ليس فقط في الثامن مارس
والمرأة التي أنجبت بن بولعيد، وبن طوبال، والمرأة التي أنجبت مريم بوعتورة، وزيغود يوسف وعميروش... وزوجات الشهداء اللواتي ربين الأيتام في ظروف صعبة، واضطررن للعمل منظفات في البيوت والمستشفيات والمؤسسات، ماذا عن السيدة التي أحرقت فرنسا أبناءها الأربعة في ضواحي بسكرة، فرفعت صوتها بالزعاريد، وقالت للضابط الفرنسي الذي لم يفهم سر هذا، أن الحمد لله أنها أنجبت رجالا أرعبوا فرنسا فأحرقتهم.
هكذا وجه لي صديق ”الفجر” الصحفي والديبلوماسي المتقاعد الأستاذ محمد سعيدي، ملاحظاته، أمس، حول ما جاء في مقالي هنا تحت عنوان ”إلى امرأة لم أعرف طريق الوصول إليها”.
نعم، إلى أم الشهيد، زوجة الشهيد، وإلى كل أم تعجن خبزا بمياه القلب، إلى الجزائرية، العظيمة التي أنجبت أطفالا رجالا، أركعوا أعتى قوة استعمارية. انحناء إكبار وإجلال بهذه المناسبة.
أعرف أن الذي حرر الجزائرية هو أكبر من الثامن مارس، هو يوم تكرر مئات المرات خلال كل أيام الثورة التحريرية، بل خلال كل ملحمات المقاومة الوطنية، وما الثامن من مارس إلا مناسبة سطحية بخست المرأة الجزائرية حقها المكتسب بتضحيات جسام.
لكن الطريق التي سلكناها بعد الاستقلال هي من سلبت الجزائرية الكثير من الحقوق، عندما أجبرت المجاهدات على العودة إلى البيت من دون نياشين ولا مراتب. صحيح أن أبواب المدارس والجامعات فتحت واسعة لبنات الاستقلال، وسجلت المرأة في كل شبر من الجزائر الكبير حضورا لا يستهان به، لكن مادمنا مازلنا نتحدث بل نفتك بحقوق المرأة السياسية بقانون الحصة، وتقحم في القوائم الانتخابية إقحاما، فنحن لم نحقق شيئا يذكر.
الجزائرية أكبر من هذه المناسبة، فهي تضحي كل يوم، وليس فقط أثناء الثورة التحريرية، أو إبان فترة الإرهاب التي استهدفت أول من استهدفت النساء، معلمات وطبيبات، صحفيات وطالبات، وحتى تلميذات صغيرات ذبحن أمام أقسامهن. الجزائرية تكافح يوما أزمات ضيق السكن، وغلاء الأسعار، والابن الذي بلغ سن الزواج. لكن ما في اليد حيلة، فلا سكن ولا مدخول يسمح له بالاستقلال بحياته، والتي تشد يوميا على بطنها، لأن ابنها هدد إما بحرق نفسه، أو بالحرڤة في قوارب الموت، وتلك التي لم تقو على منعه من خوض مغامرات الموت، والأخرى التي تصلي صباحا مساء كي يحفظ الله الجزائر من المكايد، وهي ترى ربيعا عربيا أزهر دماء وجثثا.
كفاح الجزائرية لا يتوقف عند حد، أو مشكلة أو أزمة بعينها، كفاحها مستمر، باستمرار أزماتها، وباستمرار أحلامها وكوابيسها، وباستمرار أملها في غد آمن مستقر.
إلى هؤلاء اللواتي أنستنا إياهن ومعاناتهن أنانيتنا، تحية تقدير كل يوم وليس فقط في هذا اليوم...