جاد سركيس
كلّ مناسبة،
كبيرة كانت أم صغيرة، لا بد لها أن تشهد بعض المفارقات أو الأحداث
المميّزة.. وطبعاً ليس هناك أفضل من بطولة أوروبا لتشهد العديد منها.
فاليورو في بولندا وأوكرانيا لم يشذّ عن
هذه القاعدة وشهد العديد من اللقطات المميّزة والطريفة في بعض الأحيان،
وسنقوم بسرد بعض هذه التفاصيل في هذا المقال ونلقي الضوء عليها ابتداءً من
ضربة البداية وحتى لحظة تتويج إسبانيا باللقب القاري الأبرز.
إثارة
الافتتاحلقد شهدت المباراة الافتتاحية ليورو 2012
في بولندا بين البلد المضيّف واليونان إثارة لا مثيل لها، حيث طرد الحكم
لاعبين اثنين من بينهما حارس مرمى بولندا فويزيتش تشيزني ولاعب منتخب
اليونان سوكراتيس باباستاتوبولوس، ولكن الأبرز من هذا أن لاعب اليونان
كاراغونيس أضاع ركلة الجزاء التي تسبّب بها تشيزني، إذ صدّها الحارس البديل
تيتون فور نزوله مانحاً بولندا نقطة التعادل الثمينة في مباراة شهدت
أحداثاً دراماتيكية.
هولندا
مُعضلة البطولةمنذ أوّل مباراة لها في البطولة ولغاية
خروجها من الدور الأوّل بدون نقاط، قدّمت هولندا مستوى حير الكثيرين من
النقاد والمحلّلين، إذ ظهرت بصورة باهتة وبفريق مفكّك، في ظلّ أحاديث عن
مشاكل لا تُحصى في غرف الملابس، وما فاجأ الجمهور الكروي هو أن هولندا كانت
من أبرز المرشّحين لحمل اللقب خاصة بعد مشوارها الرائع في التصفيات إلا أن
المنتخب البرتقالي خيّب أمل محبيه في جميع أرجاء العالم.
إسبانيا
دون مهاجم صريح!فاجأ مدرّب المنتخب الإسباني، حامل اللقب
في 2008 والذي حافظ على لقبه فيما بعد، فيسنتي دل بوسكي، كلّ المتابعين
بخوضه مجمل لقاءات البطولة دون وجود مهاجم صريح، كونه أراد السيطرة على خط
الوسط من جهة ولافتقاده لهدّافه الأبرز دافيد فيا بسبب الإصابة بالإضافة
لابتعاد فرناندو توريس عن مستواه منذ فترة طويلة.
ظاهرة
بالوتيلّيلو أردنا أن نبحث عن ظاهرة البطولة، فهو
بكل تأكيد مهاجم منتخب إيطاليا "غريب الأطوار" ماريو بالوتيلّي، فعلى مدار
المواجهات كافة ظهر هذا الشاب الفذّ بمستوى مميّز ليس فقط بأهدافه، بل
بردّات فعله الغريبة على جميع الصُعد.
ففي أوّل مباراة لإيطاليا في الدور الأوّل
أمام إسبانيا، استخلص بالوتيلّي الكرة من مدافع إسبانيا سيرخيو راموس وشقّ
طريقه نحو مرمى إيكر كاسياس بسرعة رهيبة قبل أن يبطئ من سرعته بشكل مفاجئ
ما سمح لراموس باستخلاص الكرة منه وإنقاذ إسبانيا من هدف محقّق، ليخرج
بعدها ويمنح مكانه لدي ناتالي الذي سجّل هدف التعادل من أول لمساته للكرة
وكان الهدف الوحيد في مرمى كاسياس في البطولة.
ولدى سؤاله عن الأمر لاحقاً صرّح
بالوتيلّي بأنه سمع هتافات عنصرية من الجماهير الإسبانية عندما كان متّجهاً
للمرمى ما شتت تفكيره ولم يعد يعرف ما يحصل، وذلك لكونه من أصحاب البشرة
السمراء وهو ما يؤثّر فيه كثيراً إذا ما حصل.
وفي ثاني لقطات بالوتيلّي المميّزة في
البطولة لا بد أن نذكر ردّة فعله الغريبة بعد تسجيله هدفه الأوّل، وذلك في
مرمى أيرلندا في الجولة الثانية من الدور الأوّل، فهو سجّل واتجه نحو
المدرّجات ومقاعد بدلاء إيطاليا، وبينما كان يهمّ بالاحتفال بتوجيه بعض
الألفاظ ومهاجمة كلّ من الجمهور الذي انتقده بعد ظهوره السيئ في أوّل
مباراة وبتوجيه بعض العبارات لمدرّبه تشيزاري برانديلّي، بادره مدافع
المنتخب وفريق يوفنتوس بونوتشي بوضع يده على فم بالوتيلّي كيلا يتفوّه بأي
حماقة يمكن أن تؤدي لعواقب وخيمة، وهذا دهاء يحسب لبونوتشي، الذي أنقذ
زميله ربما من انتقادات لاذعة أو حتى الإيقاف.
