الفتق الكوني - نظرية الإنفجار العظيم بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل في
07-11-2009
أرسل
لي أحد الإخوة الأفاضل (جزاه الله خيراً وكل من يساهم معنا ولو بمعلومة
نافعة) ببحث جديد نشر على موقع science news بعنوان: From Dark Matter to
Light أي: من المادة المظلمة إلى الضوء، وهذا البحث نشر أساساً على مجلة
Astrophysical Journal والذي لفت انتباهي أن الباحثين مقتنعون اليوم تماماً
أن هناك خيوط كونية تتوضع عليها المجرات، وهذه الخيوط تتباعد عن بعضها
تماماً كما تتباعد خيوط النسيج!!
ولكن دعونا نقف لحظة عند قوله تعالى:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ
حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]. (
الرتق) في اللغة هو عكس (
الفتق)، وفي معجم القاموس المحيط: فتقه أي شقَّه،
وهاتين الكلمتين تُستخدمان مع النسيج، فعندما يمزق النسيج ويباعد بين خيوطه
نقول (
فتق الثوب)، والرتق هو
العكس، أي جمع وضم هذا النسيج.
وفي تفسير ابن كثير:
"ألم يروا أن
السموات والأرض كانتا رتقاً أي كان الجميع متصلاً بعضُه ببعض، متلاصق
متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر".
إذاً فهم ابن كثير من الآية أن الكون (السموات والأرض) كان عبارة عن
مادة متلاصقة متقاربة من بعضها متراكمة فوق بعضها، وطبعاً هذا كان في بداية
الخلق. ثم باعد الله بين السماء والأرض وفصل بينهما.
ولو تأملنا ما جاء في البحث السابق نرى بأن الباحثين يتحدثون بدقة عما
تحدث عنه ابن كثير!! فهم يقولون إن الكون في بداية أمره كان عبارة عن مادة
على شكل نسيج متقارب ومتراكم بعضه فوق بعض، ثم بدأت خيوط هذا النسيج تتباعد
خلال بلايين السنين.
والعجيب أنهم صوَّروا هذه العملية (أي عملية الفتق وتباعد خيوط النسيج)
باستخدام السوبر كمبيوتر، ووصلوا إلى نتيجة شبه يقينية أن خيوط النسيج
الكوني تتباعد عن بعضها باستمرار تماماً كما تتباعد خيوط القماش نتيجة
تمزقه!
صورة تبين
لنا بواسطة الكمبيوتر أن الكون في بداياته (450 مليون سنة بعد خلقه) كان
عبارة عن خيوط من المادة متماسكة ومتقاربة مثل خيوط القماش (الصورة
اليمنى)، ثم بدأت هذه الخيوط بالتباعد وكأننا نمزق هذا القماش والصورة
اليسرى تصور لنا الكون بعد 6000 مليون سنة من خلقه تأمل الفراغات السوداء
كيف كبُرت وكيف تتباعد الخيوط عن بعضها، وهذه الخيوط هي مجرات. والله أعلم.
تأملوا
معي الصورة اليمنى التي تمثل الخيوط الكونية، وتأملوا معي الصورة اليسرى
التي تمثل هذه الخيوط ولكن بعد فترة من الزمن، ونلاحظ أن الخيوط تتباعد
وكأننا أمام قطعة نسيج تنفتق وتتمزق ولكن بإحكام مذهل! ويلاحظ العلماء أن
المجرات تتدفق على طول الخيوط، باتجاه العقد في هذا النسيج، وكل نقطة مضيئة
في هذه اللوحة هي تجمع للمجرات، فتأملوا عظمة هذا الرتق الكوني! المرجع:
مختبر ماكس بلانك ألمانيا.
التفسير الحديث للآيةالقرآن نزل قبل 1400 سنة ولا زال المسلمون يحاولون فهمه وتدبره واستخراج
عجائبه، والقرآن مليء بالآيات الكونية، وهذه الآيات لا يجوز لنا أن نهملها
بحجة أنه لا يجوز تفسيرها بالنظريات العلمية، لأن المؤمن مطلوب منه أن
يتدبر القرآن باستمرار، وعندما يصل لآية كونية لا يجوز له أن يتجاوزها بل
يتفكر فيها لأنها جزء من القرآن.
