اليهود في شبه الجزيرة العربية وبدعة وحدة المنحدر
من الثابت في التاريخ أن اليهود كانوا يرتادون التخوم العربية منذ أقدم العصور، وذلك بحكم معيشتهم البدوية التي كانت تطلب التنقل الدائم بحثا عن الماء والكلأ، وكان العرب يحسنون معاملتهم عند نزولهم في مرابعهم ويسمحون لهم بعبور تخومهم رحمة بضعفهم وقلة عددهم.
وبفضل هذا الكرم العربي النبيل، توطدت الصلات بين بعض سكان التخوم الشمالية من العرب وبين اليهود، وأصبح اليهود أحرارا في تنقلاتهم ضمن المناطق العربية، ونزحت قبائلهم من البلاد الشمالية، حيث كان الآراميون يعتدون عليها إلى التخوم العربية ومنها إلى صحراء سيناء وما بعدها من البلاد، وهكذا تجمع اليهود في التخوم المصرية، ومن ثم عادوا يغزون البلاد الفلسطينية. فلما استتب لهم الأمر فيها جزئيا عمدوا إلى التضييق على القبائل العربية التي كانت تقيم فيها، فقام الصراع بين اليهود والعرب في فلسطين ودام طويلا وكان القتال سجالا وانتهى في عهد داوود عليه السلام بخضوع سعير وبعض العشائر العربية إلى النفوذ اليهودي مؤقتا.
ولما دارت الدوائر على اليهود وانهارت دويلتهم الهزيلة وتشتتوا في الأقطار المجاورة، التجأ قسم كبير منهم إلى القبائل العربية دون حرج وكأنهم ما تنكروا يوما لها وما ساموا إخوتها في القومية سوء العذاب، ولكن العرب تناسوا مواقف اليهود المخزية واحتراق دماء عشرات الألوف من إخوتهم الذين قتلهم القاضي جدعون وسواه من اليهود، وعملوا حسب تقاليدهم العريقة التي تحضهم على مناصرة الملهوف فقبلوهم في ضيافتهم وكأنهم من أخلص الأصدقاء فأصبحت البلاد العربية من المناطق التي كان اليهود يعتبرونها ملاذا لهم، يتوافدون عليها كلما مسهم الضر في مكان آخر.