" الإسراء والمعراج " و استنهاض الأمة
أ . محمد شوكت الملط
لم تكن رحلة الإسراء والمعراج منحة من الله سبحانه وتعالى الى حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة له فى الدنيا والآخرة فحسب ، وانما كانت تشريفا وتعظيما كذلك لأمته صلى الله عليه وسلم ،ويكفيه صلى الله عليه وسلم تشريفا وتعظيما أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر هذه المعجزة بشقيها :- الإسراء والمعراج فى قرآنه الكريم فى سورتى الإسراء والنجم بآيات تُتلى آناء الليل وأطراف النهار ، يتعبد بها المسلمون فى صلاتهم وفى قرائتهم للقرآن الكريم ... يتدبرونها ... يحفظونها ويحفظونها لأبنائهم ... يصلون عليه كما صلى الله عليه، فقد قال تعالى : ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ سورة الإسراء: 1، وقال أيضا : ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ سورة النجم 13: 18 ، كل ذلك على مر الأزمنة والأيام حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
أما أمته صلى الله عليه وسلم والتى وصفها ربها سبحانه وتعالى بأنها خير أمة أُخرت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،فهى التى أنقذت الناس - بقرآنها ورسولها ومبادئها - من الوقوع فى براثن الجاهلية فى المعتقدات والعادات والتقاليد ، والسلوكيات الشاذة والمخالفة للفطرة فى الأوضاع الدينية
والسياسية والإجتماعية والقبلية والأسرية ونظم الزواج ونظام الرق ، وغيرها من الأمور التى بسماعها يندى الجبين و تقشعر الأبدان ويقفى الشعر ،ونقلت البشرية من تلك الظلمات الى نور الإسلام وجماله وعظمته ، وبالتالى فان شرف هذه الأمة من شرف نبيها صلى الله عليه وسلم
هذه الحادثة لاتخص محمداً صلى الله عليه وسلم وحده ولا أمته فقط ، وإنما تخص البشرية جمعاء ، فهى حادثة فارقة فى تاريخ البشرية ،فبمجرد قيامه صلى الله عليه وسلم بالصلاة إماماً بالأنبياء والمرسلين بالمسجد الأقصى فقد انتقلت قيادة البشرية إليه صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده ، على أساس أن الإسلام آخر الشرائع الربانية ، وأن محمداً علية الصلاة والسلام آخر الأنبياء والمرسلين ، ومن ثم فان هداية البشرية وتوجيهها من الوظائف الرئيسة للأمة الإسلامية لأن الإسلام هو الدين الذى ينبغى أن يدين به الناس – كل الناس – منذ بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة لقوله تعالى :- ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ... ) سورة سبأ 28 ، وقوله أيضاً :- ( ومن يبتغِ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين ) سورة آل عمران:85.
وقد يشكك البعض فى قدرة المسلمين على قيادة البشرية لما يرونه من ضعف شديد فى أحوالهم فى كافة المجالات ، فقد انهزموا من الغرب الصليبى عسكريا وسياسيا واقتصاديا ، وتفوق عليهم فى العلم والإعلام والتخطيط للمستقبل ، ونجح الغرب فى الإجهاز على الخلافة الإسلامية ، وقام بتقسيم الدول الإسلامية إلى دويلات ضعيفة ، بل ومتنازعة فيما بينها ، و هذه الرؤية رغم حقيقتها إلا أنها رؤية غير مكتملة ، ومنقوصة ،وإلا فلماذا لم يعلن الغرب إنتصاره النهائى على المسلمين ، ويعلن كذلك وقف الحرب على المسلمين بدلاً من استمراره فيها ، لأن الغرب الصليبى يوقن أنه إذا إستطاع هزيمة المسلمين فى عدة بلاد فلن يستطيع هزيمتهم فى كل البلاد ، وإذا إستطاع هزيمتهم جميعاً فى وقت ما فلن يستطيع هزيمتهم على طول الوقت ، ويعلم الغرب أن المسلمين إذا ضعفوا سنوات طويلة فانهم قادرون فى وقت قصير بقوة ايمانهم بالله أن يستعيدوا مجدهم ،لأنهم يحملون منهجهم الإسلامى القادر على ازاحة المناهج الوضعية الأخرى مهما عظمت ، وهذا ما توصلوا اليه من خلال دراستهم للتاريخ الإسلامى ، ومنهم من يقر ويعترف بأن الإسلام قادم لامحالة ، وخاصة اذا خُلى بينه وبين الشعوب الأوربية ، ولذلك فان الحرب مع الإسلام لم تنتهِ ومازالت مستمرة ، وبناءً على ذلك فان المسلمين لديهم القدرة على قيادة البشرية وانقاذها من الضياع .
يوقن الدعاة الى الله أن الأمر كله لله ، فهو الذى بيده النصر والتمكين لدينه سبحانه وتعالى وقت مشيئته ، وأن ماوصل اليه المسلمون من أوضاع مهينة ليس الا بسبب ابتعادهم عن منهج الله ، وانقيادهم لأعدائهم ، وأن ذلك ما هو الا ابتلاءٌ من الله لهم ولأفراد الأمة الإسلامية ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، ويوقنون كذلك بأن السبيل إلى أستاذية العالم هو أن يعود المسلمون إلى إسلامهم عقيدة وشريعة وتطبيقاً لمبادئه والتزاما بتكاليفه ، وأن يتحدوا ليكونوا على قلب رجل واحد ،وأن يأخذوا بالأسباب من باب ( وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ...) سورة الأنفال 60 ، ذلك مع اعتقادهم بأن الحرب سجال ، بين هزائم وانتصارات وضعف وقوة ، وأن الأيام دول يداولها الله بين الناس فيوم لك ويوم عليك ، وأن بعد كل هم فرجا ،وأن مع العسر يسرا ، ولم يتبقَ الا السير الحثيث فى هذا الإتجاه مع التوكل على الله .