أمانة الكلمة والصوت
بقلم فضيلة الشيخ :- محمد خلف
____________________________________
الحمد لله رب العالمين ، الذي خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأنعم علينا نعما لا تعد و لا تحصى ومنها نعمة اللسان والبيان فقال سبحانه :" {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ }[الرحمن 1-4 ] ، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، خير من حفظ النعم وصانها ، وشكر ربه عليها ، وخير من بين للناس خطورة أثر الكلمة واللسان إيجابا أو سلبا ، خيرا أو شرا فقال : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ " وفي لفظ " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والمغرب "البخاري ( 6477)
والحديث يدل على أن الإنسان قد يتكلم كلمة – من الخير - لا يتدبرها ، ولا يتفكر في أثرها الحسن يدخل بها الجنة ، وذلك ككلمة التوحيد ، أو شهادة الحق ، أو أمر بمعروف ،أو نصح ونحو ذلك.
كما يدل الحديث على أن الإنسان قد يتكلم كلمة – من الشر - لا يتدبرها ، ولا يتفكر في قبحها ، و لا يخاف ما يترتب عليها فيزل بها و ينزلق بسببها ، ويقرب من دخول النار أبعد مما بين المشرق والمغرب - وقد يكون ذلك كناية عن عظم أثرها - وهذا كالكلمة الوشاية عند السلطان وغيره من الولاة ، وكالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ، وشهادة الزور ، ونحو ذلك .
____________________________________
لذلك كثرت النصوص في شأن الكلمة لما يترتب عليها من أثر بالغ ليس على الفرد وحده بل على من حوله في المجتمع بأسره ، وتعال معي لترى نموذجا آخر لعظم شأن الكلمة التي تخرج من ضمير الإنسان وداخله فتجري على لسانه أو في كتابته على قرطاسه – كتابه وورقه.
وفي الحديث : عنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ البخاري ( 6474 )
____________________________________
فلا عجب إذن أن ينظر الشرع الحنيف إلى أبعد من ذلك فيهتم بتهذيب الرقابة الداخلية في الإنسان التي بسببها تكون كلماته وشهادته فترى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يربط بين الكلمة والإيمان كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ " [ البخاري ( 6018 ) ، ومسلم ( 182 ) وغيرهما ]
ولو تدبرنا :( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر )، ماذا يصير في الدنيا؟ كلمة بسيطة: ( فليقل خيراً أو ليصمت )، وهذا يعطي المسلم مدى خطورة الكلمة التي يتكلم بها، فإذا كنت بهذه المثابة من الإيمان بالله وباليوم الآخر، فانتبه أخي وحاذر من الكلمة التي تتكلم بها، وانظر ماذا تقول؛ لأنك ستسأل عنه كما قال ربنا : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق:18]
كما جاء في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه، عندما قال له صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروته وسنامه ؟ قلت بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه و قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به ؟ فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم [ الترمذي ( 2616 ) وقال حديث حسن صحيح]
وبعض السلف كان يخرج لسانه ويمسكه ويقول: اتعبتني، وفي بعض الآثار أن الإنسان حينما يصبح فكل الأعضاء تناشد اللسان أن يقيها النار، وتخاطب اللسان وتقول: اتق الله فينا! ويقول علماء التربية الإسلامية: كل عضو خارجي مفتوح ما عدا اللسان فعليه قفلان: فك الأسنان والشفتان، فاحذر أن يتفلت منهما، فقد يصاب الإنسان ويقتل بكلمة يقولها بلسانه، وقد تنجو أمة بكلمة أو تهلك بكلمة ، وقد قال الشاعر الحكيم :
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى .....إن البلاء موكل بالمنطق
وقال ربنا جل وعلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " [ الأحزاب : 70 و71 ]
____________________________________
أخي الكريم :- هل الصوت في الانتخابات إلا كلمة ، وشهادة ، فإن أمعنت النظر ، وفكرت ودبرت ، وأفرغت وسعك لمساندة الحق وأهله كانت كلمتك كلمة حق وشهادة عدل وصدق تثاب عليها وئؤجر ، وإلا كانت شهادة زور وباطل وعندئذ تؤزر ، وقد قال الشاعر الحكيم قديما :
ولا تكتب بخطك غير شيء ..... يسرك في القيامة أن تراه
ولا تكن داعية إلى عصبية, ولا إلى من يسكن بجوارك ولا إلى من هو من بلدتك, لتكن إلى من تعلم أنه ينصر دين اله, ويسعى لخير هذه الأمة, ويدافع عن مقدسات المسلمين, ويسعى للتمكين لدين الله في الأرض, وتراه طاهراً من الخيانة والغش والرشوة, كن داعية لمن تتقرب بشهادتك له إلى الله تعالى.
وفي الحديث عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَبَائِرِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ [ البخاري ( 2653 ) ]
و عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ [ البخاري ( 2654 ) ]
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ [ البخاري ( 6057 ) ]
وهل الزور إلا الكذب والميل عن الحق ؟! .. فعلنا أن نراقب الله وحده في كلامنا وأصواتنا "وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:225], " وَيُحَذّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [البقرة:28، 30].
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد وقد قال ربي : "فَذَكّرْ بِالْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45]، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد.