غزوة الفتح :
وهي فتح مكة ، وكانت في رمضان للسنة الثامنة من الهجرة ، وسببها أن صلح الحديبية أباح لكل قبيلة عربية أن تدخل في عقد رسول الله إن شاءت ، أو تدخل في عقد قريش ، فارتضت بنو بكر أن تدخل في عقد قريش ، وارتضت خزاعة أن تدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تلك السنة ( الثامنة ) اعتدت بنو بكر على خزاعة ، فقتلت منها نحو عشرين رجلاً ،وأمدت قريش بني بكر بالمال والسلاح فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً ، وتجهز لقتال قريش إلا أنه لم يرد أن يخبر الناس عن وجهته لئلا تستعد قريش ، فتستباح حرمه البلد الحرام ، وتمتلئ أرجاؤه بأشلاء القتلى ، ولكن حاطب بن أبي بلتعة البدري أرسل كتاباً سرياً إلى مكة يخبرهم فيه بتوجيه الرسول اليهم ، فاطلع الله رسوله على أمر الكتاب ، فأرسل إلى المرأة التي تحمله بعض أصحابه ليفتشوها ، فعثروا على الكتاب فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم حاطباً ، فقال له : ما حملك على هذا ؟ فقال : يارسول الله ، أما والله ، إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ، ولا بدلت ، ولكني كنت أمرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة . وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم ، فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنقه ، فان الرجل قد نافق ، فقال له رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: " إنه شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر فقال : أعملوا ما شئتم فقد غفر لكم "
ثم سار الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة لعشر مضين من رمضان ، وفي الطريق أفطر ، وأفطر الناس معه لما لقوا من الجهد والمشقة في سفرهم ، وكان عددهم حين خروجهم من المدينة عشر آلاف ، ثم أنضم إليهم في الطريق عدد من قبائل العرب وفي " مر الظهران " عثر حرس رسول الله على أبي سفيان واثنين معه ، فاسروهم وجاؤوا بهم إلى رسول الله فأسلم أبو سفيان ، وقال العباس ـ الذي لقبه الرسول في الطريق مسلماً مهاجراً إلى المدينة ـ : إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً يفتخر به ، فقال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " ، ثم وصل الجيش مكة ، فاعلن منادي الرسول : من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ،ومن دخل المسجد ، فهو آمن ،ومن دخل دار أبي سفيان ، فهو آمن ، واستثنى من ذلك خمسة عشر رجلاً عظمت جريرتهم في حق الاسلام ورسوله ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب راحلته،منحن على الرحل ، حتى لتكاد جبهته تمس قتب الراحلة شكراً لله على هذا الفتح الأكبر ، ثم طاف الرسول بالبيت ، وأزال ما حولها من أصنام بلغت ثلاثمائة وستين ثم دخل الكعبة وصلى ركعتين فيها ، ثم وقف على بابها وقريش تنظر ما هو فاعل بها ، فقال فيها قاله ساعتئذ : يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم . وابن أخ كريم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم أقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل " لا تَثْرِيبَ عَلَيكُمْ اليَومْ يَغْفِرُاللهُ لَكُمْ ، وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِين ) . [ يوسف : 92 ] . " أذهبوا فأنتم الطلقاء " .
ثم اجتمع الناس حول الصفا ليبايعوا رسول الله على الإسلام ، فجلس الرسول على الصفا، وأخذ بيعتهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ، بايع الرجال أولاً ، ثم النساء ، ولم يصافح واحدة منهن ، وكان فيمن بايعهن هند زوجة أبي سفيان التي أهدر الرسول دمها فيمن أهدر يوم الفتح ، فلما علمها ، عفا عنها بيعتها وفي يوم الفتح أمر رسول الله بلالاً أن يؤذن لصلاة الظهر على ظهر الكعبة ، فاستعظم ذلك الحاضرون من قريش لم يسلموا بعد ،ولكن رسول الله أراد ذلك عمداً لسر عظيم وحكمة بالغة