حدث في شهر (ذو القعدة)
أولاً: التعريف وسبب التسمية
ذو القعدة هو الشهر الحادي عشر من السنة القمرية (أو التقويم الهجري)، وهو الشهر الذي يسبق الحج.وهو أول الأشهر الحرم المذكورة في القرآن الكريم.
أشار ابن منظور في لسان العرب ان التسمية مشتقة من قعود العرب فيه، حيث قال: (وذو القَعْدة اسم الشهر الذي يلي شوًالاً وهو اسم شهر كانت العرب تَقْعد فيه وتحج في ذي الحِجَّة.
وقيل سمي بذلك لقُعُودهم في رحالهم عن الغزو والميرة وطلب الكلأ)، فيعتقد ان أصل التسمية تقوم على فكرة القعود عن الحرب.
يقول البيروني: «وذي القعدة للزومهم منازلهم».ويقول: «ثم ذو القعدة لما قيل فيه اقعدوا أو كفوا عن القتال».
وفي اللسان:»...وقيل سمي بذلك لقعودهم في رحالهم عن الغزو والميرة وطلب الكلأ».وجاء في المصباح المنير، عند تفسيره أسماء الأشهر الاسلامية «وذو القعدة لما ذللوا القعدان»...
والقعدان جمع قعود وهو ابن الجمل.وأما في السريانية فانه يفيد الركوع وحني الركب.فيكون قد سمى ذا القعدة استعدادا للحج، أو لأنه كان في الجاهلية شهرا مقدسا محرما لا يحل فيه القتال.
أحد الأشهر الحرم هي أربعة أشهر كما قال الله: {انَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوات وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36].وقد فصّل النبي ما أجمله القرآن، وبيَّن ان هذه الأشهر هي: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، قال: ((ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).
وذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة، وذلك في قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194].فالآية نزلت في حبس قريش للمسلمين عام الحديبية عن البيت في شهر ذي القعدة الحرام، فاعتمر صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء في السنة التالية في شهر ذي القعدة.
ثانيا: غزوة بدر الموعد
في ذي القعدة سنة 4 هـ
1 أنواع غزوة بدر
أما بدر الصغرى فقد كانت على رأس ثلاثة عشر شهرًا من الهجرة، جاء رجلٌ يُقال له كرز الفهري فأغار على سرح المدينة فتبعه النبي صلى الله عليه وسلم الى وادٍ يُقال له وادي صفوان قريب من بدر، النبي عليه الصلاة والسلام لما أغار كرز الفهري على سرح المدينة تبع كرزًا هذا الى وادٍ قريب من بدر يُسمَّى وادي صفوان، فهذه عند بعض أهل السير تُسمَّى بدر الصغرى.
وبدر اذا أُطلقت يُراد بها بدر الكبرى، والابدرٌ على التحقيق ثلاثة، بدر الصغرى، وبدر الكبرى وبدر الموعد.
أما بدر الكبرى فغنية عن التعريف، هي الموقعة المشهورة التي وقعت عند ماء بدر في شهر رمضان، والتي اسماها الله جلّ وعلا بيوم الفرقان.
أما بدر الموعد - وهي غير مشهورة - فهذه التي سنتكلم عنها الآن، ولم يقع فيها قتال، لكننا نذكرها من باب السرد التاريخي، فيتحرر ان بدرًا تُطلق على ثلاثة، بدر الصغرى، وبدر الكبرى، وبدر الموعد، هذه الثالثة.(1)
2 سبب تسميتها:
سميت بدر الموعد تنفيذاً للموعد الذي كان أبو سفيان قد اقترحه في أعقاب معركة أحد، والتزام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك،
3 خروجه صلى الله عليه وسم:
خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة على رأس جيش من أصحابه قوامه ألف وخمسمائة مقاتل بينهم عشرة من الخيالة وذلك في ذي القعدة سنة 4هـ وحمل لواء الجيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوصلوا بدراً فأقاموا فيها ثمانية أيام بانتظار وصول قوات المشركين من قريش بقيادة أبي سفيان بحسب الموعد بين الطرفين، غير ان أحداً من المشركين لم يصل الى بدر، وكان أبو سفيان قد جمّع قوات قريش وحلفائها التي تألفت من ألفي مقاتل معهم خمسون فرساً، فلما وصلوا الى مر الظهران، نزلوا على مياه مجنّة على بعد أربعين ميلاً من مكة ثم عاد لهم أبو سفيان الى مكة بعد ان خطب فيهم وقال: يا معشر قريش انه لا يصلحكم الا عام خصيب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وان عامكم هذا عام جدب واني راجع فارجعوا.
