قبل رحيلك اترك أثرًا ..
بقلم : محمود القلعاوى – مصر .
لماذا لا تجتهد أن تترك أثراً ؟! .. أثراً فى بيتك ، فى عملك ، فى شارعك ، فى أقاربك ، فى أصحابك ، فى المسجد الذى تصلى فيه ، فى كل مكان أنت متواجد فيه .. ترك الأثر سيدى فكرة لابد أن تستحوذ على تفكيرنا .. لماذا نتباهى بأننا نأخذ الصور التذكارية مع الناجحين أصحاب الأثر ولا نفكر فى أن نكون منهم ؟! لماذا تريد ممن حولك أن يقدموا لك كل ما فى وسعهم ولا تريد أن نقدم أنت إلا النادر ؟! .. الإنسان سيدى الكريم لا يشعر بذاته وكيانه إلا إذا أحس أن له أثر في الحياة مهما كان صغيراً .. أما هؤلاء الذين يعيشون فى زاوية مظلمة لا يقدمون شيئاً مهما كان صغيراً فهم أموات يموتون ببطء ..
يقول الشيخ محمد صالح المنجد عن ترك المسلم أثراً فيمن حوله :- ( من أعظم الأعمال أجرًا ، وأكثرها مرضاة لله يتعدى نفعها إلى الآخرين ، وذلك لأن نفعها وأجرها وثواﺑﻬا لا يقتصر على العامل وحده ، بل يمتد إلى غيره من الناس ، حتى الحيوان ، فيكون النفع عامًا للجميع ..
ومن أعظم الأعمال الصالحة نفعًا ، تلك التي يأتيك أجرها وأنت في قبرك وحيدًا فريدًا ، ولذا يجدر بالمسلم أن يسعى جاهدًا لترك أثر قبل رحيله من هذه الدنيا ينتفع به الناس من بعده ، وينتفع به هو في قبره وآخرته وصدق الله العظيم :- ( وما تقدموا لأنفسكم من خيراً تجدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا و ََأعْظمَ َأجْرًا ) سورة المزمل : 20 ..
سلفنا يجتهد أن يترك أثراً ..
وهذا سلفنا الصالح يجتهد أن يترك أثراً فى حياته .. فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما ولى الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين ، فوجد أرملة وأيتاماً عندها يبكون ، يتضاغون من الجوع ، فلم يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين ، فحمل طعاماً على ظهره وانطلق فأنضج لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكو ..
وهذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، جاء عنه في سِير أعلام النبلاء أنه :- ( كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة، ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب ، وذكر محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل ، فلما مات علي بن الحسين، وجدوا بظهره أثرا مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل )
ترك أثراً رغم كل معوقاته ..
معاق سويدى لا يتحرك ولا يتكلم , أسلم على يده العديد من السويديين وأثر في الكثير منهم .. قد تسأل وكيف ذلك ؟! .. أقول لك :- كانت الحكومة السويدية تضع له من يخدمه وكان يتغير كل فترة , وبما أن هذا المعاق لا يتحرك ولا يتكلم فقد وضعوا أمامه لوحة كبيرة فيها مربعات صغيرة , وكل مربع مكتوب فيه كتابة معينة .. فمثلاً :- ( أريد طعاماً , شكراً , اتصل بصديقي ….وغيرها ) ووضعوا على رأسه مثل القبعة فيها عود طويل يشبه القلم لكن أطول , وإذا أراد شيئاً أشار بهذا العود على الكلمات التي يريد , وكان هذا الشخص إذا جاءه في بيته من يخدمه وهم في الغالب غير مسلمين .. يطلب منهم من خلال هذه المربعات أن يتصلوا على صديقة – ويكون بينه وبين صديقة تنسيق- فيقوم الموظف بالإتصال على صديق المعاق , فيرد الصديق :- نعم ! فيقول هذا المعاق اسأله ما هو الإسلام ؟ مباشرة الخادم يقول :- صديقك يسألك عن الإسلام .. فيرد الأخر :- الإسلام أن تعبد الله وحده لا شريك له…الخ , ثم يتكلم الخادم مع المعاق ويعيد عليه ما قاله صديقة عن الإسلام , هذا المعاق طبعاً يعرف هذا الكلام عن الإسلام لكن يريد أن يعلم الخادم بطريقة غير مباشرة..ثم يطلب منه أن يسأله عن الفرق بين الإسلام والنصرانية ؟ وما عاقبة المسلم وما عاقبة الكافر وهكذا ….لمدة نصف ساعة يومياً .. و إذا انتهى دوام الموظف طلب منه المعاق إن يفتح الدرج ويأخذ معه كتاب عن الإسلام .. انظر إلى الهمة كيف ترك له بصمة وأثر يدل على وجودة في هذه الحياة.