الأستاذ الدكتور عبد المجيد بلعابد
يقول الله تعالى سبحانه وتعالى:{يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون. قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس و فيه يعصرون} 45/49 . صدق الله العظيم.
عندما نشئت المجتمعات البدائية كانت هناك تحولات جذرية قادتهم من اقتصاد البدو الرحل إلى اقتصاد يعتمد على الزراعة البدائية من جني لثمار و مزروعات. وكانت هناك بعض المشاكل منذ القدم حول التخزين بعد الجني و ما يلاحقها من إتلاف. أصبحت مشكلة النقص الغذائي التي تعاني منها الدول النامية من المشاكل التي تستأثر باهتمام الدارسين و الباحثين في مجال التنمية القروية أو الريفية باعتبار هذه الدول مستوردة للغذاء و تجد صعوبة في ضمان أمنها الغذائي، و مما يزيد مشكلة التغذية حدة ذلكم التزايد غير المتوازن مع الإنتاج الزراعي تبعا لتخلف هذه الدول ولعجزها عن توظيف التقنيات الحديثة في تطوير الإنتاج.
إن النمو الزراعي يستلزم بالأساس الزيادة في الإنتاج و الاستغلال الأمثل والأنجع للمنتجات الزراعية.
في عالمنا الحالي ان الخسارة بعد الجني تقدر ب %5 إلى % 10 من المنتوج العالمي من الحبوب. وهذه الخسارة قد تتعدى % 30 في المجتمعات المتأخرة تكنلوجيا ( المنظمة العالمية للزراعة و التغذية). في المغرب و الدول النامية الأخرى تشكل زراعة الحبوب إحدى الركائز للاقتصاد الوطني و تساهم ب 3/1الناتج الداخلي الزراعي الخام. إن المنتوج الوطني من الحبوب يتأثر مباشرة بالمتقلبات المناخية و كذلك بالتقانات الحية المستعملة للانتقاء الأنواع الجيدة و ذات المردودية العالية و يعد مفهوم تخزين البذور في السنابل حسب ما ورد في الآية الكريمة (سورة يوسف 45/49) نظاما أساسيا للحفاظ على الإنتاج في ظروف بيئية قاسية، و هذا ما يجمع بين الزراعة و تقنيات التخزين و الحفاظ على المنتوج، كما يعد هذا التخزين نظاما ثقافيا تخوض بواسطته الجماعات البشرية معركة حقيقية لضمان إعادة الإنتاج باتباع استراتيجية متنوعة (تقنية و سلوكية و اجتماعية) من أجل البقاء، و هو ما يسمى بتدبير الإنتاج.
و من أوجه الإعجاز في قوله تعالى و ما حصدتم فذروه في سنبله إفادة أن التخزين بإبقاء الحبوب في سنابلها هو أحسن التقنيات و الأساليب للحفاظ على الحبوب المحفوظة داخل السنابل من غير أن ينال منها الزمن.
إن الذي يوقفنا في الآية ملحوظتان علميتان:
أولهما، تحديد مدة صلاحية حبة الزرع في خمس عشرة سنة هي حصيلة سبع سنوات يزرع الناس و يحصدون خلالها دأبا و تتابعا و هي سنوات الخصب و العطاء، يليها سبع سنواة شداد عجاف هي سنوات الجفاف يليها سنة واحدة هي السنة الخامسة عشرة و فيها يغاث الناس و فيها يعصرون من الفواكه. و قد أفاد البحث العلمي أن مدة 15 سنة هي المدة القصوى لاستمرار الحبوب محافظة على طاقة النمو و التطور فيها.
و الثاني، طريقة التخزين وهو قوله تعالى فذروه في سنبله. و هي الطريقة العلمية الأهم في بحثنا.
في البداية الرسم رقم 1 يبين لنا مراحل نمو القمح و تطوره.
في هذه المراحل نستوحي قوله تعالى { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج منه زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب} فهذه المراحل المذكورة في كتاب الله هي الأدق في تطور الزرع وفي إطار ترك البذور أو الحبوب في السنابل حسب ما ورد في سورة يوسف "فذروه في سنبله قمنا ببحث تجريبي مدقق حول بذور قمح تركناها في سنبلها لمدة تصل إلى سنتين مقارنة مع بذور مجردة من سنابلها. و أظهرت النتائج الأولية أن السنابل لم يطرأ عليها أي تغيير صحي و بقيت على حالها % 100 (الصورة رقم 2).
العوامل المختلفة و التي تلعب دورا في تغيير أو فساد البذور.
