-1 مقدمة
لقد أدى تولي الجنرال ديغول سدّة الحكم في فرنسا إلى تطبيق سياسة القبضة الحديدية على الثورة الجزائر ،وهي السياسة التي كانت مبنية على مشاريع و مخططات جهنمية تهدف أساسا إلى خنق الثورة وتشديد الخناق على المجاهدين في الداخل و محاولة غزلهم عن القاعدة الشعبية من خلال المناطق المحرمة و المحتشدات و المعتقلات والسجون ،هذه السياسة الخطيرة دفعت بعض قادة الداخل إلى التفكير مليا في مصير الثورة و الاتفاق على عقد اجتماع طارئ عرف باجتماع العقداء في الداخل انعقد الاجتماع الذي اصطلح عليه باجتماع العقداء في التراب الولاية الثانية التاريخية بالشمال القسنطيني ما بين6و12 ديسمبر 1958.
-2العقداء الذين حضروا اجتماع الداخل
رأى قادة الولايات الأربعة التاريخية الأولى و الثالثة و الرابعة و السادسة وهم على التوالي العقيد أعبيدي الحاج لخضر و العقيد عميروش و العقيد سي أمحمد بوقرة و العقيد سي الحواس ضرورة عقد اجتماع تنسيقي للنظر في الأوضاع الجديدة المترتبة عن سياسة ديغول تجاه الثورة ودعم الخارج للداخل لموجهة هذه السياسة الخطيرة وقد تغيب عن هذا الاجتماع المهم قائد الولاية الخامسة التاريخية العقيد لطفي وذلك لأسباب خاصة رغم قبولهما مبدأ المشاركة إلا أن عقداء الداخل واصلا مهمتهم وعقدوا اجتماعهم في الولاية الثانية .
-3أسباب اجتماع عقداء الداخل
لم تكن سياسة ديغول وحدها وراء عقد الاجتماع إنما اجتمعت عدة معطيات دفعت هؤلاء القادة للاجتماع و هي نابعة من نواياهم الصادقة الرامية إلى ضرورة مراجعة الوضع الداخلي لذا فإن أسباب اجتماع عقداء الداخل كانت جوهرية إلى حدّ كبير لكونها مرتبطة أساسا بميدان العمليات العسكرية التي اعتبرت في سياسة الجنرال ديغول القوة الضاربة للقضاء على الثورة من خلال اعتماد جيوشه على أسلوب الهجمات الكاسحة و التمشيط و الحصار إلى جانب مخطط شال الجهنمي تضاف إليه كذلك الخطوط الحمراء الجهنمية وهي خطي موريس وشال و أيضا مشروع قسنطينة الذي جاء تتويجا للسياسة الاستعمارية واستكملها في جوانبها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
تجمع المصادر المكتوبة منها والشفوية أن أسباب الاجتماع الجوهرية تمثلت فيما يلي : 1-تأزم الأوضاع الميدانية بسبب سياسة ديغول
2- نقص الأسلحة و الذخيرة
3-انقطاع التنسيق بين الداخل والخارج
4-انحراف الوفد الخارجي عن تحمل مسئوليته تجاه الداخل
5- حساسية الولاية الثالثة بعد تعرضها للاختراق من طرف الموالين لفرنسا
6-عدم وصول الإمدادات الى الداخل وبقائها مكدسة وراء الحدود مع جيش الحدود المجمد هو كذلك
7-اشتداد الضربات الموجعة و تزايد عمليات التمشيط الواسعة .
-4 نتائج اجتماع عقداء الداخل
أمام عجز قيادة جبهة التحرير الوطني في الخارج لإيجاد حلول عاجلة للوضعية الجديدة في الداخل خاصة ما تعلق منها بإمداد الثورة بما تحتاجه من عتاد و عدة حربية أجبر قادة الداخل للإسراع إلى دراسة هذه الوضعية المأساوية ،وقد اختاروا الولاية الثانية لحصانتها لتكون مقرا للاجتماع وكذلك لموقعها الاستراتيجي و كانت النتائج الهامة لاجتماع عقداءالداخل الهدف الذي رسمه عقداء الداخل لإعطاء الثورة نفسا جديدا و قد تم تكليف قائد الولاية السادسة العقيد سي الحواس لتبليغ نتائج الاجتماع التي ضيفت على شكل توصيات بعد مصادقة المجتمعين عليها إلى القيادة في الخارج و على الرغم من جدية الاجتماع و أهميتهم إلا أن مبادرة العقداء في الداخل لم تبدلها الطريق للنجاح .
