هي خولة بنت ثعلبة، إحدى النساء المؤمنات العارفات بالله تعالى، والتي كانت على عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وعاشت حتى تولَّى سيدُنا عمر بن الخطاب خلافةَ المسلمين وسمِّيَ بـ"أمير المؤمنين"، وقد كانت زوجةً لأوس بن الصامت، وهو الزواج الذي كان سببًا في شهرة خولة إلى يوم الدين بإذن الله تعالى.
مناقبها وأخلاقها الشخصية
كانت خولة بن ثعلبة قويةً في الحق وشجاعةً، ويُحكَى أنها قابلت سيدَنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بعد أن تولى خلافة المسلمين ولم تستدِر لتغادر طريق أمير المؤمنين، رغم أن الشيطان كان يستدير ويسلك طريقًا آخر لو رأى في طريقه الأول سيدنا عمر، ولما اعترضت طريقَه قالت له إنها شاهدته وهو صبي ثم وهو أحد أعلام الإسلام ثم وهو أمير المؤمنين، وكانت بذلك تذكِّره بأنه كان بسيطًا فلا يدع الغرور يدخل قلبه، وطالبتْه بأن يتقيَ اللهَ في الرعية وأن يعدل بينها، وفي ذلك الموقف ما يوضح جرأتَها في الحق ومعرفتَها بتعاليم الدين الإسلامي التي لا تفرق بين المسئول وبين الرعية وتعطي الرعية الحقَّ في توجيه رعاتهم.
إلى جانب ذلك كانت حريصةً على بيتها وزوجها أكثر من حرصها على أي شيء آخر، عملاً بالتعاليم الإسلامية التي تدعو الرجل والمرأة إلى حماية الحياة الأسرية، ولما كبُر زوجُها أوس بن الصامت في السن ضاق خلقُه بفعل أمراض الشيخوخة، فكانت تحتمله لأنها كانت تحبه؛ حيث كان زوجَها وابنَ عمها، وقد أخبرت الرسول بذلك، لكنه ذات مرة بلغ به الضيق مبلغَه فطلَّقها على طريقة الجاهلية في الظهار، وقال: "أنت عليَّ كظهر أمي".
وفي هذه الحالة كانت أية زوجة أخرى ستُسيء معاملةَ زوجها أو تمارس معه المضايقات عندما يبدأ كل طرف في إنهاء علاقته المادية والمعنوية من الآخر بعد وقوع الطلاق, لكنَّ خولة بنت ثعلبة شعرت بفطنتها أن الأمر ليس طلاقًا كاملاً فهو لم يطلقها وفق تعاليم الإسلام، وبالتالي فهي لا تزال زوجتَه، لكنه قال لفظة طلاق معتادةً بين العرب في الجاهلية، فتوجَّهت من تلقاء نفسها إلى الرسول الكريم وقصَّت عليه القصة كلها فأنزل الله تعالى على رسوله الكريم قرآنًا يُتلى في أول سورة المجادلة؛ حيث قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (المجادلة: 1) وأمرَها الرسول الكريم بأن تدفع زوجَها لعتقِ رقبة، لكنها قالت بأنه لا يملك، فأمرها بإطعام 60 مسكينًا، فأخبرته بأنهما لا يملكان، حتى أمرها بالتصدق بالتمر، وهنا تتضح سمةٌ أخرى من سمات خولة بنت ثعلبة، وهي تمسُّكُها ببيتها وزوجها إلى النهاية وعدم تفريطها فيهما، حتى بعد أن شاخ زوجها واضطربت سلوكياته للدرجة التي ظاهرها فيها على أخلاق الجاهلية دون أن يدرك أنه على الدين الإسلامي.
رحم الله خولةَ بنتَ ثعلبة، التي ضربت المثال الأبرز في الفطنة عندما لجأت إلى الرسول الكريم لكي يحلَّ لها ما أعضلها من مشكلة زوجية، ولم تُدخل فيها أيَّ شخص آخر إلا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ مما يوضح عمق إيمانها وثقتها في دينها، وكذلك حرصها على منزلها، ورغبتها في أن تحل مشكلتها بأسرع وقت وفق التعاليم الإسلامية، إلى جانب ما أبرزته أمام الخليفة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من شجاعة الخِطاب، ومعرفة حدود التعامل بين الراعي والرعية.