اتصلت الأخت نور الهدى من الجزائر، لتروي قصتها مع المقرئ العابر للقارات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فقالت: أنا "نور الهدى.م" من العاصمة، متزوجة وأبلغ من العمر 46 سنة، أم لأربعة أولاد... سميت أحدهم "عبدالباسط عبد الصمد"، دعوت الله في السر والعلن أن يرزقني ولدا أسميه تيمنا بالصوت الظاهرة، عبد الباسط عبد الصمد.
* ولي قصة مع هذا القارئ تعود إلى زمن الثمانينات، حينما لمع نجمه في السماء؛ ولأن الظروف التي كنا نعيشها كانت صعبة وتعيسة على كل أفراد العائلة، بحكم أن الوالد رحمه الله لا يشتغل، وكنا إذا تناولنا الغداء وحل الليل، ينظر بعضنا إلى بعض حتى يأخذنا النعاس جميعا!
* الحالة هذه أثرت في نفسي كثيرا.. فإذا وصل الصباح خرجت إلى المدرسة بقدمين شبه عاريتين، وقد عضهما البرد بنابه، أتأمل زميلاتي وهن في قمة السعادة والدفء، لا شيء يعكر حياتهن، أما أنا فأجلس على كرسي المدرسة فأبلله، وفرائسي ترتجف وأسناني ترتعد.. أتكور على ذاتي لأشكل علامة استفهام كبيرة: لماذا أعيش أنا؟ وما الفائدة من بقائي حية؟...
* راودتني أفكار غريبة، وسيطرت على عقلي؛ اعتزلت أهلي وانطويت.. أتنهد في كل لحظة، ولا أجد متنفسا يخرجني من ظلمات الأفكار إلى نور الطمع في رحمة الله.. إلا صوت الشيخ عبد الباسط، حيث إني كلما استمعت إليه نزع مني القلق والهم ووسوسة الأفكار.
* وجاءت ساعة الامتحان في البكالوريا سنة 1986 شعبة آداب.. أعددت العدة لهذا اليوم.. وطلبت من أهلي إن نجحت في هذه الشهادة أن يلبوا طلبي، ونسافر إلى القاهرة للقاء الشيخ عبد الباسط...
* شاء الله أن أوفق بامتياز، وفرحتي لا تكاد تحدها حدود.. حتى إن جيراني شاركونا هذه الفرحة، وأعانونا لتحقيق الحلم.
* جهز إخوتي الوثائق واتجهنا إلى سفارة مصر بالجزائر، فضحك القنصل لما سألنا عن سبب زيارتنا إلى مصر، شهر جويلية 1986، وأجابه أخي: إن حلم أختي الجلوس إلى الشيخ عبد الباسط ورؤيته عن قرب.
* أتممنا كل الترتيبات اللازمة للسفر مع أخي، وأذكر أنه حينما صعدنا الطائرة، استعجلت الزمان لأرى المكان وأحقق حلمي.. لم نر الشيخ في اليوم وصلنا فيه، فتأجل ذلك إلى الغد.. وأخذنا سيارة "طاكسي" إلى محافظة قنا بصعيد مصر، وكان أظهر الناس في المنطقة، حيث سألنا عن عنوان بيته، والسيارة راكنة أمام مدخل منزله الكبير، رحب بنا مع أولاده، ودخلت بيته وأنا لا أصدق دموعي تتساقط على خدي، فأمسحها وأخي يقول لي: "اسكتي يا هدى.. خلاص حلمك تحقق..!".
* قدم لنا أبناؤه العصير والفواكه والحلويات، وأذكر أن الشيخ قال لنا: "زرت كل البلاد العربية إلا الجزائر".. فرددت عليه: "جئناك من أرض الشهداء، واعلم أني كنت أفكر في الانتحار لو لم يتحقق حلمي في رؤيتك يا شيخ".
* فردّ علي: استغفري الله يا بنيتي، إن الله هز وجل يقول في القرآن: »ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما«.
* فقلت للشيخ: "كنت أنيسي حينما ضاقت بي الدنيا، وقد اشترطت على أهلي إن نجحت في البكالوريا أن يكرموني برؤيتك".
* فأهدى لي مجموعة من أشرطة الكاسيط، حفظت سورة النساء كاملة عن طريق السماع، مازالت راسخة في ذهني إلى اليوم..
* وقد يجعل الله أصواتا من السماء سببا في هداية الناس، ويهيئ مقرئين ينقذون حياة آخرين من الانتحار.. كما هي حالتي مع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. وأسجل هذا الاعتراف ليكون قصة واقعية يدونها ولدي الذي سميته على اسمه، فرحمة الله عليك يا شيخنا، فصوتك مازال شامخا في السماء.