من أهم نتائج اجتماع العقداء مابين 6و12ديسمبر 1958 ما يلي: - العودة الى بعض القضايا التي طرحها مؤتمر الصومام في20اوت1956 منها أولوية الداخل على الخارج
- الإعلان عن تأسيس لجنة تنسيق ما بين الولايات التاريخية على أساس أن الثورة لا يمكن لها أن تسير من طرف قيادة أركان مقرها في الخارج
- الموافقة على ضرورة إضافة ممثلين عسكريين من الحدود الشرقية والحدود الغربية للوطن الى قيادة الداخل قصد الوصول الى صيغة تمثيلية عامة للثورة
- توحيد القيادة العامة وجعلها جماعية طبقا لما ورد في مؤتمر الصومام
- الإسراع الى وضع خطة محكمة لمواجهة مشاريع العد و منها بالدرجة الأولى مخطط شال الذي اصبح يهدد مصير الثورة
- ضرورة د خول أعضاء الحكومة المؤقتة الى الجزائر
- تحريك جيش الحد ود المجمد لدعم الداخل
الإبقاء فقط على وزارة الإعلام والخارجية في الخارج
-5 الأسباب الرئيسية لفشل الاجتماع
إذا كان الاجتماع ذا دلالة سياسية إلا أنه من جانب آخر أعطى تقيما شاملا للأوضاع ذات الصلة بالثورة داخليا و خارجيا مع التركيز على التقييم العسكري لأهميته ميدانيا خاصة بعد اعتماد السلطات الاستعمارية الفرنسية على سياسة القبضة الحديدية تجاه الثورة و التي جسدتها العمليات العسكري الكبرى بقيادة الجنرال شال التي كبلت أيادي المجاهدين و حاولت تحطيم معنويات الشعب حتى يتوقف عن دعم الثورة و من الناحية السياسية و الاجتماعية كان من الضروري أيضا على قادة الثورة مواجهة المخاطر في هذا الجانب خاصة بعد أن أعلن ديغول عن مشاريعه الهدامة الرامية إلى إبعاد الشعب عن الثورة و من أهمها مشروع قسنطينة الرامي إلى إفراغ الثورة من محتواها الشعبي .
و على هذا الأساس فان الإسراع إلى مواجهة مخططات الاستعمار ضرورية من خلال توعية الشعب في القرى و المد اشر و المدن و حتى في و المحتشدات و المعتقلات و السجون وتحسيسهم بخطورة هذه السياسة على ثورتهم و مستقبل وطنهم لذلك فان النتائج الهامة لاجتماع الخارج كانت تهدف أساسا إلى وضع حد لزيادة الانزلاقات و التدهور الذي شهدته ساحة الثورة داخليا و ذلك من خلال إعادتها إلى مسارها الثوري الصحيح.
رغم تجانس الأفكار بين العقداء الأربعة ونواياهم الصادقة لإخراج الثورة من الوضعية المزرية التي آلت إليها جراء سياسة ديغول الجهنمية إلا أن هناك أسباب قضت على نجاح هذا الاجتماع ومن أهمها ما يلي :
استشهاد القادة الثلاثة سي الحواس وسي ا عميروش و سي امحمد ولم يبق إلا الحاج لخضر قائد الولاية الأولى
- رفض قيادة الخارج لنتائج الاجتماع كونها صادرة عن قيادة الداخل
- تخلف الولايتين الخامسة و الثانية عن الاجتماع وهدا ما اثر سلبا على تعميم التمثيل
اعتبرت قيادة الخارج نتائج الاجتماع مؤامرة ضد الثورة .