تألّق
لاعبي الـ سيتيزنزفي مباراة فرنسا وإنكلترا في الدور
الأوّل، التي انتهت بالتعادل 1-1، سجّل الهدفين لاعبان زميلان في فريق
مانشستر سيتي، إذ افتتح مدافع إنكلترا جوليون ليسكوت التسجيل لفريقه، قبل
أن يمنح الفرنسي سمير نصري فريقه التعادل لاحقاً.
مباراة
عاطفية بامتياز لشيفتشنكولقد كانت أوكرانيا مستضيفة لليورو رفقة
بولندا، وفي مباراتها الافتتاحية في المجموعة أمام السويد تألّق مهاجمها
المخضرم أندري شيفتشينكو صاحب الـ 35 عاماً بتسجيله هدفي اللقاء، بعد أن
راهن الكثيرون على على عدم تألّقه وبُعده عن مستواه، إلا أن عزيمته على
إنهاء مسيرته الدولية بأفضل طريقة ممكنة حملته للتألّق في المباراة ولو أن
الإصابة أجبرته بعد ذلك على تقديم مستوى عادي في المباراتين الأخريين.
أخطاء
الكبارعندما يخطئ حارس مرمى بحجم بيتر تشيك أو
مهاجم بحجم كريستيانو رونالدو فذلك أمر لا يمكن تصوره.
بيتر تشيك أفلت كرة من بين يديه، عندما
كان يهمّ لالتقاطها وأهداها سهلة لمهاجم اليونان سالبينغيديس، الذي
استثمرها وسجّل منها هدفه في مرمى تشيكيا ولو أن المباراة انتهت فيما بعد
بفوز تشيكيا 2-1.
أما كريستيانو رونالدو فقدّم أسوأ
مبارياته في هذه الدورة أمام الدنمارك إذ تفنّن في إضاعة الكرات بشكل غريب،
ومن بينها انفرادان صريحان أمام المرمى سدّدهما خارج الخشبات الثلاث، قبل
أن ينقذ رأس رونالدو البديل فاليرا بتسجيله هدف الفوز للبرتغال 3-2 ومنحها
من جديد فرصة بلوغ رُبع النهائي.
مزحة
يواكيم لوففي مباراة ألمانيا وهولندا في المجموعة
الثانية من الدور الأوّل، لفت الأنظار ما فعله مدرّب ألمانيا يواكيم لوف،
عندما قام من مقعده واتجه نحو أحد الأطفال حاملي الكرات وأطاح له الكرة من
بين يديه، ولدى التفات الطفل إليه تظاهر لوف بعدم علمه بالموضوع قبل أن
يعود ويطبطب على رأس الأخير مع ابتسامة خفيفة.
عودة
توريس للتهديفبعد غياب طويل عن زيارة المرمى عاد
فرناندو توريس ووجد طريقه نحو الشباك بتسجيله هدفين لفريقه في مرمى جمهورية
أيرلندا في دور المجموعات قبل أن يعود ويتوّج في آخر البطولة هدّافاً لها
برصيد ثلاثة أهداف وبفارق التمريرات الحاسمة عن رونالدو وبالوتيلّي وغيرهم
ممن يملكون نفس الرصيد.
أما لقطة زميله دافيد سيلفا في نفس اللقاء
فكانت الأبرز عندما سدّد الأخير الكرة خفيفة من بين أقدام 3 لاعبين
أيرلنديين لتخدعهم وتخدع الحارس شاي غيفن وتدخل مرماه.
ألمانيا،
العلامة الكاملةبعد انتهاء الدور الأوّل الغني بالأهداف
والمفاجآت والإثارة، كانت واقعية الألمان هي أبرز عنوان إذ أنهم كانوا
الوحيدين الذين تأهّلوا لربع النهائي بالعلامة الكاملة بثلاث حالات فوز
الأولى على البرتغال (1-0) والثانية على هولندا (2-1) والثالثة على
الدنمارك (2-1).
هدف
مُلغى يسيل حبر الصحافةشهدت مباراة إنكلترا وأوكرانيا ضمن الدور
الأوّل بالمجموعة الرابعة، إلغاء هدف صحيح لأوكرانيا في مرمى جو هارت، بعد
أن أخرجها مدافع إنكلترا جون تيري من قلب المرمى دون أن يتمكن حكم الراية
أو حكم الخط الذي يقف جنب المرمى أو حتى حكم الساحة من تحديد إذا ما دخلت
الكرة أم لا، ولكن الإعادة التلفزيونية أثبتت تخطّي الكرة لخط المرمى ما
فتح الباب أمام عودة النقاشات حول إقرار استعمال تكنولوجيا خط المرمى.
