على لسان أحدهم :
كانت الساعة الخامسة والنصف فجرا .. حين كنت متوجها الى العمل .. ممسكا بكوب القهوة
القوية وممنيا نفسي بيوم رائعا ووضعت في المسجل شريطي المفضل .. ( سورة الاسراء
بصوت الشيخ احمد العجمي ) ... وحينما بدا صوته يملأني قبل أن يملأ السيارة
( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله )
حينها رن هاتفي الجوال .. تضايقت طبعا ...... وتوقعته صديقا لي في العمل يطمئن على
حضوري والا فان عمله سيمتد لثمانية ساعات أخرى ...
تناولت الهاتف دون النظر الى الرقم وما أن قلت ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الا
وجاءني الصوت عاليا : أين أنت ؟ فأجبته .......() ...
حقيقة استغربت لاتصاله الآن .. وقلت حياك الله ...
فقال ..... عبد العزيز مات ...
فقلت ..... الله يرحمه ويرحم جميع المسلمين .. لكن من عبد العزيز ؟؟؟
فقال : عبد العزيز !!!!....
فقلت لعلمي بمزاحه الثقيل .. يا أخي اتق الله ... الوقت ليس وقت مزح ولا ينفع أن تمزح
بهذه المواضيع ...
والله أنا لا أكذب عليك .. مات قبل الفجر في حادث سيارة .. ثم أردف سريعا حتى لا يعطيني
فرصة لتكذيبه ، نحن في المستشفى تعال وأنهي معنا تصريح الدفن وأوراق المرور لأجل أن نصلي
عليه قبل الظهر .. ثم أغلق السماعة ...
لفترة .. ظل الهاتف على أذني وأنا أفكر ومصدوم .. منذ يومين رأيته ... وكلمته بالأمس هاتفيا كان
معي وكنت أكلمه ، اتصلت بالعمل وطلبت اجازة ثم توجهت للمنزل لتغيير ملابسي وصورته أمام ناظري
هو ... في السابعة عشرة من عمره ... أذكره منذ صغره .. بجسده النحيل .. مبتسما دائما .. لم يفلح
في دراسته ... ويسكن بجانبي وتربطني به صلة قرابة عن طريق زوجتي .. ميزته الكبيرة أنه رضي
لوالديه بشكل كبير كل فترة يذهب بقارب والده الى البحر ويقوم بالصيد أو أخذ المتنزهين من الصبح
حتى المساء في الشمس الحارقة ... ثم يعود أدراجه في المساء ويسلم الجزء الأكبر من المال لوالده
الكبير في السن ثم يخفي جزء لوالدته ... ويكتفي فقط بخمسة ريالات .. يشتري ساندويتشين وبريال
مشروب هذه هي حياته وبرنامجه اليومي .. يخدم كل الناس .. ويضحك مع الجميع .. ويذهب البحر ..
ويشتري ساندويتشين طعميه وبريال مشروب ، الكارثة الكبرى أنه لا يصلي .. كلما ناديته للصلاة ..
يقول خير .. لحظة ...ألحقك .. وهكذا ... ان مات أحد أعرفه أو لا أعرفه أجدني أتبسم حين أعرف
أنه يصلي .. وان كان غير ذلك فيصيبني الهم والحزن عليه .. فالصلاة عمود الدين ان صلحت صلح
معها كل شئ ..... و الا فالعياذ بالله ، توجهت للمستشفى ثم للمرور ثم للمستشفى مرة أخرى ...
وبعد استخراج تصريح الدفن .. حملناه لمنزل أهله لتغسيله ولم أقوى على الدخول لغسله مع زميل لي
لشدة محبتي لهذا الفتى ... الذي كانت متعته اليومية هي السندوتشين و المشروب بعد أن يسلم والديه
أجر ما حصل عليه سواء بصيد السمك أو بتأجير القارب للمتنزهين ، أصرت والدته أن تراه ... وهو
موقف شديد .. أن ترى الأم فلذة كبدها وأطيب أبنائها ملفوفا بالكفن الا وجهه حتى تقبله ، وضعوه لها
في الغرفة .. .. ثم أقبلت والدته لتراه و تقبله مع والده .. وأخذت تقبله ... ثم تشمه لتملأ نفسها من
رائحته قبل وداعه ... ثم تذرف الدموع الغالية ... وأخذت تنادي عليه .. بل وترجوه أن يرد عليها ..
وتسأله لما لا ترد .. منذ متى يا عبد العزيز تتأخر في ردك علي .. ثم تقبله من جديد ... حتى بللت
خديه من الدمع .. وقطعت القلوب من نحيبها ، وبعد أن أخذوا والدته عنه ... ذهبت اليه لأودعه ...
متوجسا و مرتعبا من أن أرى وجها مسودا ..... عبوسا..يملأه الخوف والرعب ... وجسدا متيبسا...
و هذه من علامات تارك الصلاة..... وكم كانت المفاجأة قوية بالنسبة الي ، اقسم بالله أني رأيت هالة
عجيبة من النور في وجهه بسماكة سنتيمتر الى اثنين ... وضحكة تذكرني به عندما أراه ... ذهبت الى
الركن وجلست أفكر .. كيف هذا النور وهو تارك للصلاة .. صعب أن أصدق .. ثم ذهبت اليه ثانية و
تحققت لعلي كنت موهوما .. لعلنا وضعناه في مقابلة الضوء .. ولكن مستحيل ... هذا نور في الوجه ...
أعرفه في وجوه المصلين .. وابتسامة تراها في هي أقرب للضحك من التبسم ...أخذتني الحيرة ...
الا الصلاة .. القرآن والسنة فيهما ما يؤكد أن تارك الصلاة لابد وأن يدخل النار .. ورأيت بعيني
وجوه مسودة كان أصحابها تاركين للصلاة .. فلماذا هذا الفتى الصغير ؟؟؟
جلست طوال اليوم أفكر في ذلك ولأنني أعرف جيدا أنه تاركا للصلاة زادت حيرتي .. حتى جاء وقت
الليل وجلست مع أخيه .. فقال لي تصدق يا ابراهيم .. أمس اخي ذهب المدينة وصلى الجمعة والعصر
هناك في الحرم .. سبحان الله ..... وفي الليل ... صاحبه طلب منه يوصله قرية بدر وأوصله ... مع
أنه راجع من المدينة تعبان وهو راجع صار عليه الحادث على مدخل البلد ، تذكرت .. أنه أحضر نعناع و
ورد من المدينة لوالدته ... ووالدته وزعت للجميع حينها علمت ... حينها بكيت .. حينها ارتحت .. سبحان
الله .. قبل الموت كتب عليه أن يصلي في الحرم ، ثم تفكرت ثانية .. هل كانت هذه البسمة الرائعة والنور
الرباني بسبب صلاته ... أم بسبب بره بوالديه ... وبسبب بره بوالديه كتب الله أن يهديه قبل وفاته بيوم
ألهذه الدرجة بر الوالدين عظيما عند الله ....؟؟؟؟؟
ختاما :
اخواني ... أخواتي .. صلوا .. قبل أن يصلى عليكم .. بروا والديكم قبل أن تفقدوهم أو يفقدوكم ...
والله ان برهم عظيم .. اذهبوا اليهم الآن .. استسمحوهم .. سامحوهم وان اخطأوا ... لضحكة في وجه
أمي ونيل رضاها .. أحب الي من أن أنفق مثل جبل أحد من الذهب ...
بروا بوالديكم ...
هــمــ الحنين ــس