إن عامل الزمن يدخل في سرعة تفاعلات التدهور و التمزق الذي يمكن من معرفة المدة القصوى للتخزين.
*الحرارة لها تأثير مباشر مهم في رفع الإرتجاجات الجزئية. إن ارتفاع الحرارة يؤدي إلى ارتفاع تصادم الجزيئات مما يسهل تفاعلات التدهور و التمزق.
* مقدار الأكسجين و ثاني أكسيد الكربون يدخل في طريقة الإستقلاب الحيهوائي و لاحي هوائي للمتعضيات المجهرية و الخلايا الحية للحبوب. هذا المقدار يلعب دورا كذلك في التفاعلات الأنزيمية و الكيميائية على مستوى الأكسدة.
* التمييه هو العامل الأكثر أهمية في تقنية التخزين و يعد القاعدة الأساسية لفساد الحبوب.
حفظ الجودة و النوعية للمواد الغذائية.
إن هدف استعمال التكنلوجيا في تخزين هي وقاية من جميع الوسائل التي قد تؤدي إلى ضرر خاصة في نوعية وجودة الحبوب. هذه الوسائل التكنلوجية يمكن أن تبقي القيمة الصحية والغذائية إلى درجة عالية. في هذا المصطلح للنوعية هناك مظاهر مختلفة يمكن استخلاصها
1. القيمة الغذائية.
في هذا الصدد غياب أو عدم وجود مواد سامة يشكل المعيار الأول و المهم عند الاستعمال للتغذية البشرية أو الحيوانية. و يحبذ التحقق من غياب التعفنات من بكتيريا و فطريات و بقايا المواد السامة المستعملة في الزراعة. إن معيار الجودة للتغذية من رائحة و ذوق و لون و تركيبة و نسجة الخ. للحبوب و بالخصوص للمواد الناتجة عن استعمال هذه الحبوب مثل عجينة الخبز.
2. القيمة التكنلوجية.
هذا النوع من القيمة يشكل القدرة على الاستعمال في الصناعات الأولية.
المواد و التقنيات المستعملة في البحث.
3. المواد الحية.
إن البحث الذي قمنا به كان على عينات من الحبوب بعد جني لسنة 1419ه لحبوب قمح صلب. 3 عينات استعملت هي بذور في سنابلها و بذور معزولة من سنابلها لمدة سنة و سنتات على التوالي. النباتات المنحدرة من هذه البذور استعملت في التجارب أيضا.
4. التقنيات
2.2) إنبات البذور
تبدأ العملية الأولى بإبادة الجراثيم بواسطة ماء جافيل لمدة 5 دقائق بعد ذلك تشللت 5 مرات بماء مقطر.ثم خضعت البذور إلى تبليل تحت ورقة مرشح جد مبللة بماء مقطر الكل في علبة بتري. الإنبات حصل تحت حرارة °C 25.
2.2) زرع النبيتات
النبيتات التي حصلنا عليها بعد إنبات البذور المذكورة سلفا نقلت إلى أصيص مملوء برمل معقم (يومين تحت حرارة 100 ). الإنبات قيد تحت حرارة °C 22 وِ16 ساعة من الضوء الاصطناعي. الوسط الزراعي متكون من العناصر المغذية الكاملة.
النبيتات المحصول عليها استعملت في دراسة النمو الجذعي و الجذري للنبات و كذلك لاستخلاص و معايرة صبغة اليخضور.
2.3) تفريق انفصال صبغة اليخضور.
في هذا الانفصال استعملنا التحليل الكروماتوغرافي على طبقة رقيقة من السليكا. التفريق حصل بواسطة محلول مكون من أثير البترول/ اسيتون/ البنزين بمقاديرأحجام 34/12/6.
النتائج
اهتممنا في هذه الدراسة إلى:
تأثير طريقة التخزين على نزاهة البذرة.
1. الحالة الصحية
بعد مضي سنتين من التخزين يمكننا أن نلاحظ بالعين المجردة حالة الحبوب في سنابلها و حالتها كذلك معزولة عن سنابلها. إن الصورة رقم 2 تبين لنا عدم التعفن من أي نوع كان لسنابل اختزنت في مكان لم تراعى فيه الشروط الصحية للتخزين و السنابل بقيت على حالها بنسبة % 100. مع العلم أن مكان التخزين كان عاديا و لم يراع فيه أي شرط من شروط الحرارة أو الرطوبة أو ما إلى ذلك
2. الوزن الطري
في هذا الإطار تبين أن البذور التي تركناها في سنابلها فقدت كمية مهمة من الماء و أصبحت جافة مع مرور الوقت بالمقارنة مع البذور المعزولة من سنابلها، و هذا يعني أن نسبة 20.3% من وزن القمح المجرد من سنبله مكون من الماء مما يؤثر سلبا على مقدرة هذه البذور من ناحية زرعها و نموها و من ناحية قدرتها الغذائية لأن وجود الماء يسهل من تعفن القمح و ترديه صحيا.
