أولا : اسمه ونسبه ومولده .
هو الحافظ المؤرخ المفسر عماد الدين أبو الفداء : إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء القرشي البصروي ، ثم الدمشقي .
ولد بمجدل من أعمال دمشق سنة (701هـ) ، ثم انتقل إلى دمشق مع أخيه كمال الدين سنة (707هـ) بعد موت أبيه .
ثانيا : طلبه للعلم .
حفظ القرآن الكريم وختم حفظه في سنة (711هـ) ، وقرأ القراءات وبرع في التفسير ، وحفظ متن " التنبيه " في الفقه الشافعي سنة (718هـ) ، وحفظ مختصر ابن الحاجب ، وتفقه على الشيخين برهان الدين الفزاري ، وكمال الدين ابن قاضي شهبة .
ثم صاهر الحافظ أبا الحجاج المزي ، فتزوج ابنته زينب ، ولازمه ، وأخذ عنه ، وأقبل على علم الحديث فتخرج عليه فيه ، وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، وكانت له به خصوصية ، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق ، وامتحن بسبب ذلك وأوذي .
وقرأ الأصول على الأصفهاني وسمع علي أبي نصر ابن الشيرازي ، وأبي القاسم بن عساكر ، وآخرين كثيرين جدا .
وأقبل على حفظ المتون ، ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتاريخ ، حتى برع في ذلك وهو شاب ، وأفتى ودرس وناظر وبرع في الفقه والتفسير والنحو ، وأمعن النظر في الرجال والعلل .
ثالثا : مكانته العلمية .
ولي العديد من المدارس العلمية في ذلك العصر ، منها : دار الحديث الأشرفية ، والمدرسة الصالحية ، والمدرسة النجيبية ، والمدرسة التنكزية ، والمدرسة النورية الكبرى .
رابعا : ثناء العلماء عليه وذكر بعض مصنفاته .
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمته :
" إسماعيل بن عمر بن كثير : الإمام ، الفقيه ، المحدث الأوحد ، البارع ، عماد الدين البصروي الشافعي ، فقيه متقن ، ومحدث متقن ، ومفسر نقال ، وله تصانيف مفيدة ، يدري الفقه ، ويفهم العربية والأصول ، ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال وأحوالهم ، سمع مني ، وله حفظ ومعرفة " انتهى .
"معجم المحدثين" (1/56) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القيسي البصروي ، الشيخ عماد الدين .
ولد سنة سبعمائة أو بعدها بيسير ، ومات أبوه سنة (703) ، ونشأ هو بدمشق ، وسمع من ابن الشحنة ، وابن الزراد ، وإسحاق الآمدي ، وابن عساكر ، والمزي ، وابن الرضى ، وطائفة .
وأجاز له من مصر الدبوسي ، والواني ، والختني ، وغيرهم .
واشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله ، فجمع التفسير ، وشرع في كتاب كبير في الأحكام لم يكمل ، وجمع التاريخ الذي سماه البداية والنهاية ، وعمل طبقات الشافعية ، وخرج أحاديث أدلة التنبيه ، وأحاديث مختصر ابن الحاجب الأصلي ، وشرع في شرح البخاري ولازم المزي ، وقرأ عليه تهذيب الكمال ، وصاهره على ابنته ، وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه ، وامتحن لسببه ، وكان كثير الاستحضار ، حسن المفاكهة ، سارت تصانيفه في البلاد في حياته ، وانتفع بها الناس بعد وفاته ، ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم ، وإنما هو من محدثي الفقهاء ، وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن الصلاح ، وله فيه فوائد " انتهى .
"الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" (1/445-446) .
خامسا : مذهبه .
تفقه الإمام ابن كثير على فقهاء الشافعية في زمانه ، فحفظ كتبهم ، ودرس علومهم ، بل وكتب الكتب المختصة بهم ، فقد كان مذهب الشافعية هو المذهب المنتشر في بلاد الشام ومصر .
يقول الإمام السبكي رحمه الله :
" وهذان الإقليمان – يعني الشام ومصر - وما معهما من عيذاب - وهي منتهى الصعيد إلى العراق - مركز ملك الشافعية منذ ظهر مذهب الشافعي ، اليد العالية لأصحابه في هذه البلاد ، لا يكون القضاء والخطابة في غيرهم ، ومنذ انتشر مذهبه لم يول أحد قضاء الديار المصرية إلا على مذهبه ، إلا ما كان من القاضي بكار ، ولم يول في الشام قاض إلا على مذهبه ، إلا البلاساغوني ، وجرى له ما جرى ، فإنه ولي دمشق وأساء السيرة ، ثم أراد أن يعمل في جامع بني أمية إماما حنفيا ، وجامع بني أمية منذ ظهور مذهب الشافعي لم يؤم فيه إلا شافعي ، ولا صعد منبره غير شافعي ، فأراد هذا القاضي إحداث إمام حنفي .
قال ابن عساكر : فأغلق أهل دمشق الجامع ، ولم يمكنوه ، ثم عزل القاضي ، واستمرت دمشق على عادتها لا يليها إلا شافعي إلى زمن الظاهر بيبرس التركي ، ضم إلى الشافعي القضاة من المذاهب الثلاثة .
قال الأستاذ أبو منصور البغدادي : وقبل ظهور مذهب الشافعي في دمشق لم يكن يلي القضاء بها والخطابة والإمامة إلا أوزاعي ، على رأي الإمام الأوزاعي " انتهى .
"طبقات الشافعية الكبرى" (1/326) .
فليس من المستغرب أن يكون ابن كثير شافعي المذهب .
ولا يلزم مما سبق خلو بلاد الشام من المذاهب الأخرى ، فقد كان للحنابلة – مثلا - حضور ظاهر في الشام ، يتمثل حضورهم بعبد الغني المقدسي وعائلته ومن جاء بعدهم ، وبآل تيمية أيضا ، وبغيرهم من علماء المذاهب الأخرى .
سادسا : وفاته .
توفي في شعبان سنة (774هـ) ، وكان قد أضر في أواخر عمره .
انظر ترجمة موسعة له في مقدمة تحقيق "البداية والنهاية" بإشراف د. عبد الله التركي (1/13-33) .
والله أعلم .