في سبيل الإستعداد لرمضان
لابد من إستقبال شهر رجب وشعبان بما يليق بهما
ولشهر رجب مكانة لكونه من الأشهر الحرم التي عظمها الله وشرفها
وفي هذا البحث نتعرف على الأشهر الحرم وكيفية التعبد في أيامها ولياليها
ففيه تعظم الأجور والذنوب أيضاً فالأمر إذا خطير وجدير بالدراسة والعلم والعمل
فنقول وبالله التوفيق : -
الأشهر الحرم
هي أربعة أشهر كما قال الله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمٰوٰت وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36].
وقد فصّل النبي صلى الله عليه وسلم ما أجمله القرآن، وبيَّن أن هذه الأشهر هي:
رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الزمان قد
استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث
متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان))[1].
وأكَّد حرمة شهر ذي الحجة فقال في حجة الوداع: ((أي شهر هذا؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
((شهر حرام))، قال: ((فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في
شهركم هذا، في بلدكم هذا))[2].
وذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة، وذلك في قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ
وَالْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ} [البقرة:194].
فالآية نزلت في حبس قريش للمسلمين عام الحديبية عن البيت في شهر ذي القعدة الحرام، فاعتمر
صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء في السنة التالية في شهر ذي القعدة[3].
وسُمي رجب برجب مضر لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت
مضر تحرم رجباً نفسه، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الذي بين جمادى
وشعبان)) ليرفع ما وقع في اسمه من الاختلال[4].
كما كانت العرب تسميه: منْصِل الأسنة، فعن أبي رجاء العطاردي قال: فإذا دخل شهر رجب قلنا:
منْصِل الأسِنَّة، فلم ندع رمحاً فيه حديدة ولا سهماً فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه[5].
وكانوا يسمونه أيضا رجب الأصم لسكون أصوات السلاح وقعقعته فيه[6].
والأربعة الحرم حرمها العرب في الجاهلية، وسبب تحريمهم القعدة والحجة ومحرم هو أداء شعيرة الحج،
فكانوا يحرمون قبله شهراً ليتمكنوا من السير إلى الحج ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم
يحرمون ذا الحجة وفيه أداء مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهراً ليعودوا إلى ديارهم. وحرموا
شهر رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعمار، فيأمن قاصد البيت الغارة فيه[7].
وقد كانت بعض العرب تحرم ثمانية أشهر، وهم طائفة يقال لهم: البَسل[8].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((استدار كهيئته))، قيل: إنه تثبيت منه صلى
الله عليه وسلم لعدة الشهور ومحلها، إذ كانت العرب تحج أكثر سنيها في غير ذي
الحجة، وقد وافق حج النبي صلى الله عليه وسلم حجهم في ذي الحجة.
وقال ابن كثير: "أي الأمر اليوم شرعاً كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم خلق السموات والأرض"[9].
وهو الصحيح لأن الصديق عندما حج إنما حج في ذي الحجة، وقد سماه الله الحج الأكبر، فالنسيء
إنما كان في تأخير حرمة الشهر الحرام من محرم إلى صفر أو غيره، لا في تغيير أسماء الشهور[10].
ما جاء في القرآن عن حرمة الأشهر الحرم:
قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمٰوٰت وَالأرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [ التوبة:36].
قوله: {عِندَ اللَّهِ} قال البغوي: أي في حكم الله، وقيل: في اللوح المحفوظ[11].
قوله: {فَلاَ تَظْلِمُواْ} فسروا الظلم بأنه فعل المعاصي وترك الطاعات، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئاً
من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة،
فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح.
قال قتادة: "العمل الصالح أعظم أجراً في الأشهر الحرم، والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً".
وقال ابن عباس: (يريد استحلال الحرام والغارة فيهن).
وقال محمد بن إسحاق: "لا تجعلوا حلالها حراماً، ولا حرامها حلالاً كفعل أهل الشرك، وهو النسيء".
قوله: {فِيهِنَّ} قال البغوي: ينصرف إلى جميع شهور السنة، ونقل ذلك عن ابن عباس، وقيل: أي
الأشهر الحرم ومال إليه ابن كثير، وقال: "لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في
البلد الحرام تضاعف وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام".
قال ابن العربي: "المسألة السابعة: قوله تعالى: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} فيه قولان: أحدهما: لا
تظلموا أنفسكم في الشهور كلها، وقيل في الثاني: المراد بذلك الأشهر الحرم.
واختلف في المراد بالظلم على قولين أيضا: أحدهما: لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهن، وقيل:
بارتكاب الذنوب فيهن; فإن الله إذا عظم شيئا من جهة صارت له حرمة واحدة, وإذا عظمه من
جهتين أو من جهات صارت حرمته متعددة بعدد جهات التحريم, ويتضاعف العقاب بالعمل السوء
فيها, كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها; فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام
والمسجد الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال. وكذلك العصيان
والعذاب مثله في الموضعين والحالين والصفتين; وذلك كله بحكم الله وحكمته.
وقد أشار تعالى إلى
ذلك بقوله: {ياٰنِسَاء النَّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} لعظمهن
وشرفهن في أحد القولين"[12].
إذا يتضح لنا مكانة هذا الشهر الحرام وكيف تضاعف وتعظم فيه السيئات والحسنات
فلا نظلم أنفسنا بالغفلة عن هذا ..
والله الهادي لسواء السبيل