3. مقارنة القدرة الإنباتية
إن دراسة القدرة الإنباتية أاثبتت القدرة الفائقة و السرعة المتفوقة للإنبات بالنسبة للحبوب المخزنة في السنابل (الصورة رقم 2).
الصورة رقم 2. نمو بذور القمح أ: بقيت في سنابلها- ب: معزولة عن سنابلها لمدة سنة - ج : معزولة عن سنابلها لمدة سنتين
دراسة تأثير نوع التخزين على الحبوب و النباتات المنحدرة منها. في هذا الجزء من البحث اهتممنا بدراسة بعض مقاييس الشكل الخارجي و الفيزيولوجي للنبيتات المنحدرة من حبات قمح في سنابلها و حبات معزولة لمدة 1 سنة و 2 سنتين من سنابلها. وهذه المقاييس تتلخص في :
* نمو الجذوع
*نمو الجذور
*مقدار اليخضور
* القدرة التنفسية
هذه المقاييس تعطي بشكل دقيق مدى صحة النباتات. الصورة رقم 3 مكنت من مقارنة نمو نبتة منحدرة من حبة تركت في سنابلها لمدة سنتين و أخرى عزلت من سنابلها لنفس المدة. النتيجة توضح أن التخزين في السنابل مكن من إعطاء نمو جيد مقارنة مع أخرى معزولة عن سنابلها.
الصورة رقم 3. نبيتات منحذرة من بذور أ : في سنابلها لمدة سنتين
ب: معزولة عن سنابلها لمدة سنتين
و الرسم رقم 2 يثبت كذلك هذه النتيجة و يأكدها عند الجذور و الجذوع. إن سرعة النمو عند الجذوع و الجذور لنبات منحدر من حبات قمح تركت في سنابلها لمدة سنتين أهم و أكبر من النباتات المنحدرة من حبات قمح عزلت عن سنابلها لمدة سنتين مما يؤكد طريقة التخزين في السنبل و يبين أوجه الإعجاز العلمي في كتاب الله.
الرسم رقم 2. رسم بياني لنمو الجذور و الجذوع عند النوعين من البذور المستعملة أ : في سنابلها لمدة سنتين - ب: معزولة عن سنابلها لمدة سنتين
و موازاتا مع هذه النتائج قمنا بتقدير البروتينات و السكريات العامة التي توجد في البذور السنبلية. و الجدول رقم 1 يبين لنا أن البذور التي تبقى محفوظة في السنابل كميتها من البروتينات و السكريات العامة تبقى بدون تغيير أو نقصان أما البذور التي تعزل من السنابل فتتقلص كميتها بنسبة % 32 من البروتينات مع مرور الوقت بعد سنتين و بنسبة % 20 بعد سنة واحدة.
الجدول التبياني رقم 1. كميات البروتينات و السكريات العامة في بذور القمح التي بقيت في سنابلها و البذور التي جردت منها.
نوع البذور
سنبلية
معزولة عن سنبلها لمدة سنتين
كمية البروتينات
mg / g MS
2.25
1.7
كمية السكريات
mg/ g MS
29.24
29.75
أما في ما يخص تركبة اليخضور النباتي عند الأوراق فقد أكدت نتائج استخلاص اليخضور النباتي عند العينات الثلاث و نباتات منحدرة منها أن اليخضور أ و ب يوجد عند الثلاث عينات مع مقادير متشابهة و المقدار المهم يوجد عند حبات قمح تركت في سنابلها ( أنظر الصورة رقم 4). إن مقارنة تركيبة امتصاص الصبغة الكلية (اليخضور أ و ب) (الرسم رقم 3) يبين تشابه في قمة الإمتصاص الضوئي مجال اللون الأحمر عند اليخضور أ و ب فقط.
إن التحليل الأولي للمظهر الكروماتوغرافي في الصورة رقم 5 المحصل عليه في خلاصة الصبغة عند العينات الثلاثة السالفة الذكر يؤكد وجود ثلاثة مجالات على الأقل
مجال 1 : اليخضور ب لون أخضر مصفر Rf=0.44
مجال 2 : اليخضور أ لون أخضر مزرق Rf= 0.48
.مجال 3 : الجزريات لون أصفر Rf=0.96
مجالات أخرى تمت معرفتها و لكن غير مهمة.