السويد
تخرج مرفوعة الرأسلقد كان منتخب السويد أبرز الخاسرين في
هذه البطولة، فبالرغم من عدم تأهّله لرُبع النهائي إلا أنه أثبت علو كعبه
وقدّم مستوى كروياً مميّزاً وفي آخر مبارياته في الدور الأوّل أمام فرنسا
استطاع السويديون أن يحقّقوا الفوز على فرنسا لأوّل مرّة منذ 43 عاماً.
لا بل أكثر من ذلك فقد سجّل يومها المهاجم
الرائع زلاتان إبراهيموفيتش هدفاً لا ينسى في مرمى لوريس وقد يكون أجمل
هدف في البطولة على الإطلاق، عندما ارتمى لكرة عرضية وسدّدها مقصية طائرة
من وضع النائم لتشق طريقها نحو الشباك الفرنسية.
ويومها لفت الأنظار كيفية احتفال الجمهور
السويدي بمنتخبه وبالفوز وبتوديعه لأبطاله بلقطة جميلة، وكأن المنتخب قد
فاز باللقب، فعندما اتجه اللاعبون للمدرجات لشكر الجمهور رد الأخير بتحية
الشكر أيضاً على طريقة الانحناءة المسرحية.
بيرلو
وراموس على طريقة بانينكافي الوقت الذي لم تستطع به إنكلترا أن
تفكّ عقدتها مع ركلات الترجيح، فقد كان بيرلو "الأستاذ" هو مَن حمل إيطاليا
للفوز على الإنكليز في رُبع النهائي وخاصة بروحه القيادية في الميدان،
عندما رفع معنويات فريقه بتسديدته لركلة الجزاء خاصته على طريقة التشيكي
بانينكا خفيفة وساقطة في وسط مرمى جو هارت.
وحذا حذو بيرلو أيضاً ولكن في نصف النهائي
أمام البرتغال، مدافع إسبانيا وريال مدريد سيرخيو راموس بتسديده ركلته
الترجيحية خفيفة وساقطة أيضاً ليردّ بها على كلّ المشككين حول قدرته على
تنفيذ ركلات الترجيح بنجاح، خاصة بعد أن كان تسبب بخروج فريقه الريال من
نصف نهائي بطولة أوروبا أمام بايرن ميونيخ بركلات الترجيح بعد أن أطاح
بالكرة فوق المرمى.
ألمانيا
وعقدتها الإيطاليةكرّست إيطاليا حقيقة أنها عقدة الألمان في
الآونة الأخيرة، بعد أن أسقطت أفضل فرق البطولة في نصف النهائي 1-2، خاصة
بعد أن كان مستوى ألمانيا مميّزاً خلال الأدوار الأولى وربع النهائي، إلا
أن هشاشة دفاعها وتألّق بالوتيلّي حرم الألمان من الوصول للنهائي وهم
الفريق الأبرز الذي كان مرشّحاً للقب.
ومن مفارقات النهائي أن الفريقين اللذين
تأهلا هما من نفس المجموعة (المجموعة الثالثة من الدور الأوّل) أي إسبانيا
وإيطاليا.
نهائي "تراجيدي"لم يأت نهائي يورو بولندا وأوكرانيا على
قدر التوقّعات إذ كان من جهة واحدة لمصلحة إسبانيا، لكن سوء الحظ والظروف
هو من جعل إيطاليا تظهر بثوب الفريق الضعيف في هذا النهائي القاري وتخسر
برباعية نظيفة.
الفريق الإيطالي وصل للمباراة منهكاً ولعب
بشكل سيئ، ولا شك أن تلقّيه لهدف مبكر عجّل بسقوطه وبشكل أخص بعد إصابة
مدافعه الأبرز جورجيو كيلّيني واستبداله في الشوط الأوّل، بالإضافة
لاستبدال كاسانو غير الموفق بدي ناتالي.
لكن الضربة الأبرز كانت مع بداية الشوط
الثاني بدخول تياغو موتا بديلاً وإصابته، مما استدعى أن تلعب إيطاليا
منقوصة من لاعب طيلة فترة هذا الشوط، من هنا كانت النتيجة العريضة لإسبانيا
(4-0) بهدفين في الشوط الأوّل ومثلهما في الشوط الثاني.
ماتا
يسجّل في أوّل دقائق يلعبهاومن مفارقات هذا النهائي أيضاً تسجيل خوان
ماتا، لاعب تشلسي، لهدف إسبانيا الرابع وذلك في الدقائق المعدودة الوحيدة
التي يلعبها في هذه البطولة، إذ كان دخل بديلاً في النهائي لأوّل مرة في
البطولة في الوقت الضائع، والفضل في هدفه يعود لتوريس الذي مرّره له ولم
يكن طامعاً في التسجيل.
كاسياس..
قمة في الاحتراملعل أبرز اللقطات التي ستظلّ حاضرة في
تاريخ اليورو هي لحارس مرمى إسبانيا وريال مدريد إيكر كاسياس، الذي دعا حكم
لقاء النهائي لإنهاء المباراة بعد تسجيل هدف إسبانيا الرابع وذلك احتراماً
منه لمكانة منتخب إيطاليا "الجريح".