النقدية بمثابة الهوية والمرآة التي تعكس تطور أو تخلف أي بلد، ويُعرف الاقتصاديون النقود بأنها أي شيء مقبول قبولا عاما للدفع من أجل الحصول على السلع.. لكن عندنا في الجزائر يضطر المواطن للتعامل بأوراق نقدية متعفنة وبالية دون ان تخضع تلك الأوراق لاستبدال وتجديد دوري، ويعاني المواطن في الغالب وبمرارة من ورقة الـ200 دينار التي يكثر التعامل بها في السوق المالية، حتى ُصنفت دون مبالغة، بأنها أسوء فئة نقدية في العالم.
ورقة الـ200 دينار.. لا تصلح للاستعمال
أوجدت ظاهرة تعفن الأوراق النقدية سخطا كبيرا في أوساط المجتمع الجزائري، خاصة فيما يتعلق بورقة الـ200 دينار، التي بلغت حدا كبيرا من الاهتراء والتعفن، بسبب كثرة استعمالها ما جعل تداولها في عمليات البيع والشراء، حذرا وغير مرغوب فيه، بموجب أن كثيرا من التجار باتوا يرفضون تداولها وأخذها من المواطنين، بسبب اهترائها وانتقاصها لأجزاء أحيانا، أو أن بعضها يكون مكتوبا عليه، ما يجعلها أبعد أن تكون عملة تصلح للتداول البشري. وهو ما يخلق في الغالب شجارات وخلافات حادة بين التاجر والمستهلك، تقود أحيانا إلى مراكز الشرطة.
الـ200 دينار.. سنوات من التداول والاهتراء
ولأن الظاهرة باتت تعرف تفاقما شديدا في السنوات الأخيرة وترهق المواطن الجزائري إلى جانب معاناته مع غلاء المعشية وصعوبة إيجاده لحل في تحقيق معادلة تقسيم الراتب الشهري على متطلبات الحياة اليومية، استطلعنا رأي خيبر الاقتصاد الجزائري الدكتور بشير مصيطفى، الذي أطلعنا بأن الأوراق المالية المهترئة التي يتم التعامل بها في السوق المالية الجزائرية، سيما من فئة الـ200 دينار، لم يتم استبدالها منذ سنوات.
وأرجع مصيطفى سبب تأخر الدولة في تغيير الأوراق النقدية المهترئة إلى عاملين؛ أولهما اقتصادي أما الثاني فيتعلق بالجانب الأمني لهذه العملية.
سخط بمصلحة البريد.. والمواطن يرفض الراتب البالي
في المقابل تبقى مصالح البريد تعاني يوميا من سخط المواطنين بسبب نوعية الأوراق التي يتم تسليمها لهم، فكثيرون هم من لا يقبلون العملة البالية ويطالبون بأوراق جديدة، خاصة اذا كان الأمر يتعلق بعامل يكدُ طول الشهر ليحصل نظير جهده على راتب بال ومتعفن، وأحيانا كثيرة ما يقع عمال البريد والمواصلات في ورطة، بسبب توفر الأوراق الجديدة التي تسكت الزبون، وهو ما وقفنا عليه مرارا ونعيشه يوميا في مصالح البريد والمواصلات.
الدولة لا تنفق على تجديد العملة بسبب غلاء الأوراق
أما الجانب الاقتصادي يقول الدكتور مصيطفى بتعلق أساسا بغلاء كلفة إنتاج الأوراق المالية، وهذا راجع الى الكتلة النقدية التي تطورت كثيرا في الجزائر، وهو ما تم التسطير له ضمن برامج رئيس الجمهورية وشرع في تطبيقه سنة 2002 .
ويقول الخبير، إن واقع اهتراء الأوراق النقدية يعود إلى عامل هذه الكتلة النقدية الكبيرة التي دخلت الجزائر من باب الاستثمار الثقيل الذي وصل إلى 300 مليار دولار،
ما دفع بالدولة الى إصدار ورقة مالية من فئة 2000 دينارا بدل تغييرها بـ20 ورقة من فئة 200 دينارا.
كما ان بنك الجزائر - يقول مصيطفى - بدل أن يبادر إلى استبدال الأوراق النقدية المهترئة التي باتت تغرق السوق المالية الجزائرية، يعمد إلى الاحتفاظ بها ولا يصرف على أوراق جديدة، من منطلق أن قيمة الورقة المالية من فئة 200 دينار جزائري ضعيفة بالمقارنة مع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري وارتفاع الأسعار، وهي لا تستحق من وجهة نظر الدولة أن ينفق على إنتاجها أو نقل أوراقها عبر البواخر.
اهتراء العملة يضرب سيادة الدولة الجزائرية
من وجهة نظر الدكتور بشير مصيطفى فإن عامل اهتراء العملة الجزائرية، وإن كان لا يحمل في جوانبه الكثير من الأخطار على المستوى الاقتصادي للبلاد، إلا أنه وبأثر قوي يضرب سيادة وسمعة الدولة الجزائرية، فالأوراق النقدية الجزائرية تكاد تكون الأسوء في العالم من حيث نوعيتها وجودتها، يستطرد بالقول محدثنا.
صعب تزوير ورقة الـ200 دينار ولذلك لا تستبدل
أطلعنا الأستاذ مصيطفى في تشريحه لظاهرة اهتراء العملة الورقية الجزائرية، أن الدولة متمسكة بورقة الـ200 دينار ولا تسعى إلى تجديدها لأنها تكاد تكون شبه مطمئنة، من عدم تزويرها، لأن هذه الفئة النقدية صعب تزويرها.
أما الجانب الأمني فله شأن كبير - يقول الدكتور - في وصول الأوراق النقدية الجزائرية إلى أسوأ حالاتها، بعد أن تولد عند بنك الجزائر حالة من عدم الثقة في مسألة شراء الأوراق المالية من الخارج بعد تعرضها الى عملية سطو كبيرة من المافيا الإيطالية تم خلالها سرقة 44 لفة من الورق الخاص بطبع العملة الجزائرية قبل 5 سنوات .
العملة السيئة تُنفر السياح..
ويشير في ذات السياق الى أن العملة الى حد بعيد هي بمثابة الهوية للبلاد، ولذلك فهي في الغالب تتضمن بداخلها أبرز المعالم التاريخية في الدولة.
وقد تكون العملة المتعفنة سببا في طرد السياح من الجزائر، لأن السائح يهتم بالأوراق النقدية كثيرا وقد يحتفظ بها للذكرى، لكنه في الجزائر لن يجد ما يحتفظ به في تلك الورقة البالية المهترئة، والورقة النقدية الى حد ما هي واجهة أي دول ومرآة تعكس تطورها أو تخلفها.