العيـــــد فرصة منتظرة للصغار ، و وظيفة نؤديها نحن الكبار .. أمَّا الصغار ؛ فيتلقون أعطيات من آبائهم يزيدون بها من جمالية العيد ، أمَّا الكبار فهم أحوج إلى مولاهم بالأعطيــات : ] يا أيهــا الناس أنتم الفقــراء إلى الله و الله هــو الغني الحميـد [ . فاطـر : 15 .
و باب الله لا يُغلَق : يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل .. يتجلى على عباده بالرحمة ، و رحمة الله وسعت كل شيء .. يغمرهم بالتكريم ، و كرم الله لا ينقطع .. يغفر الذنوب و يمحو المعاصي .
* العيد تعميق وصال مع الإنسان : ] يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير [ . الحجرات : 13 . و في آية أخرى : ] إنما المؤمنون إخوة [ . الحجرات : 10 . و قال رسـول الله صلى الله عليه و سلم : (( المسلم أخو المسلم .. )) . رواه أبو داود . و قال عليه الصلاة و السلام : (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )) . رواه البخاري . و في حديث آخر : (( يد الله على الجماعة )) . رواه الترمذي .
* العيد مناسبة لتعميق الصلة مع الجار : (( مَن كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذِ جاره .. )) . متفق عليه من حديث أبي هريرة . و قال عليه الصلاة و السلام : (( ما آمن بي ســاعة من نهار ، مَـن بات شبعان ، و جاره جائع إلى جنبه و هو يعلم بـه )) . رواه البزار بإسناد حسن عن أنس . و قال : (( ما زال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورِّثه )) . رواه البخاري و مسلم عن ابن عمر .
و حقوق الجار كثيرة ، منها : إلقاء السلام و ردُّه ، و تعليم أبناء الجيران على تعاليم الإسلام . و من حق الجــار على جاره : أن يزوره إذا مرض ، و يدعو له ، و إذا مات اتَّبع جنازته ، و ينبغي أن يكون الجار ستَّاراً لعيوب جاره . و من الخطأ الكبير أن يرفع البعض إلى المحاكم ، ما يقع أحيـاناً بين الجيران من خصومات النساء و مشـاجرات الصبيان .
* العيد فرصة لصلة الأرحام : ] و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض [ . و القريب جزء من القريب .. و في الحديث : (( مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه ، و أن يُنسَأ له في أثره ، فليصل رحمه )) . و لا يدخل الجنة قاطع رحم .. و لا تنـزل الرحمة على قوم بينهم قاطـع رحم ..
* العيد تعميق للصلة مع الصديق ، و الصداقة عنوان سلوك الإنسان ، و الصديق هو الذي يتصف بخلاصة المحامد .. و يكون رقيقاً في عتابه و عقابه .. و الصديق لا ينسى مودَّة صديقه .. يصفح عن زلاته و يتجاوز عن هفواته .
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك ، لم تلقَ الذي لا تعاتبه
العيد مناسبة من أجل نبذ الخصومات . و في الحديث الصحيح : (( إذا التقى المسلمان فتصافحا ، تحاتت ذنوبهما كما يتحات الورق )) .
* العيد تذكير بمؤسس الملَّة إبراهيم عليه السلام ، عندما ابتلاه الله بذبح فلذة كبده فامتثل ، فكانت نتيجة هذا الامتثال أن فدى الله إسماعيل بذبح عظيم .
و تتالت الابتلاءات على إبراهيم ، فابتلاه الله بالنمرود الغارق في طغيانه ؛ حيث قضت محكمته بعقوبة غاية في الصرامة ، تمثَّل في جلسة النطق بإحراقه ، فما كان موقف أبي الأنبياء إلا أن صبر و صابر .. و الصبر مجاهدة ، و المصابرة مغالبة . ما نطق إبراهيم إلا بكلمة : " حسبي الله و نعم الوكيل " . و من كان الله معه ، كانت معه القوة التي لا تُغلَب .. " حسبي الله و نعم الوكيل " .. قالها و هو مكبَّل في القاذف في أحلك اللحظات ، فتحولت النار المتقدة إلى برد و سلام على إبراهيم ، عزمة من عزمات الله لخليله ، و نتيجة منطقية من نتائج الثبات على الابتلاء .. و ما ثمن ذلك إلا صدق التضرع بين يدي قيوم السموات و الأرض .
و لننظر كيف أكَّد رب العالمين قراره الحاسم : ] فإنّ مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا [ . الشرح : 5 – 6 . و لم يقل ربنا عز و جل : إن بعد العسر يسرا .. و ذلك ؛ ليعلمنا أن العسر لا بدّ و أن يجاوره يسر ، مصداق ذلك نجـده في حياة أبي الأنبياء ، و في حياة مَن كان نسله و ذريته نبينا محمد e ، فمـا أن وقف بوجهه الأعداء هنا و هناك في العـام العاشر من هجرته ، حتى أكرمــه الله بعد ذلك بخارقة الإسراء و المعراج ، فالله تعالى يجعل على الدوام مع العسر يسرا ، بشرط أن ينفذ العبد ما قد طُلب إليه ، بشرط أن يصبر أمام الشدائد برضى قلب و احتساب نفس .
و إذا كنا نحن اليوم أمام مصائب قد لا تحصى ، فلنعلم أن ذلك من قانون رب العالمين : ] و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون [ . الأنبياء : 35 . و ما ذلك إلا ليستيقظ السادرون ، و ليتنبه الغافلون ، و ليستقيم المنحرفون ، و ليندم الفاسقون .. فإذا كان الإنسان كما كان إبراهيم و من بعده محمد عليهما السلام ، فسـيكرمه الله عز و جل بأن يشرح له صدره ، و يضع عنه وزره .. و يرفع له ذكره .