هي النوار بنت مالك بن صرمة بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وهي صحابية أنصارية سخَّرت مالَها وابنَها لله تعالى، ولرسوله الكريم- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وأسلمت مع مَن أسلم من أهل المدينة المنورة على يد الصحابي الجليل مصعب بن عمير، ومنذ ذلك الحين وهي تحفظ بشغفٍ آياتِ القرآن الكريم وتلقِّنها ابنَها وتعلِّمه كلَّ ما تتعلمه.
ولولا حرص هذه الصحابية على تربية ابنِها تربيةً إسلاميةً صحيحةً وإعداده كي يصبحَ في نصرة الإسلام ما كانت لتصبر وتتحمل، وها قد رأت أمام عينيها ثمرةَ ما غرسته في ابنها منذ الصغر؛ كي تسعد في الدنيا والآخرة.
النوار هي أم زيد بن ثابت كاتب الوحي وإمام أهل المدينة في العلم وقراءة القرآن، والذي أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، وأمره النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بتعلم لغة يهود؛ ليكاتبَهم بها فأجادَها وأتقنها في فترة قصيرة، وهو الذي كلفه الخليفة أبو بكر الصديق بجمع القرآن الكريم من صدور الحافظين.
كانت النوار مثالاً لكرم الأنصار وحسن ضيافتهم، فهي ممن تسابقن في بذل الغالي والثمين ابتغاء مرضاة الله تعالى، وكانت ممن مدحهم الله تعالى في كتابه قائلاً: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (الحشر: من الآية 9)، فعندما نزل الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ضيفًا على أبي أيوب الأنصاري في المدينة المنورة كانت النوار تلك الصحابية الجليلة صاحبة أول هدية تُهدى للرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فقد أرسلت إليه مع ابنها قصعةً فيها خبزٌ مثرودٌ بلبن وسمن، فنالت هي وابنها دعاءَ الرسول لهم بالبركة، فقد رُوي عن زيد بن ثابت أنه قال: أول هدية أُهديت إلى رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- حين نزل دار أبي أيوب الأنصاري، أنا جئتُ بها قصعة فيها خبزٌ مثرودٌ بلبنٍ وسمن، فقلت: أَرسَلَتْ بهذه القصعة أمي، فقال- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "بارك الله فيك وفي أمك"، ودعا أصحابه فأكلوا.
وما كان من ليلةٍ إلا وعلى باب الرسول الكريم- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- مَن يتسابقون في حمل الطعام إليه، ولكنَّ فضل السبق في هذا حازته تلك الصحابية المعطاءة.
واستكمالاً لما نالته هذه الصحابية من شرفٍ ومكانةٍ عاليةٍ فقد كانت دارُها أولَ بيت يؤذَّن من فوقه للصلاة؛ حيث كان أعلى دار حول مسجد الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بالمدينة المنورة، فكان سيدنا بلال رضي الله عنه يؤذن من فوقه.
وهكذا أصبح دار النوار بنت مالك أول منارةٍ يؤذَّن من فوقها للصلاة والسعي إلى ذكر الله.
كانت هذه الصحابية شديدة الحب للحديث النبوي الشريف، فروَت عن النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بعض الأحاديث، وكذلك عن أمهات المؤمنين، وكانت همتها عاليةً، فقد وهبت حياتَها لله فأكرمها في الدنيا وحَبَاها بمكانةٍ عاليةٍ بين نساء الأنصار، وكيف لا وهي أمُّ كاتب الوحي للرسول الكريم- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وجامع القرآن الكريم، ونالت من الرسول الكريم الدعاء لها ولابنها بالبركة.
إنها نموذجٌ لأم مثالية، غرست خيرًا، فحصدت خيرًا، ومثالٌ للمسلمة التي أخلصت لله في دينها، وتفانت في نصرة هذا الدين.. رضي الله عنها وأرضاها، وجعلها في مستقرِّ رحمته.