فقد فسر علماؤنا في العصر الحديث هذه الآية على أنها تتحدث عن الانفجار
العظيم، وهي نظرية لم تثبت بعد ولكنها أفضل الموجود لتفسير نشوء الكون.
وملخصها أن الكون كان كتلة صغيرة ثم انفجر وتباعدت أجزاؤه ثم شكل الذرات
ومنها تشكلت النجوم والمجرات والشمس والقمر والأرض كما هو الوضع عليه
اليوم.
نظرية
الانفجار الكبير صحيحة جزئياً، فهي من حيث المبدأ صحيحة أي أن الكون كان
كتلة واحدة ثم انفصلت أجزاؤها مشكلة المجرات والنجوم والكواكب، ولكن يوجد
بها خطأ لأن الانفجار لا يُنتج النظام الذي نراه في الكون، بل الانفجار
ينتج الفوضى والدمار.
ولكن مشكلة هذه النظرية أنها لا تقول لنا من أين جاءت الكتلة الأولية؟
مَن الذي أحدث الانفجار؟ وكيف يمكن لانفجار عشوائي أن يخلق كوناً منظماً
بهذه الدقة الفائقة؟ ولذلك استأنس علماؤنا بهذه النظرية على الرغم من
عيوبها لأنها أفضل الموجود.
ولكن بعدما تطور العلم وبدأ العلماء يتحدثون عن الخيوط العظمى، وأن هذه
الخيوط من المادة كانت متماسكة وقريبة من بعضها في بداية نشوء الكون، ثم
بدأت تتباعد وفق نظام محكم يعتبره العلماء من أعظم الظواهر الكونية، هذه
النظرية الجديدة والتي هي أقرب للحقيقة اليقينية، لأنها مشاهدة، فالمجرات
تم رصدها في الكون ووضعها على شبكة ثلاثية الأبعاد على الكمبيوتر العملاق،
وطُلب منه أن يضع كل مجرة في مكانها فكانت المفاجأة للعلماء أنهم رأوا
خيوطاً من المجرات تتشابك وتتباعد عن بعضها عبر بلايين السنين.
ولذلك يا أحبتي نستطيع أن نقول إن وجود هذه الخيوط الكونية المتقاربة في
بداية الخلق هو الرتق الذي حدثنا عنه القرآن، وتباعد هذه الخيوط بنظام
محكم هو الفتق، وهكذا يتحقق معنى الآية لغوياً وتفسيرياً.
كيف فهم ابن عباس هذه الآيةهناك تفسير رائع لابن عباس رضي الله عنه يقول فيما معناه: كانت السماء
رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تُنبت، ففتق الله السماء بالمطر، وفتق
الله الأرض بالنبات. وبالفعل ثبُت علمياً أن الأرض كانت في بداية خلقها
ملتهبة لا تنبت، والغلاف الجوي لم يكن قد تشكل أي لا توجد أمطار، ثم تشكل
الغلاف الجوي للأرض وتشكلت الغيوم وبدأت السماء تمطر، وبدأت الأرض تنبت بعد
أن تبردت وتشكلت الجبال والأنهار والبحار.
هذه عظمة القرآن أن كل إنسان يستطيع أن يفهمه حسب ثقافة عصره، ولا نجد
أي تناقض في فهم كتاب الله تعالى وهذا ما حدثنا عنه القرآن بل أمرنا
بالتدبر من أجله، يقول تعالى:
(أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
هل هناك تناقض في القرآن؟وهنا أود أن أتوقف معكم لأقول يا أحبتي: لا مشكلة إذا أخطأ مفسر في
تفسير آية، لأن القرآن هو الحقيقة المطلقة التي لا تتغير، أما التفسير فهو
يمثل فهم البشر للآية. وبما أن الناس يختلفون في مستوى فهمهم وبما أن العلم
يتطور فلابد أن يكون هناك تطور في التفسير، وهذا لا يسيء للقرآن، بل يؤكد
على أن هذا القرآن مناسب لكل عصر من العصور، لأنه لا يوجد كتاب على وجه
الأرض (إلا القرآن) يمكن تفسيره بشكل منطقي وبما يتفق مع العلم مهما تطور
العلم!
