عندما فقدت روحي.. وعندما بلغت الأربعين !
المنشاوي الورداني
كان القارئ يقرأ :- ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه و أصلح لي في ذريتي إني تبت إليك و إني من المسلمين ) فسألتني - وقد جهزت لي طعاما كان أحلى طعام أكلته في حياتي حتى كنت أعجب وأقول سبحان الله .. ما هذا الطعم الساحر:- الحمد لله على نعمة أمي .. وكفى بها نعمة ! –
سألتني كم عمرك الآن ؟!
فتعجبت في نفسي من السؤال .. ولماذا تسألنيه أمي هذا اليوم.. ورفعت وجهي إلى وجهها الذي كانت تكسوه الأنوار والبريق .. ليس بحكمي أنا.. فأنا ولدها .. وقد أثني عليها.. ولكن .. هكذا قال كل من يعرفها.. ومن جاورها مدة من الزمن قبل موتها.. ولم لا.. ولقد كانت صوامة قوامة.. وما أراني فارقتها قبل الانتهاء من الطعام متوجهاً إلى عملي.. إلا على مشهدها وهي تقرأ كتاب ربها.. وقد كانت أمي عجيبة في ذلك .. تنتهي من ختمه كل أسبوع.. فماتت في اليوم التالي - وأنا أوقظها صباحاً - على ما عاشت عليه.. كانت صائمة.. ليوم الاثنين الذي كانت تحرص عليه.. والمصحف في حضنها.. والمسبحة في يدها... وهنا علمت مغزى السؤال.. كم عمرك الآن؟. وقد كنت قلت لها .. اقتربت من الأربعين.. يا أمي.. قالت :- عندما تبلغ الأربعين قل هذه الآية. فكانت هذه آخر وصية أوصتني بها أمي التي فقدتها منذ شهور.. أتذكرها كل يوم عشرات المرات بانفطار القلب وجزع النفس وألم البين.. ذلك أني بالفعل قد بلغت الأربعين منذ أسبوعين..
فأكتب مقالتي هذه في يوم الأم.. أقول هذا حالي عندما فقدت روحي.. وعندما بلغت الأربعين..مات سبب الكرم..وإذن الفضل الإلهي.. فكل من ماتت أمه فقد إكرام الله .. ولم يبق له إلإ العمل الصالح ليعود الكرم من جديد : فقد قيل ( عندما تموت الأم ينادي المنادي : يا ابن آدم ماتت التي كنا نكرمك من أجلها فاعمل اليوم صالحا نكرمك من أجله..)