النزاهة الغشائية
إن النزاهة الغشائية عند الحبوب قد قدرت بتتابع الموصلية الكهربائية في وسط حضانة مكون من ماء مقطر. هذه الدراسة تتمركز على العوامل التالية:
وضع النبات في وسط ناقص التوتر أو وسط إعادة تمييه يعطي انتفاخ مختلف عند الخلية مصحوبا بخروج غير عادي للإليكتروليت. إن كمية هذا الخروج يكون مقيد سلبيا بالقدرة على مراقبة أغشية الخلية و نفاذية الأيونات. إن قياس موصلية محلول الحضانة (في وسط إعادة تمييه) يمكن من إعطاء مقدار الأيونات في هذا المحلول. النتائج الأولية المحصل عليها اظهرت (الرسم رقم 4 ) ارتفاع موصلية وسط إعادة التمييه لجميع الحبات سواء في سنابلها او معزولة عن سنابلها لمدة سنة و لمدة سنتين. الرسم يبين منحنى هذلولي مع كفة حصلت بعد 5 ساعات من الحضانة.
الأرقام العليا تمكن من تقدير خروج الإلكتروليت الذي هو مهم عند الحبوب المعزولة من سنابلها مما يؤكد أن الأغشية الخلوية جد حساسة. أما الحبوب في سنابلها فلها موصلية كهربائية عادية.
الرسم رقم 3. مقارنة تركيبة امتصاص الصبغة الكلية
الصورة رقم 4. التحليل الأولي للمظهر الكروماتوغرافي
االرسم رقم 4. النزاهة الغشائية عند الحبوب قد بتتابع الموصلية الكهربائية
الرسم رقم 5. القدرة التنفسية عند حبوب معزولة من سنابلها لمدة سنتين و مخزونة في سنابلها .
أما بالنسبة للحامض النووي الريبوزي ARNm الرسول المشفرلانزيم ا لأميلاز α-amylase المستخلص من حبوب معزولة عن سنابلها مقارنة مع حبوب في سنابلها هو جد مهم في حبوب تحت إنبات في ظروف مناسبة وهي تركت من قبل في سنابلها مقارنة مع مثيلاتها معزولة من قبل عن سنابلها (الصورة أسفل).
الخلاصة
منذ العصور القديمة و المجتمعات البدائية تتخبط في بعض المشاكل التي تعيق تخزين المواد الغذائية. و القمح من الحبوب التي تم تخزينها على عدة طرق و منها ما ورد في كتاب الله فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون. و هذا مما علم الله يوسف من تأويل الأحاديث و النتائج المحصل عليها تؤكد الإعجاز العلمي في هذه الآية . و هذه الدراسة المتواضعة مكنت من معرفة المزايا الفيزيولوجية و سرعة النمو و ضعف الشدة التنفسية (الرسم رقم 5) عند الحبوب المخزونة في سنابلها بمقدار (182 µl/h/g ) يمكنها من المحافظة على طاقتها كليا بدون نقصان خاصة لما نعرف أن الشدة التنفسية مصحوبة دائما باستعمال السكريات و البروتينات مما يؤثر سلبا على طاقة النمو عند حبة القمح و سهولة التعفن و قياس الشدة التنفسية للحبوب بعد التمييه قد اقترحت لمعرفة مدى القدرة الصحية للحبوب و قابليتها للحياة.
إن تخزين الحبوب في السنابل كما ورد في القرآن الكريم أظهر نزاهة الأغشية عند الخلايا بعد دراسة خروج الإلكتروليت مع العلم أن وجود الجزريات بكمية مهمة عند النباتات المنحدرة من حبات القمح المعزولة من سنابلها يؤكد مقدرتها على النمو بواسطة مردود التركيب الضوئي مما يؤثر سلبا على قدرة النمو و المردودية. و أخيرا القيمة الغذائية عندما نتفحص كمية البروتينات و السكريات تؤكد أن الحبوب المخزونة في سنابلها لا تتأثر في كميتها مقارنة بانخفاض قد يصل ألى 30% من البروتينات عند الحبوب المعزولة من سنابلها. و هذا يتاكد في قول الله إلا قليلا مما تأكلون فكلمة قليلا تعني المدة الزمنية للتخزين بحيث عليهم أن ينزعوا من السنبل حاجاتهم الآنية فقط و هنا يكمن الإعجاز كذلك.
إعداد الأستاذ الدكتور. عبد المجيد بلعابد
جــــامــــعــــة محـــمــــد الأول
كـلــــيـة الـــعــلـوم