امتزجت أمس، دموع الحسرة وفرحة العودة إلى أرض الوطن ولقاء الأهل في وجوه أزيد من 250 معتمر عند خروجهم من بهو مطار هواري بومدين، إلى درجة أن العديد منهم لم يعد بوسعهم معانقة ومصافحة أقاربهم من شدة التعب والإرهاق الذي نال منهم، بسبب طول الانتظار بمطار جدة السعودي، حتى إن البعض من هؤلاء المعتمرين الذين حاورتهم ''الخبر'' ،لم يتردد في القول ''لقد عدنا من معتقل جدة''.
عرف مطار الحجاج المخصص لاستقبال المعتمرين صباح أمس، حركة غير عادية بفعل التواجد المكثف لعائلات جاءت من مختلف الولايات لاستقبال المعتمرين، الذين ''طال انتظارهم ''بسبب تأخر الرحلات الجوية... قضينا رفقتهم عدة ساعات ننتظر وصول رحلة قادمة من مطار جدة كانت مقرّرة في حدود السادسة صباحا من يوم أمس، لكن الانتظار طال إلى غاية الثانية زوالا، حينما تم الإعلان عن وصول الطائرة لترتسم مجددا البسمة على وجوه المئات من الأقارب والأحباب الذين توافدوا على المطار.
أقارب المعتمرين جاؤوا من ولايات المدية، والجلفة، والأغواط، وسعيدة، وغرداية، ووجدوا أنفسهم مضطرين للمبيت بالمكان، وفي ظروف سيئة للغاية، مثلما صرحوا به لـ''الخبر''، خاصة فيما يتعلق بتموينهم بالمواد الغذائية. وفي المقابل تحدثوا عن محسنين كانوا يقصدون المطار كل مساء لأخذ بعضهم إلى منازلهم لإطعامهم وإيوائهم. وفي تلك الأثناء تغيّرت الأجواء وتعالت أصوات المنتظرين بعد وصول خبر هبوط الطائرة المقلة للمعتمرين على ارضية المطار.. فدخلنا إلى بهو المطار في الوقت الذي بقوا هم خارجه، وتمكنّا من مقابلة الوفد الأول من المعتمرين.. كان حالهم أسوأ، رغم أنهم كانوا يرددون عبارات الحمد والشكر على الوصول إلى أرض الوطن، ليسردوا لنا بعدها ما عانوه من ويلات الانتظار.. إحدى المعتمرات قالت لنا أنه منذ سبع سنوات وهي تتردد على بيت الله، لكنها لم تشهد موسما سيء مثل هذه السنة، قائلة ''صرفنا كل ما نملكه ولم يعد بحوزتنا ريال واحد، وسنحتاج لشهر كامل لنريح أجسادنا من تعب المبيت في العراء''.
مسن آخر حمّل الجوية الجزائرية مسؤولية معاناتهم وتحدث عن بزنسة أحد إطاراتها بالتذاكر، في الوقت الذي أثنى فيه آخرون على مدير العمليات بالشركة عبد القادر سدار؛ حيث ذكرته العجائز بالخير، وقالت إنه لعب دورا كبيرا لإعادتهم إلى ارض الوطن، في المقابل حمّل آخرون الوكالات السياحية مسؤولية معاناتهم. وبين هذا وذاك أكد عدد منهم أنهم يجهلون من وراء الوضع السيئ الذي وجدوا أنفسهم فيه، وقالوا إن الشيء الوحيد الذي سيظل في ذاكرتهم هو افتراشهم ''الكرتون''بمطار جدة، الذي أكدوا أن النفايات غزته من كل مكان. الأمر الذي أثّر على كبار السن، ومن يعانون من أمراض الحساسية، بالإضافة إلى المراحيض التي قالوا إنها كانت أسوأ بهذا المطار، ناهيك عن خلو الصيدليات المجاورة من أدوية أمراض مزمنة، خاصة أن عددا من المعتمرين تم نقل أمتعتهم إلى أرض الوطن، وبها الأدوية التي كانت محل احتياط... عدد من المعتمرين أكدوا لنا أنهم سيحتاجون إلى وقت طويل حتى ينسوا ما حدث لهم، قبل التفكير في العودة مرة أخرى، في الوقت الذي تأسف فيه عدد آخر من أن تكون عمرتهم غير مقبولة بسبب تعبيرهم عن الغضب وتلفظهم بعبارات الشتم بعد تفاقم الوضع، لنغادر المطار على وقع زغاريد الأهل، وهم يعانقون ذويهم الذين أنستهم الأذرع التي كانت تسعى لمعانقتهم جزءا من معاناة ستبقى محفورة لا محالة، في مخيلة كل واحد منهم.