4 لقاء مخشي بن عمرو الضمري
وأقبل مخشي بن عمرو الضمري وهو الذي وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بني ضمرة في غزوة ودان، فالتقى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدر وقال: يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال نعم، يا أخا بني ضمرة، وان شئت مع ذلك رددنا اليك ماكان بيننا وبينك، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك، قال.لا والله يامحمد مالنا بذلك منك من حاجة.
ففي هذا اللقاء أكد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معنى كبير في اظهار قوة المسلمين، وأن العقد الذي كان بين الفريقين يستمر بعامل قوة المسلمين لابعامل ضعفهم وبناء على طلب الطرف الثاني وفي هذا مافيه من القوة للمسلمين والقاء الرعب في قلوب أعدائهم لقد كانت تحركات الجيش الاسلامي من المدينة حتى بدر مناورة رائعة ناجحة أثبت بها وجوده وأعطى الدليل القاطع لأعداء الاسلام داخل المدينة وخارجها، أنه أصبح أقوى قوة مرهوبة، في الجزيرة العربية كلها، ولا أدّل على ذلك من ان جيش مكة، وهو من أعظم الجيوش في الجزيرة من حيث كثرة العدد وقوة التنظيم وجودة التسلح قد هاب الجيش الاسلامي ونكل عن حربه بعد ان خرج للقائه بموجب ميعاد سابق حدده (في أحد) قائد عام جيش مكة.
ان الحملة الاعلامية التي قام بها المشركون لاثبات انتصارهم في أحد وتفوقهم الحربي قد انتكست على رؤوسهم وأصبحوا مثار السخرية عند العرب، وثبت للناس ان ارتباك المسلمين للمفاجأة في أحد وسقوط القتلى منهم لايعني انهزامهم ولاضعفهم العسكري فقد ساهمت هذه الغزوة في المحافظة على السمعة العسكرية للمسلمين، وكسبوا انتصاراً معنوياً عظيماً على أعدائهم بدون قتال، وشاركوا في الموسم التجاري ببدر وربحوا في تجارتهم ربحاً طيباً.
لقد كان لاخلاف قريش الموعد أثر في تقوية مكانة المسلمين واعادة هيبتهم.(2)
ثالثا: وفاة زعيم المنافقين (عبدالله بن سلول)
في ذي القعدة سنة 9هـ
مرض عبدالله بن أبي سلول، رأس المنافقين، في ليال بقين من شوال ومات في ذي القعدة من السنة التاسعة(3).
قال أسامة بن زيد: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عبدالله بن أبي في مرضه نعوده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد كنت أنهاك عن حب يهود، فقال عبدالله: فقد أبغضهم سعد بن زرارة فمات(4).
ولما توفي عبدالله بن أبي جاءه ابنه عبدالله بن عبدالله الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله ان يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله ان يصلي عليه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، تصلي عليه؟ وقد نهاك ربك ان تصلي عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ان تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(سورة التوبة، آية:80).وسأزيده على سبعين، قال: انه منافق، قال فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله عز وجل آية:{ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ انَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}(سورة التوبة، آية:84)(5).
وانما صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجراء له على حكم الظاهر وهو الاسلام، ولما فيه من اكرام ولده عبدالله -وكان من خيار الصحابة وفضلائهم- وهو الذي عرض على النبي ان يقتل أباه لما قال مقالته يوم غزوة بني المصطلق كما بينا، ولما فيه من مصلحة شرعية، وهو تأليف قلوب قومه وتابعيه، فقد كان يدين له بالولاء فئة كبيرة من المنافقين، فعسى ان يتأثروا ويرجعوا عن نفاقهم ويعتبروا ويخلصوا لله ولرسوله، ولو لم يجب ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة وعاراً على ابنه وقومه، فالرسول الكريم اتبع أحسن الأمرين في السياسة الى ان نهي فانتهى(6).
- بتصرف من الأيام النظرة والسيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم - (ج 1 / ص 57).
2 - السيرة النبوية - دروس وعبر في تربية الأمة وبناء الدولة - (ج 7 / ص 13)
3 - تاريخ الاسلام للذهبي، المغازي، ص659.
4 - ابو داود، كتاب الجنائز، باب في العيادة رقم 3094.
5 - البخاري، كتاب تفسير القرآن رقم 4670.
6 - السيرة النبوية - دروس وعبر في تربية الأمة وبناء الدولة - (ج 9 / ص 128)