[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]يعيش الشيخ لخميسي وأخته الربعية حياة غريبة، بسبب إعاقة نادرة أرغمتهما على المشي حبوا على الأربع كالقطط والحيوانات رباعية الأرجل، فلا يمكنهما التحرك إلا بالارتكاز على اليدين والرجلين، في مشهد غريب لازمهما منذ أكثر ستين سنة.
بلخيري لخميسي والربعية، شقيقان يبلغان من العمر 66 سنة و62 سنة على التوالي، يقطنان ببلدية أولاد سلام بباتنة، وبالضبط بالمنطقة الحدودية المحاذية لولاية سطيف. لما ولد الشيخ لخميسي سنة 1946، كان يبدو من الوهلة الأولى أنه عادي، لكن بعد حوالي عامين لوحظ بأنه عاجز عن الوقوف والسير كبقية الأطفال، فلم يكترث والداه للأمر، ظنا منهما أن لديه تأخرا في المشي مثل العديد من الأطفال، لكن المفاجأة جاءت لما أدرك الرابعة من عمره، فأصبح الطفل يسير ويمشي لكن على الأربع، وأحيانا يقفز كالقط، فاستغرب والداه للأمر، وعند عرضه على طبيب تبين أنها إعاقة ستلازمه مدى الحياة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تبين أيضا أن أخته الربعية التي تصغره بأربع سنوات تعاني من نفس الإعاقة، والغريب أنها سميت الربعية فكانت في الواقع تسير على الأربع. فالاثنان لم يتمكنا من استعمال رجليهما كباقي الناس، ولم يتمكنا من الوقوف منذ أكثر من ستين سنة. وطيلة هذه المدة لم يرفعا رأسيهما إلى السماء أثناء السير، بل عليهما التنقل بوجه يقابل الأرض، ولا يلمحان أي شيء آخر . الحياة صعبة جدا بالنسبة لهذين الشقيقين، فلما كان عمي لخميسي في ريعان شبابه، حاول العمل لكسب قوت يومه، فلم يتمكن من ذلك لأن الحرفة الوحيدة في ذلك الوقت تقتصر على الفلاحة، وهو النشاط الذي استعصى عليه، فكان يكتفي بقلع الحشائش الضارة، وحتى هذه المهمة تم إعفاؤه منها، لأنه وجد صعوبة في أدائها. ومع مرور السنين توفي الوالدان والإخوة، وشاء المولى تعالى أن يبقى لخميسي والربعية بمفردهما بمنزل متواضع، ولم يبق لهما من الأقارب سوى ابن أخيهما ،الذي يقطن في مسكن مجاور، وهو الوحيد الذي يتكفل بهما ويقضي لهما حوائجهما.
ومن حسن الحظ أنه ابن الأخ والجار في آن واحد. وفي الوقت الحالي لا يمارس عمي لخميسي أي وظيفة، وليس له مدخول سوى المنحة التي تركها له والده، وبالتالي يقضي النهار في التحرك بصعوبة قرب المنزل، وإذا تعب يستسلم لهواية الجلوس عند عتبة الدار، وهو "الروتين" القاتل الذي استمر لأكثر من ستين سنة. وأما أخته الربعية فتبدو أكثر نشاطا منه، فهي تقوم بطهي الطعام إن وجد، وتنظف المنزل المكون من غرفة واحدة، ومن حسن حظها أن وضعيتها تتناسب مع تنظيف الأرضية، وهي تستعمل المكنسة بدون عصا، فتزيل الغبار دون أن تقوم من مقامها.
والغريب أن الاثنين يفضلان التنقل بأقدام حافية، فهما لا يتحملان الأحذية، فإذا لبساها سرعان ما يتخليان عنها لأنها تعيقهما في التحرك، ولنا أن نتصور أنهما يسيران على الأيدي والأرجل الحافية حتى في فصل الشتاء، فيقطعان البرك والأوحال، ولذلك تشققت أطرافهما وأصبحت شديدة الصلابة. والملفت للانتباه أنهما لم يصابا بأي مرض، ولم يزورا الطبيب طيلة حياتهما، وهي الحقيقة التي يؤكدها لنا ابن أخيهما الذي يتولى خدمتهما، فيقول بأنهما تعودا على هذه الحياة، وهما يتدبران أمرهما بنفسيهما، وما عليه سوى مساعدتهما في شراء بعض اللوازم، لأنهما لا يقدران على التنقل إلى المدينة التي لا يزورانها إلا من أجل القيام ببعض الإجراءات الإدارية، فيضطر ابن الأخ إلى كراء سيارة للتنقل إلى وسط المدينة، وبمجرد أن ينزلا للدخول إلى مركز البريد أو مقر البلدية، يستغرب الناس لطريقة مشيهما.
هذه الحال التي ميزت عمي لخميسي وأخته الربعية عن أهل المنطقة، زادها الفقر تعقيدا، فمدخولهما ضئيل ومسكنهما لا يعدو أن يكون كوخا من الطوب المغطى بصفائح الأميونت (الترنيت)، ويتكون من غرفة واحدة تفتقد لأدنى المستلزمات. والشقيقان لا يملكان كرسيا متحركا، وحسب ابن أخيهما فإن مصالح الشؤون الاجتماعية قامت بزيارتهما، وصرح أحد ممثليها بأنهما لا يحتاجان لكرسي متحرك، لأنهما يقطنان بمنطقة ريفية، ولا يمكنهما استعماله في هذه المنحدرات، لكن بالنسبة لابن الأخ، فالكرسي المتحرك ضروري على الأقل إذا تنقل بهما إلى وسط المدينة يستعملانه لدخول مختلف الإدارات، كما يناشد محدثنا السلطات المحلية للتدخل من أجل برمجتهما ضمن المستفيدين من السكن الريفي، لأنهما يقطنان في كوخ لا يقيهما من الحر ولا القر.
هذه هي إذن حياة عمي لخميسي وأخته الربعية، إعاقة نادرة وفقر مدقع في منطقة تجاوزت الخط الأحمر من الحرمان، والاثنان لا يحلمان إلا بكرسي متحرك ومسكن لائق يخفف عنهما معاناتهما الأبدية.