وفي هذا رد على من ينكر الإعجاز العلمي بحجة حرصه على القرآن، فالأخطاء
التي تصدر من البشر تبقى للبشر، ويبقى القرآن منزهاً عن الخطأ. والمؤمن إذا
اجتهد فأخطأ فله أجر (بشرط أن يكون مخلصاً) وإذا اجتهد فأصاب فله أجران.
وهذا يثبت أنه لا تناقض في القرآن ولا اختلاف، بل تعدد في التفاسير وتعدد
في فهم النص القرآني، لأن القرآن نزل للبشر كافة.
وأقول يا إخوتي بصفتي باحث في هذا العلم إن من يكتب في الإعجاز العلمي
لا يجزم بأن تفسيره العلمي للآية هو الصواب المطلق، وحسب اعتقادي أن معظم
كتاب الإعجاز العلمي يعرفون ذلك، ويدركون أن أبحاثهم هي اجتهادات وليست
قرآناً!!! القرآن مطلق وثابت ولكن التفسير يتغير حسب تطور العلم وهذا لا
يسيء للقرآن أبداً، إلا أولئك الذين في قلوبهم زيغ ومرض فنجدهم يتتبعون
أخطاء الباحثين بهدف التشكيك في كتاب الله تعالى، ولكن من عظمة القرآن أنه
حدثنا عن أمثال هؤلاء قبل أربعة عشر قرناً. تأملوا معي هذا النص القرآني
العظيم:
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا
يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7].
وقد يقول قائل: لماذا أنزل الله الآيات المتشابهات؟ هل ليضلنا عن الحق؟
أليس هذا ظلم للناس؟ إذاً لماذا يعذبهم؟ وأجيب بسؤال: هل تعرفون أحدث طريقة
للامتحانات في الجامعات الأمريكية؟ إنها طريقة الإجابات المضللة!! حيث
يطرحون على الطالب سؤالاً ويضعون له أربع إجابات مضللة أي خاطئة وإجابة
واحدة صحيحة، وعليه أن يختار، وهنا يظهر الطالب المجد من الطالب الكسول.
ولا أتوقع أن أحداً يقول إن الأساتذة يضلون الطلاب! مع العلم يحاول
الأساتذة وضع الإجابات المضللة قدر الإمكان، لذلك يضعون عدة إجابات مضللة.
ولكن الله تعالى وضع لنا طريقاً شديد الوضوح، ووفر علينا العناء
والتفكير فأنزل هذا القرآن، وأمرنا أن نطبق ما فيه، فهل هذا إضلال أم
هداية؟؟ إن وجود وسائل الضلال مثل الشيطان والشر والشهوات هي أمور لابد
منها، ليختبر الله صدق إيماننا به ومدى طاعتنا له.
فالملحدون والمشككون ماذا يفعلون:
(فَيَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) أما المؤمنون ماذا يقولون:
(يَقُولُونَ
آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا). ولذلك ماذا قال تعالى
بعد ذلك؟ لقد علمنا دعاء عظيماً ينبغي أن نكرره، فالله تعالى هنا كأنما
يعطيك الإجابة الصحيحة ويلقنك ما ينبغي عليك قوله وفعله، ولذلك علمنا هذا
الدعاء:
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ
لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل
عمران: 8-9].
فبالله عليكم! بعد أن بين لنا الله طريق الهدى وسخر لنا أسباب الهداية،
علَّمنا كل شيء من خلال الكتاب والسنة، ووضح لنا طريق الشر ونهانا عن
الفواحش وعن الضلال وحذرنا من الشيطان وأساليبه في الإغواء وأراد لنا
الخير، فهل نسمي هذا إضلالاً أم نسميه هداية؟ بالله عليكم لو أن طالباً في
قاعة امتحان، جاءه الأستاذ وأعطاه الجواب الصحيح، وأصرّ الطالب على وضع
الإجابة الخاطئة، فرسب في الامتحان، فماذا نسمي ذلك؟ ومن هنا الذي ظلم
نفسه؟ هل نقول إن الأستاذ ظلم الطالب أم أن الطالب ظلم نفسه؟
هذا هو الله تعالى! يريد لنا الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فيا
ربنا لا تؤاخذنا بظلم هؤلاء لأنفسهم، واجعلنا من عبادك الطائعين الفائزين
في الدنيا والآخرة:
(رَبَّنَا
آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ
الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 53].