في اليوم الثامن عشر من رمضان، لعام 539هـ كانت نهاية دولة المرابطين في المغرب، وقيام دولة الموحدين، حيث هوى أمير دولة المرابطين تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين، بحصانه عن صخرة عالية، فقتل، أثناء مطاردة جيش الموحدين بقيادة عبد المؤمن بن علي، لجيشه بعد معركة بين الفريقين.
وفي تاريخ دولة المرابطين تجارب مفيدة، تهم على وجه الخصوص أبناء الحركة الإسلامية، الذين يحلمون بإنشاء دولة إسلامية قوية، توحد الأمة، وتقودها نحو النصر والتحرير.
تأسست دولة المرابطين على يد داعية مربي اسمه عبد الله بن ياسين الجزولي، قدم إلى جنوب المغرب الأقصى سنة 430هـ، للدعوة، بصحبة أمير قبائل الملثمين يحيى بن إبراهيم الجدالي، أثناء عودته من رحلة الحج، وقد نجح هذا الداعية المخلص بالتأثير في شباب الملثمين، لكنه واجه تحديات كبيرة من بعض زعماء القبائل، فلجأ بأتباعه، ومنهم الأمير يحيى، إلى جزيرة في المحيط الأطلسي قريبة من الشاطئ، وأقام فيها رباطاً، يعلِّم فيه أتباعه العلم الشرعي، ويربيهم تربية إيمانية جهادية، ويدربهم على خشونة العيش وفنون القتال، وجعل يحيى أميراً، واختار مجلساً للشورى، يرجع إليه في اتخاذ القرارات، وتولى هو الإمامة والتوجيه، وأقام أحكام الشرع والحدود، على أتباعه الذين أطلق عليهم اسم "المرابطين"، وعندما توفي الأمير يحيى بن إبراهيم، تم اختيار يحيى بن عمر اللمتوني أميراً، واستمر ابن ياسين في الدعوة والتربية والبناء، وكان لا يقبل للاستمرار في رباطه إلا الأقوياء في إيمانهم، الملتزمون في عباداتهم وسلوكهم ..
وعندما بلغ عدد أتباعه ثلاثة آلاف قرر أن يبدأ مرحلة الجهاد، لتوحيد المغرب في دولة إسلامية ملتزمة، تقوم على الكتاب والسنة، ونجح بعد حروب عدة مع زعماء القبائل، في ضم أجزاء واسعة من المغرب لدولته، لأن حجم التأييد له من أبناء القبائل البربرية كان كبيراً، بسبب ما وصلهم من معلومات عن عدله واستقامته وحرصه على تطبيق أحكام الشرع على القوي والضعيف، واستشهد أثناء تلك المعارك الأمير يحيى بن عمر سنة 447هـ، فاختير مكانه أخوه أبو بكر بن عمر، الذي واصل جهاده لتحقيق الوحدة في كل المغرب، ثم وصل إلى قيادة الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين، أحد القادة العسكريين، وكان تقياً صالحاً مستقيماً متواضعاً مجاهداً شهماً صاحب همة عالية، واسع الأفق، بعيد النظر، بنى مدينة مراكش، وأكمل توحيد المغرب، بعد أن خاض حرباً ضروساً ضد دولة برغواطة المرتدة، التي أسسها اليهودي صالح بن طريف، وأسقطها ..
وقد أصيب في المعارك ضد برغواطة الشيخ ابن ياسين، ثم استشهد متأثراً بجراحه سنة 451هـ، وواصل ابن تاشفين بناءه للدولة، وجعلها قوية مهيبة ملتزمة بأحكام الشرع، فسعد الناس في ظلها بالعدل والأمن والرخاء، وعندما طمع ألفونسو باحتلال كل الأندلس، واستنجد به المعتمد بن عباد، وعلماء الأندلس، هبَّ لنجدتهم، وهَزَم النصارى هزيمة ساحقة في معركة الزلاقة سنة 479هـ، ثم جمع أمراء الأندلس، ودعاهم إلى الاستقامة والتعاون والوحدة، ورجع إلى المغرب، لكنهم عادوا إلى خلافاتهم ولهوهم، وطمع النصارى بالأندلس مرة أخرى، فعبر إليها، سنة 481هـ، وصد هجوم النصارى، وأفتى له العلماء بضرورة ضم الأندلس إلى دولته، فخلعهم وقاتل من رفض منهم، ونجح في ضمها سنة 484هـ.
واصل أبناء يوسف وأحفاده حكم الدولة المرابطية من بعده، لكنها ضعفت، ثم سقطت سنة 539هـ، ويمكن إيجاز أسباب سقوطها، بما يأتي:-
1- ضعف الالتزام بمبادئ الإسلام التي نشأت عليها الدولة، والتزم بها المؤسسون الأوائل.
2- ظهور السفور والاختلاط بين الرجال والنساء.
3- الانغماس في حياة الترف والملذات.
4- انتقال عادات الغناء والطرب والموسيقى من الأندلسيين إلى المرابطين في المغرب، فشغفوا بها، بعد أن كان شغفهم بالجهاد والسلاح والخيل وفنون القتال.
5- فَقْدُ المرابطين لكثيرٍ من علمائهم وقادتهم الكبار المؤثرين، جعل صفات وأخلاق الجيل المؤسس، لا تصل إلى الأجيال اللاحقة.
6- انتشار الفساد والبعد عن المبادئ عند قادة المرابطين المتأخرين، أوجد تذمراً شعبياً واسعاً، وجعل الناس يستجيبون لدعوة زعيم الموحدين محمد بن تومرت، الذي أظهر الزهد والتقشف والتنسك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وركز على انحرافات المرابطين عن الإسلام.
والدرس الكبير الذي ينبغي أن يستوعبه الجميع من تاريخ الدولة المرابطية هو: أن هدف إقامة الدولة المسلمة القوية لن يتحقق، إلا بجيل مؤمن، ملتزم بأحكام الشرع، جاد، مجاهد، يتربى على أيدي العلماء المجاهدين الجادين الصادقين، وأن الترف والفساد والانحرافات عن شريعة الله، تسقط الدولة المسلمة مهما كانت قوية.